بين مهمّة هوكشتاين وفرضية "العملية البرية".. أي خيار "يغلب"؟!

6 مارس 2024
بين-مهمّة-هوكشتاين-وفرضية-"العملية-البرية".-أي-خيار-"يغلب"؟!
بين مهمّة هوكشتاين وفرضية "العملية البرية".. أي خيار "يغلب"؟!

في مؤشّرٍ واضح على مضيّه في مهمّته “الدبلوماسية”، حطّ المبعوث الرئاسي الأميركي آموس هوكشتاين في العاصمة اللبنانية بيروت لساعات، حيث التقى عددًا من المسؤولين، مجدّدًا التأكيد أنّ التصعيد لن يفيد أيًا من الجانبين اللبناني والإسرائيلي، وأنّ الولايات المتحدة تؤمن بأن الجل الدبلوماسي هو الأفضل، وأنه يحق للجميع العيش بسلام، ومعتبرًا أنّه “لا يوجد شيء اسمه حرب محدودة”، في إشارة إلى التوتر الحدوديّ الجنوبيّ.

 
لكنّ لهجة هوكشتاين “الدبلوماسية” لم تخلُ من بعض التحذيرات المبطنة، والتي برزت خصوصًا بقول إنّ الهدنة غزة قد لا تنعكس تلقائيًا على الجبهة اللبنانية، في دلالة على وجود “فصل” بين الجبهتين، وفقًا للمقاييس الغربية، بما يناقض التوجّه القائل بـ”الترابط” بينهما، الذي يؤكد عليه “حزب الله” بقوله إنّه سيلتزم بأيّ هدنة توافق عليها الفصائل الفلسطينية ما التزمت بها إسرائيل، التي تتوعّد في المقابل، بـ”تصعيد” عملياتها ضدّ الحزب.
 
وفي حين تزامنت زيارة هوكشتاين مع حديث “حزب الله” عن إحباط محاولات تسلّل إسرائيلية جنوبًا، في ما صُنّف “تطورًا نوعيًا” على خطّ المعارك، فإنّها جاءت أيضًا بعد أيام من تسريبات نسبت لمسؤولين في الإدارة الأميركية “ترجيحهم” أن تشنّ إسرائيل “عملية برية” في جنوب لبنان قبل نهاية العام، وتحديدًا في نهاية الربيع أو بداية الصيف، فما الذي يعنيه كلّ ذلك؟ وأيّ الخيارات سيغلب في نهاية المطاف؟
 
العين على مهمّة هوكشتاين
 
يقول العارفون إنّ العين الآن تبقى مركّزة على مهمّة هوكشتاين، ولا سيما أنّ زيارته في هذا التوقيت، وبعد فترة من “انكفاء” الموفدين الإقليميين والدوليين، أعطت انطباعًا إيجابيًا ومؤشّرًا على أنّ جهود “فرملة” التصعيد تتقدّم، بمعزل عن ضرورات “الحرب النفسية” القائمة بين “حزب الله” وإسرائيل، والتي يتخلّلها الكثير من رفع الأسقف، والتهديدات بعودة عقارب الساعة إلى الوراء، واسترجاع مرحلة “حرب تموز” بشكل أو بآخر.
 
ولعلّ “رمزية” مهمّة هوكشتاين، تكمن في هويّة الرجل تحديدًا، وهو الذي يُعرَف بـ”عرّاب” اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، وهو ما يجعل كثيرين يعتقدون أنّ تكرار الأمر نفسه في “احتواء” التصعيد الحالي قد يكون ميسَّرًا، ولا سيما أنّ هناك أفكارًا تُطرَح حول “تنازلات متبادلة” قد تكون “مغرية” للطرفين، ويمكن أن تسهّل الوصول إلى اتفاق، خصوصًا إذا ما صحّ الحديث عن انسحاب إسرائيل من بعض الأراضي المحتلّة.
 
لكنّ هذه “الإيجابية” في مقاربة مهمّة هوكشتاين، والتي حاول التعبير عنها بشكل أو بآخر في تصريحاته الصحافية، تبقى “حذرة” وفقًا للعارفين، وهو ما يختصر كلامه عن أنّ هدنة غزة قد لا تنعكس تلقائيًا على جبهة لبنان، وهو ما يعزوه البعض إلى مواقف الطرفين، فـ”حزب الله” يرفض أيّ حديث حول تسوية قبل وقف إطلاق النار في غزة، في حين أنّ إسرائيل ترفض الإيحاء بأنّها تسير وفق “القواعد” التي يحدّدها الحزب.
 
ما قصّة “العملية البرية”؟!
 
ولعلّ هذا “الحذر” في مقاربة مهمّة هوكشتاين، يستمدّ جزءًا أساسيًا من مفاعيله، من التسريبات الصحافية الأخيرة التي نسبت لمسؤولين أميركيين حديثهم عن “عملية برية مرجّحة” في لبنان، بل ذهاب بعضهم لحدّ تحديد توقيتها، وهو ما أثار “نقزة” لدى كثيرين، وفتح باب التساؤلات على مصراعيه، حول الموقف الأميركي الحقيقي من لبنان، علمًا أنّ هناك من قرأ في محاولات التسلّل التي حُكي عنها، “جولة استطلاعية” إن جاز التعبير.
 
في هذا السياق، ثمّة من يضع الحديث الأميركي عن “عملية برية” من هذا النوع، في إطار “التحذير والتنبيه” ليس إلا، بمعنى أنّ الولايات المتحدة توجّه رسالة غير مباشرة إلى “حزب الله” بأنّ عدم التجاوب مع مهمّة هوكشتاين، وبالتالي فشل مساعيه، قد تؤدي إلى هذا السيناريو الذي تدفع إسرائيل باتجاهه، خصوصًا أنّ هناك من يحمّل الحزب مسؤولية إحباط المبادرات الدولية، حين اعتبر أنّها لا تتوخّى عمليًا سوى “حماية إسرائيل”.
 
في المقابل، ثمّة من يقول إنّ التسريبات جاءت لتعكس ما يُحكى فعلاً في الغرف المغلقة، عن تحضيرات إسرائيلي لتصعيد مع لبنان، قد يصبح “تحصيلاً حاصلاً”، حتى إنّ هناك من رجّح حصول مثل هذه “العملية البرية” لتحقيق أهداف “موضعية” بمعزل عن نتائج محادثات هوكشتاين، وبما يسمح للإسرائيليين بـ”طمأنة” سكان المستوطنات الشمالية للعودة إلى المناطق التي هُجّروا منها، عبر الترويج لنظرية “إبعاد حزب الله” عن الحدود.
 
مرّة أخرى، هو “السباق على أشدّه” بين المسارين الدبلوماسيّ والعسكريّ، وفق ما يرى كثيرون، ولعلّ “التزامن” بين التسريبات التي قد تندرج في خانة “الحرب النفسية”، وعودة السخونة إلى “مهمّة هوكشتاين” ليس بريئًا بهذا المعنى، بل يرسل إشارات واضحة وبالغة الدلالات. لكن، هنا أيضًا، ثمّة من يقول إن مسار “حرب غزة” يبقى المفصل الذي سيحدّد اتجاه البوصلة، ولو أصرّ البعض على “الفصل” بين الجبهتين!