هل تعّوم زيارة الرابية "اتفاق مار مخايل"؟

9 مارس 2024
هل-تعّوم-زيارة-الرابية-"اتفاق-مار-مخايل"؟
هل تعّوم زيارة الرابية "اتفاق مار مخايل"؟

من تسنّى له التدقيق جيدًا في تعابير وجه الرئيس السابق ميشال عون وهو يستقبل وفد “حزب الله” لتبيّن له أن اللقاء لم يكن ناجحًا بالمعنى الحصري للكلمة إلا شكليًا. حتى أن النائب محمد رعد، الذي قلما رأه أحد يضحك حاول التبسّم عندما اقتربت “الكاميرا” إليه، لكن بسمته كان فيها بعض من التصنّع. وهذا دليل آخر على أن لقاء الرابية لم يكن في المستوى، الذي أرادته “حارة حريك”، في محاولة منها لامتصاص الصدمة واستيعاب مفاعيل الموقف الذي لم يكن منتظرًا أن يصدر عن الرئيس عون بالذات، والذي زكّاه رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل في اليوم التالي. وهذا يعني بالنسبة إلى “الحزب” أن هذا الموقف لم يكن عفويًا أو كما يُقال “أبن ساعته”، بل كان مدروسًا ومنسّقًا تمام التنسيق بينهما.

وكما حاول نائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم التخفيف من وطأة تراجع العلاقة بين الحليفين إلى هذا المستوى كذلك جاء تصريح النائب رعد على أثر “لقاء الرابية”، لكن واقع الحال بين حليفي الأمس لم يعد كما في السابق، لأن الاناء عندما ينكسر تصبح عملية ترميمه صعبة جدًا، إن لم نقل مستحيلة، ولأن الرصاصة التي انطلقت من “الرابية” ومن “ميرنا الشالوحي” أصابت صدر “المقاومة”، وهي التي “تستقتل” من أجل أن تضمن أن يأتي رئيس للجمهورية يحمي لها ظهرها ولا يطعنها من الخلف فأتت “الرصاصة العونية” لتصيب هدفًا مباشرًا. وعندما تُطلق الرصاصة يصبح مستحيلًا إعادتها إلى حيث انطلقت. وهي متى انطلقت ستصيب حتمًا الهدف المصوّب عليه.
وعلى رغم ذلك أصرّ “حزب الله” على أن يقوم وفد من كتلة “الوفاء للمقاومة” بزيارة “حليف الأمس” متخطّيًا ما أصابه من ضرر معنوي نتيجة ما أعلنه عون وباسيل، خصوصًا أنه لم يكن يتوقع صدور مثل هكذا موقف متقدم في رفض ما تقوم به “المقاومة الإسلامية” اسنادًا لفلسطينيي غزة انطلاقًا من جنوب لبنان.
ويسأل سائل: لماذا هذا الإصرار الذي يبديه “حزب الله” على التمسّك بيد الرئيس عون، وبالتالي بيد باسيل كونه رئيس “التيار الوطني الحر”، أيًّا يكن الموقف الذي يمكن أن يتخذاه في المستقبل؟
بعض العارفين يدّعون بأن لديهم الجواب عن هذا التساؤل، ويؤكدون أن “حزب الله” يحتاج في معركته الحالية إلى الشريك المسيحي وإلى غطائه، وذلك خشية أن تأخذ هذه المعركة طابعًا دينيًا. وهذا ما لا يريده “الحزب”، ولكن هذا ما يسعى إليه رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو، الذي وصف عملية “طوفان الأقصى” بأنها من مخلفات غزو “العماليق”. وهو أراد أن يعود إلى المنحى التوراتي للحرب لتأليب يهود العالم ضد حركة “حماس”، ولتزوير الحقائق التاريخية.  
ولذلك، فإن من مصلحة “حزب الله” أن يبقى “التيار الوطني الحر” واقفًا إلى جانبه، على رغم السهام السياسية، التي يوجهها إلى صدره باسيل، وهو الذي تحمّل منه في السابق الكثير، وهو مضطّر لأن يتحمّل بعد أكثر مما تحمّله، وذلك للحفاظ على تأييد ودعم هذا الشريك المسيحي في حرب لم تُقنع أسبابها الكثيرين من اللبنانيين، وبالأخص المسيحيين منهم.
فهل بات الرئيس عون ومعه باسيل مقتنعين بمبدأ “وحدة الساحات” بعد هذه الزيارة البروتوكولية، التي تدخل في “أدبيات السياسة الاجتماعية” على خلفية مقولة “لا يفسد للود قضية”، وهل اقتنعا جدّيًا بنظرية أن “الحزب” فتح الجبهة الجنوبية ملتزمًا “قواعد الاشتباك” منعًا لحرب شاملة تريدها إسرائيل وتخطّط لها منذ زمن بعيد، وهي التي لها أطماع كثيرة في لبنان، ومن بينها الثروة المائية، التي قد تفوق بأهميتها الثروة النفطية؟
وهل اقتنع العماد عون فعلًا بأن “الحزب” يفصل بين حرب غزة ونتائجها والمسار الذي يسلكه الملف الرئاسي، خصوصًا أن بيان كتلة “الوفاء للمقاومة” الذي تزامن صدوره مع هذه الزيارة تضمن مؤشرات إيجابية يمكن البناء عليها في ما يتعلق بموقفها من مبادرة كتلة “الاعتدال الوطني”، مع تشديدها على “التوصل إلى مخرج وفاقي للأزمة الرئاسية”؟