مَن يسبق مَن… هوكشتاين أم الحرب؟

7 مارس 2024
مَن-يسبق-مَن…-هوكشتاين-أم-الحرب؟
مَن يسبق مَن… هوكشتاين أم الحرب؟

الخشية التي أبداها أكثر من مسؤول أميركي من اقدام إسرائيل على التوغّل برًّا إلى لبنان عبر بوابته الجنوبية خلال فصل الربيع تأكد لدى المراقبين الدوليين والمحليين أنها نابعة من معرفة عميقة لمسرى التطورات الميدانية في الجنوب أولًا، ولمدى الاطماع الإسرائيلية التاريخية بمياه لبنان في الدرجة الأولى، وبالقضاء على “حزب الله” في الدرجة الثانية، لأن تل أبيب تعتقد أن مستعمراتها الشمالية لن تذوق طعم الراحة ما دامت عناصر “المقاومة الإسلامية” مرابطة في مواقعها المتقدمة على طول الشريط الحدودي حتى ولو التزم الطرفان بـ “هدنة رمضان الغزاوية” وأسكتوا المدافع ولو لفترة قد تكون هذه المرّة أطول من المرّة السابقة.

 ولأنه لا يمكن الركون لما يمكن أن يكون عليه شكل الأطماع الإسرائيلية فإن ما يخشاه الأميركيون وغير الأميركيين قد يصبح واقعًا، وقد “تنجح” إسرائيل في جرّ “حزب الله” إلى حرب “لا يريدها، ولكنه لا يخشاها”، وقد يدخل لبنان من حيث لا يدري في هذه الحرب، التي قد يكون لها بداية ولكن لا أحد يعلم كيف ستكون النهاية، وما هو ثمن هذه الحرب، التي ستعيد لبنان سنين إلى الوراء، وهو الذي يعاني ما يعانيه من أزمات سياسية في ظل عجز توافق القوى السياسية على انتخاب رئيس للجمهورية، وهو الذي يعيش أيضًا كوارث اقتصادية تجعله غير قادر على مواجهة ما يعترضه يوميًا من مشاكل اجتماعية، تتداخل فيها عوامل عدة، ومن بينها عامل النزوح السوري، الذي يُعتبر قنبلة موقوتة لا يعرف أحد متى تنفجر.

فما يشهده الجنوب هو أقل من حرب، ولكنه في الوقت ذاته أكبر من معارك أو مناوشات كان يُعتقد أنها ستحافظ على ما أصطلح على تسميته “قواعد اشتباك”، ليتبيّن للرائي أن عمليات القصف والقصف المضاد ليست سوى تحضير الساحة لحرب أكبر وأوسع انتشارًا، خصوصًا أن ما تتكبده إسرائيل من خسائر بشرية ومادية لا يعلن عنها لا يسمح لها، من حيث منطق الأمور، بوقف مشروعها الاجتياحي في بداياته، وقبل أن تطمئن بأن أمن مستوطني الشمال مضمون مئة في المئة. فما لم تستطع تحقيقه بالمفاوضات غير المباشرة بالنسبة إلى ابعاد عناصر “حزب الله” من العمق الجنوبي إلى شمال الليطاني تظّن أنها قادرة على تحقيقه بما ستقوم به من اجتياح تتوعد “المقاومة الإسلامية” بأنه لن يكون بمثابة نزهة، وهي على أتم الاستعداد والجهوزية للمواجهة، التي يمكن أن تفرض عليها فرضًا. 
ومن يعرف كيف يقاتل الجيش الإسرائيلي، خصوصًا أن معنوياته اليوم هي في “الأرض”، يستطيع أن يرسم مشهدية ما قد تقدم عليه تل أبيب، التي تتخبط بأزمات داخلية طويلة وعريضة، وتواجه ضغطًا دوليًا غير مسبوق، خصوصًا بعد “مجزرة الاغاثات”. فلدى جيش العدو قدرة مدّمرة قد تطال كل لبنان، ولكنه يعرف أن لدى “حزب الله” إمكانات كبيرة قد يصل مدى صواريخها حتى إلى ايلات، وهي قادرة على الحاق الأذى بمصالحها الحيوية.

وعلى رغم هاتين المعرفتين فإن الخشية الأميركية من الأطماع الإسرائيلية تبقى احتمالًا واردًا ومتقدمًا، على رغم ما يُبذل من جهود حثيثة لتجنيب لبنان تجرّع مثل هذه الكأس المرّة، وهي أكثر مرورة من العلقم، وآخرها ما توافر لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي من معطيات هي نتيجة الاتصالات والمشاورات التي يجريها في إطار مواكبته للوضع في الجنوب، ومما كان سمعه خلال وجوده في ميونيخ.

ما هو متأكد أن هناك سباقاً بين الجهود الدولية المتسارعة لمنع انزلاق الأمور إلى حرب موسعة، وبين ارتفاع وتيرة التهديدات الإسرائيلية التي ترافقت في اليومين الماضيين مع خشية أميركية نتيجة الأجواء المقلقة حيال معلومات عن استهدافات إسرائيلية للقيام بعملية توغل بري في الجنوب لتأمين المنطقة العازلة التي تحتاج إليها لحماية أمن مستوطناتها.