تستشرس الأزمة الإقتصادية وتعصف بقوّة في المجتمع اللبناني، ولم يحن وقت انحسار العاصفة بعد، واللبنانيون يختبئون تحت مظلّات هشّة، علّهم يحمون أنفسهم ويتابعون الرحلة. فالإنهيار الإقتصادي لم يؤثّر سلباً اقتصادياً فقط، بل جرفت سيوله الأوضاع بالإجمال الى أن برزت المشاكل الإجتماعية وانعكست التداعيات المالية على أوضاع العائلات، حتى برزت النسب المرتفعة من التفكك الأسري والطلاق.
سنة تلو الأخرى تشهد نسبة الطلاق في لبنان ارتفاعاً ملحوظاً، إذ تظهر الأرقام تراجعاً في عقود الزواج مقابل ارتفاع في عقود الطلاق التي تخطت الـ 55% خلال السنتين الماضيتين.
معدلات الطلاق في لبنان، تتركَّز على ضيق الوضع المادي وسوء الخلق وسوء التّعامل، أحياناً من الزوج، وأحياناً من الزوجة، وأحياناً من الطرفين.
أما بالنسبة لنتائج الطلاق وتأثيرها على المجتمعات، فقد لا نلمسها بشكل مباشر، ولكن بعد سنوات تتضح للمجتمع، ويرافق ظاهرة الطلاق ظاهرة أخرى، وهي تأخر سن الزواج بحيث يصبح الشباب أكثر تخوفاً من فكرة الارتباط، ما يدفعهم إلى تأخير الزواج وعدم الرغبة من تحمل المسؤولية كي لا يواجهون صعوبات اقتصادية، وكي لا تزيد الضغوطات عليهم، وهذا التأخير في الزواج هو أشبه بالطلاق من حيث مفاعيله وتأثيراته.
توصّلت الدراسات والتقارير إلى أن السنوات المقبلة قد تشهد ارتفاعاً في نسب الطلاق، خصوصاً وأن هذه الظاهرة لا تتغيّر بين ليلة وضحاها، ولأن الأزمة الاقتصادية والمالية التي يمر فيها لبنان، لم تنتهِ وسيكون لها تداعيات ستظهر للناس في ما بعد رغم حالة الإنكار التي يعيشونها وأملهم بأن الأمور ستتحسن قريباً.
أن نسبة الطلاق تشمل جميع اللبنانيين من مختلف الأديان والطوائف، وبات الطلاق أمراً شائعاً، حيث تكاثرت مؤخراً الحالات متجاوزة نسبة المعقول، ولا بدّ من ذكر ظاهرة جديدة طرأت على المجتمع اللبناني، فقد أصبحت بعض المطلقات تجري إحتفالات بمناسبة الحصول على حريتهنّ.
ما أسباب الطلاق الاكثر شيوعا؟
الخيانة
لعلّ الخيانة من أشهر الأسباب التي تؤدي إلى الطلاق، ولا شكّ أنّه يصبح من الصعب التعايش مع شريك خانك كما أنه يصعب المضي قدماً أو مثلاً إعادة إصلاح العلاقة بعد تزعزع الثقة بين الزوجين.
الوضع المادي
قد تظنين انّ المال أو الوضع المادي لا تأثير له على الزواج، وإن كان فعلاً الزوجان مغرمين ببعضهما فسيعيشان “على الحلوة وعلى المرّة” لكن هذا ليس صحيحاً.
المال يؤثّر في كلّ شيء. يؤثر على حياة الناس.، إذ المال والضغط النفسي يرافقان العديد من المتزوجين، وقد يولّد الخلافات بينهما. لذلك، يمكن تصنيف المشاكل المالية باعتبارها واحدة من أكبر أسباب الطلاق، بعد الخيانة الزوجية.
الشجارات المستمرة
من المؤكد أن التواصل الجيّد والسليم يُعتبر من أساسيات الزواج الناجح. لذا عند فقدان هذا العنصر الأساسي بين الزوجين، قد يحصل سوء تفاهم بينهما وتولّد الشجارات بينهما بشكل متكرر. إذ في بعض الأحيان قد يشعر أحد الزوجين أنّه لا يُقدّر على أعماله أو لا أحد يصغي إليه جيداً وما إلى ذلك. ومع كثرة الشجارات والتواصل بطريقة غير سليمة قد يؤدي إلى الطلاق.
الزواج المبكر
رغم تطوّر العقلية اللبنانية، إلّا أنّ مسألة الزواج المبكر أو الزواج المفروض على الشابة ما زال موجوداً في لبنان. وللأسف هذا الأمر قد يزيد من احتمال الطلاق. قد تكون الشابة تزوّجت بكامل إرادتها لكن أقدمت على الارتباط الزوجي في سنّ مبكر، ما يجعلها في بعض الأحيان تلوم نفسها على هذا الأمر.
وتشير الإحصاءات إلى أن معدلات الطلاق هي الأعلى بين الزوجين في العشرينيات من عالعمر، ويعود السبب إلى عدم استعدادهم لهذا النوع من الارتباط، كما يُعتبر من أكثر أسباب الطلاق شيوعاً.
إن نسبة كبيرة من المتزوجين أصبحوا مطلّقين، منهم الجدد، ومنهم من تخطّى العشرين سنة “عشرة”، أو أكثر، وكل ذلك يأتي بعد “طول انتظار” و”صبر” و”صمت”. فعادةً يكون الحب دافعاً للزواج، ولكن في لبنان ومع تكدس الأزمات المعيشية والاجتماعية والحياتية أصبح للحبّ “كوخ صغير”، يتّسع للقلوب الضعيفة أو المغرومة نوعاً ما فقط.
فالوضع اللبناني لم يترك أي متنفس للفرد إلا وحطّ ثقله على أكتافه وأثّر سلباً على واقع المجتمع اللبناني وجعل عدداً كبيراً من العائلات تتفكك.
لبنان الداخل في نفق الظلام، فقد مقوّماته الإجتماعية كلّها، حتى التفكك الأسري بدأت معالمه تظهر، فهل ستشهد الأيام المقبلة تأزّماً وارتفاعاً أكبر بالأرقام وكيف ستنعكس الصورة على المستقبل الإجتماعي لجهة الأجيال التي تنمو في قعر الأزمة والمشاكل؟