من الواضح أن “حزب الله” من خلال حربه المفتوحة على الجبهة الجنوبية للبنان بدأ يخسر جزءاً من البيئة المسيحية التي باتت من دون أدنى شك بغالبيتها العُظمى تعارض تدخّل “الحزب” في المعركة، وهذا ما بات يؤثر بشكل سلبي على واقع “الحزب ” الداخلي الذي بدأ بالتراجع تدريجياً منذ أحداث ثورة 17 تشرين في لبنان.
ومع اندلاع معركة “طوفان الأقصى” في قطاع غزّة، استطاع “حزب الله” تحصين واقعه في الجبهة الداخلية اللبنانية من جديد، لجهة أداء “الحزب التقدّمي الاشتراكي” وتصريحات رئيسه السابق وليد جنبلاط الداعمة للمقاومة بوجه العدوّ الاسرائيلي، ومع إعلانه تحضير البنية الداخلية لاستقبال المهجّرين في حال توسّع رقعة الحرب، استطاع إغلاق الساحة الدرزية لتصبح متقبّلة لمشاركة “الحزب” لا بل مساندة له في العديد من المحطات.
مما لا شكّ فيه أنّ ظروف المعركة العسكرية التي بدأت في غزّة وانتقلت الى لبنان عبر جبهة الدعم في الجنوب وغيره من الدول المُساندة، جعلت من الواقع السنّي متحالفاً مع “حزب الله” الى حدّ كبير ومؤيداً له خصوصاً أن ما يقوم به “الحزب” اليوم من عمليات جنوباً ينطلق من مبدأ الدفاع عن فلسطين ودعم أحد الفصائل الاسلامية السنيّة فيها وتحديداً “حركة حماس”، الامر الذي حسّن واقع “الحزب” لدى اكثر البيئات التي كانت على خصومة معه في مرحلة سابقة وتحديداً البيئة السّنيّة.
تعتبر مصادر سياسية مطّلعة أن الخسارة الحقيقية قد وقعت في الساحة المسيحية، حيث أن الخلاف الحاصل لم يقتصر على “الحزب” وخصومه التقليديين في هذه الساحة بل انتقل “التيار الوطني الحر” ليتحوّل الى أشدّ المُعارضين لتدخّل “الحزب” في هذه المعركة، وذلك من باب “الطبطبة” على المزاج المسيحي العام، ما حشد خلف القيادات المسيحية غالبية المسيحيين الذين استنكروا مساندة “حزب الله” لغزّة من منطلق وحدة الساحات وجعل أيضاً واقعه ضعيفاً في هذه البيئة بشكل خاص.
لكنّ “حزب الله”، وبحسب المصادر نفسها، قادر بلا شك على حلّ هذه المسألة وذلك من خلال إعادة تحسين علاقته ب”التيار”، وهذه العلاقة لا يمكن تحسينها الا عبر مكاسب ستُقدّم للعونيين في السلطة، وتأمين “الحزب” لتقدّمهم في الداخل اللبناني كما فعل في السنوات الفائتة. وعليه فإنّ عدم قيام “حزب الله” بمثل هذه الخطوات، الأمر الذي مرجّح استمراره في هذه الفترة، سيُبقي العونيين في موقع المعارضة حتى إنجاز الاستحقاق الرئاسي وتبيان الخيط الابيض من الاسود.