على ان تعويم دور اميركي جديد منفصل في لبنان يبعث على بضع ملاحظات:
اولاها، محاولة تمييز ما يضطلع به هوكشتين عن ذاك المعهود الى الدول الخمس مع ان واشنطن عضو فيها. منذ اجتماع سفرائها اخيراً في بيروت راح يتأكد شيئاً فشيئاً اخفاقها في اتفاق اعضائها على قواسم مشتركة تتجاوز العناوين العريضة للمواصفات المستحيلة. الكلام الجديد الدائر عن تكليف هوكشتين ملف الرئاسة اللبنانية اعطى انطباعاً اولياً بانتهاء عمل الدول الخمس وحصره بالاميركيين، في وقت يتحدّث حزب الله في الداخل عن ان شريكه الفعلي في التسوية التي تبدأ في الجنوب وتنتهي في قصر بعبدا هم الاميركيون. وحدهم يملكون كي يعطوا.
ثانيتها، رغم النيات الحسنة التي يحملها هوكشتين في كلامه عن خفض التوتر في الجنوب وانهاء النزاع المسلح بين اسرائيل وحزب الله، ودغدغة المشاعر بعودة سكان جانبي الحدود الى بيوتهم والعيش في امان، ينظر حزب الله الى التصعيد المتواصل جنوباً بمنطق مختلف، ان لم يكن مناقضاً لما يقول به الاميركيون ويعاكس توقعاتهم وحساباتهم: كلا حزب الله واسرائيل يديران الحرب بينهما بميزان دقيق محسوب بأدق تفاصيله. لا تزال قواعد الاشتباك نفسها تحظى بالتزام الطرفيْن بما في ذلك توسّع بعض العمليات العسكرية الى عمق ابعد من جانبي الحدود: صفد في مقابل النبطية واقليم التفاح، وطبريا في مقابل بعلبك، والجولان في مقابل الضاحية الجنوبية. ما يقول به الحزب انه واسرائيل لا يحتاجان الى ذرائع لولوج حرب مفتوحة بينهما عندما يعتزمان. ليست هجمات الاعماق حجة كافية للذهاب الى الحرب، مقدار ما تعكس تمسكاً بقواعد الاشتباك التي احالت التصعيد العسكري بينهما يمتد من خمسة الى سبعة كيلومترات في داخل كل منهما. اما الشق الآخر في المعادلة النافذة هذه فهو: عسكري في مقابل عسكري، كما مدني في مقابل مدني.
ثالثتها، على غرار ما اعتاد الاميركيون ان تسبق تحركهم كاسحة الغام تمثلت بعد الشغور الرئاسي عام 2022 بالدور الفرنسي، وانتقلت العام المنصرم الى الدول الخمس، ها هم الآن بأنفسهم في المعترك. اسطع دليل على حضور مستجدّ في الداخل اللبناني الفارق الملحوظ بين الورقتين الاميركية والفرنسية في معالجة التوتر الحدودي. بينما بدت الثانية مربكة ملتسبة في تناولها ترتيبات امنية تفتقر الى الدقة في تعيين نقاط الخلاف دونما الخوض في تفاصيلها محيلة اياها الى اللجنة الثلاثية في الناقورة، تحدثت الاولى عن عناوين محددة هي مكمن الخلاف اللبناني -ـ الاسرائيلي كالـB1 والنقاط الـ13 المختلف عليها وصولاً الى الغجر وكفرشوبا. قلل المسؤولون اللبنانيون كما حزب الله من اهمية ورقة باريس، كي يقاربوا بجدية ورقة واشنطن. تلتقي الورقتان على بند عريض ليس مدار التباس هو تنفيذ القرار 1701 الذي لم يعد، بالنسبة الى حزب الله على الاقل، على نحو تطبيقه منذ عام 2006 افضل الخيارات للحؤول دون حرب مع اسرائيل مندلعة في الوقت الحاضر.