فعلياً، فإن جميع تلك القرارات مترابطة ومتداخلة، وهي:
– قضية استعادة الأسرى المحتجزين في غزة.
– اجتياح رفح.
– الوضع الإنساني في القطاع.
– شكل الحكم في غزة في اليوم التالي للحرب.
– تهدئة جبهة الشمال مع لبنان.
– سياسات إسرائيل خلال شهر رمضان.
– قضية التجنيد الإجباري للحريديم أو رفع سنوات الخدمة للبقية.
الصحيفة الإسرائيلية تقول إن عدد تلك القرارات الدراماتيكية الكبير، وأهمية كل واحد منها، يتطلب اتفاقاً سياسياً واسع النطاق وثقة عامة كبيرة في قرارات الحكومة.
على أرض الواقع، تبدو الحكومة منشغلة بمصالحها السياسية قبل مصلحة البلاد، وتعاني من تفكك وضعف وفشل إداري وانهيار في المصداقية، وثقة الشارع منهارة تجاه تحالف نتنياهو الذي يرفض مغادرة سدة الحكم، وهو ما يعني احتمال اتخاذ قرارات خاطئة ذات تكلفة باهظة. فكيف تبدو خيارات إسرائيل تجاه تلك القضايا السبع؟ وهل على إسرائيل أن تستعد للسيناريوهات الأسوأ؟
القضية الأولى: استعادة الأسرى أم التخلي عنهم
ما زالت المفاوضات جارية لعقد صفقة تبادل أسرى وتهدئة بين حماس وإسرائيل برعاية مصرية قطرية وبضغط أميركي، لكن الصورة الحالية لا تدعو للتفاؤل.
إسرائيل مصممة على أن تكون الهدنة مؤقتة لستة أسابيع، وترفض الالتزام بإنهاء الحرب أو عودة جميع النازحين لشمال غزة أو إعادة الإعمار الفوري.
كما أنها تراوغ في مسألة عدد وهوية الأسرى الذين ستفرج عنهم في الصفقة، وتريد الافراج عن نحو 400 فقط مقابل 40 إسرائيلياً محتجزين في غزة.
نتنياهو يتهم حماس بوضع شروط صعبة للتوصل إلى تفاهم، لكن صحيفة إسرائيل هيوم تقول إن الإدارة الأميركية ألمحت في الأيام الأخيرة أن إسرائيل أيضاً تعقّد وتصعّب دفع المفاوضات قدماً.
الحكومة الإسرائيلية رفضت إرسال وفد مفاوض للقاهرة في الجولة الأخيرة نهاية الأسبوع الماضي، وفرض نتنياهو قيوداً على ما يمكن لرئيس الموساد دافيد برنياع التفاوض عليه، والتنازلات المسموح له بتقديمها.
صحيفة “هآرتس” تقول إن وزراء مجلس الحرب وقادة الأجهزة الأمنية يدعمون صفقة التهدئة مع حماس، لكن نتنياهو هو من يراوغ حتى اللحظة.
كذلك، هناك إجماع بين الخبراء على أنه من مصلحة نتنياهو ألا تنتهي الحرب، كي يستمر في التهرب من المسؤولية عما حدث في 7 تشرين الأول، وليتملص من المطالبات بانتخابات مبكرة، من المرجح أن تطيح به من عالم السياسة.
“إسرائيل هيوم” تقول إن الفشل في استعادة الأسرى أحياء ستكون بمثابة تفويت فرصة وخطأ لن يُغتفر، لأن الحكومة هي من فشلت في حمايتهم في 7 أكتوبر وتركتهم ليواجهوا مصيرهم، وعدم استعادتهم تعني التخلي عنهم مرةً أخرى.
أما اليمين الإسرائيلي فأصبح يجادل بأنه على الإسرائيليين الاختيار بين أمرين إما “النصر المطلق” وإما استعادة الأسرى، وهو ما بدا جلياً في تصريح وزير المالية اليميني بتسلئيل سموتريتش بأن تحريرهم ليس الأولوية حالياً.
القضية الثانية: اجتياح رفح قبل أو بعد التهدئة
إسرائيل بحاجة إلى صورة انتصار في حربها على غزة، وقد أخفقت في تحقيق ذلك على مدار أكثر من 150 يوما من القتال، إذ فشلت في الوصول لكبار قادة حماس مثل يحيى السنوار أو الإسرائيليين المختطفين باستثناء 3 فقط من أصل أكثر من 130.
لذلك، عملت الحكومة الإسرائيلية على تصوير مدينة رفح باعتبارها المعقل الأخير لحماس، وأن قادة الحركة والأسرى من المرجح أنهم موجودون هناك.
في حال عدم التوصل لاتفاق تهدئة مؤقت مع حماس، فإن وزير الحرب بيني غانتس هدد باجتياح رفح في رمضان، في حين هددت حماس بالانسحاب من المفاوضات في حال دخلت إسرائيل رفح عسكرياً.
أما في حال عقد صفقة، فسيكون هناك 6 أسابيع من الهدوء على الأقل ستسعى إسرائيل بعدها لاجتياح المدينة الجنوبية إذا لم يتم الضغط على نتنياهو لإيقاف الحرب بالكامل.
إسرائيل هيوم تقول إن الأمر الأخطر من التحدي العسكري في رفح هو خطر الإضرار بالعلاقات مع مصر ومصير 1.4 مليون شخص أغلبهم من النازحين الذين أجبرتهم إسرائيل على الانتقال إلى تلك المدينة.
علاوة على ذلك، أبدت أميركا والعديد من الدول الأوروبية مثل فرنسا وألمانيا معارضة صريحة لشن إسرائيل عملية عسكرية برية في رفح دون خطة واضحة لإجلاء المدنيين من المدينة.
وقالت صحيفة “واشنطن بوست”، إن بايدن يدرس منع إسرائيل من استخدام أي أسلحة أميركية في غزو الجيش لرفح.
لذلك، من مصلحة إسرائيل أن تعقد هدنة مؤقتة تفرغ خلالها رفح من النازحين بقدر الإمكان قبل دخولها عسكرياً.
الجيش الإسرائيلي يحتاج أيضاً إلى بعض الوقت لإعادة التعبئة وحشد عدد كاف من الجنود لاجتياح رفح، فهو لا يملك على الأرض في غزة في هذه اللحظة سوى عدد محدود من الكتائب بعد سحب عدة ألوية من القطاع.
القضية الثالثة: الأزمة الإنسانية
صحيفة “إسرائيل هيوم “تقول إن استمرار الحرب في خطر، بسبب الأزمة الإنسانية المتفاقمة في غزة، خاصة في النصف الشمالي، التي زادت من القطيعة بين واشنطن ونتنياهو.
وتشير الصحيفة إلى أن إسرائيل تعرضت لانتقادات حادة وضرر كبير في صورتها عالمياً، إثر “الكارثة” التي استُشهد فيها عشرات الفلسطينيين، في إشارة لمجزرة الطحين التي أطلق فيها الجيش الإسرائيلي الرصاص على المواطنين المتدافعين للوصول لشاحنات المساعدات، ما أدى إلى استشهاد أكثر من 115 وإصابة نحو 750.
وتحذر إسرائيل هيوم من أن استمرار تلك الأزمة قد يدفع الحكومات الغربية إلى المطالبة بوقف إطلاق النار.
دول كثيرة نفذت إنزالات جوية للمساعدات الغذائية على نصف غزة الشمالي في الأيام الماضية كإجراء مؤقت في ظل عرقلة إسرائيل دخول المساعدات إلى القطاع، لكن ذلك لا يعتبر حلاً مستداماً أو كافياً لسد أزمة الجوع.
الحكومة الإسرائيلية قالت إنها تدرس فتح معبر كارني في الشمال أو السماح للأمم المتحدة نقل المساعدات عبر الشارع الجديد الذي أنشأه الجيش لفصل شطري القطاع الشمالي والجنوبي عن بعضهما أو السماح بدخول المساعدات بحراً بعد تفتيشها في قبرص، أو بناء ميناء في غزة، وفق مقترح نقله مسؤولون عن الرئيس الأميركي جو بايدن.
وفعلاً، قالت القيادة المركزية الأميركية، الأحد، إن الجيش الأميركي أرسل سفينة لتوصيل مساعدات إنسانية إلى غزة.
وجاء في البيان أن السفينة “تحمل المعدات الأولى لإنشاء رصيف مؤقت لتوصيل الإمدادات الإنسانية الحيوية”.
لكن في ظل عرقلة ومنع نشطاء اليمين الإسرائيلي دخول المساعدات عبر معبر كرم أبو سالم، وفي ظل ضغط وزراء اليمين المتطرف في الحكومة مثل إيتمار بن غفير وسموتريتش لمنع إدخال المساعدات إلى القطاع، فإنه من غير الواضح إذا كانت إسرائيل ستنفذ تلك الوعود.
القضية الرابعة: مَن سيحكم غزة؟
إسرائيل هيوم تقول إن أزمة المساعدات الإنسانية في غزة تبرز الحاجة إلى إيجاد وتعزيز جهة للاعتناء باحتياجات السكان، وإلا فإن المسؤولية ستقع على عاتق تل أبيب، أو ستملأ حركة حماس هذا الفراغ مرةً أخرى.
في المستقبل القريب، على إسرائيل أن تقرر من سيحمي ويتسلم ويوزع المساعدات الإنسانية على المواطنين، في ظل اغتيال وملاحقة موظفي الجيش الإسرائيلي حكومة حماس المحلية وكوادر الشرطة.
الجيش الإسرائيلي يحاول بالفعل التواصل مع رجال أعمال وعائلات وعشائر في غزة لتحل محل حماس فيما يتعلق بتوزيع المساعدات وتأمينها ونقلها، لكن لم تلق تلك الاستراتيجية نجاحاً حتى اللحظة.
الصحيفة تقول إن هذه الأزمة تطرح أمام إسرائيل التفكير بقبول خطة بايدن حول صفقة واسعة النطاق تشمل نقل السلطات في غزة للسلطة الفلسطينية، بالإضافة إلى اتفاقات سلام مع دول عربية وإسلامية، أو رفض المبادرة والتسبب في أزمة دولية وإقليمية حادة لإسرائيل.
القضية الخامسة: جبهة الشمال مع حزب الله
منذ بدء حرب إسرائيل على غزة، تفجرت جبهة قتال جديدة، في الشمال مع تنظيم حزب الله، لكنها محدودة حتى الآن.
“إسرائيل هيوم” تقول إن القتال على الأرض في الشمال يتصاعد يوماً بعد يوم، في حين هناك غياب لأي تقدم ملحوظ في مفاوضات التسوية السياسية لاستعادة الهدوء في الشمال، وهو ما يعني أن تل أبيب قد تنحدر إلى حرب شاملة.
وتضيف الصحيفة أن إسرائيل بحاجة إلى شرعية دولية لشن تلك الحرب، لكنها تفتقر لذلك. في الوقت نفسه، فإن استمرار التصعيد على جبهة الشمال يعني استمرار نزوح عشرات آلاف الإسرائيليين من تلك المناطق وإسكانهم في فنادق ومراكز إيواء في مختلف أنحاء البلاد على حساب الدولة.
القضية السادسة: ماذا سيحدث في رمضان؟
شهر رمضان قد يكون يوم غدٍ أو بعد، في حين تواجه إسرائيل قنبلة محتملة في القدس الشرقية عنوانها المسجد الأقصى.
وزير الأمن الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير يسعى لتقييد الوصول للمسجد في رمضان، والسماح فقط لبضعة آلاف بدخوله للصلاة، وحرمان فئات عمرية معينة من الدخول بصورة نهائية.
نتنياهو خالف وزيره علناً يوم الثلاثاء وتوعد بأن رمضان هذا العام لن يختلف عن العام الماضي فيما يتعلق بالوصول للأقصى، لكن العام الماضي لم يكن مثالياً في القدس، وكان مليئاً بالمشاحنات والتوترات والتصعيد.
صحيح أن إسرائيل سمحت لسكان الضفة الغربية من النساء والرجال كبار السن والأطفال بالوصول للقدس عبر حواجز عسكرية على الأقدام خلال أيام الجمعة في رمضان للصلاة في المسجد، لكنها منعت فئة الشباب الذكور من دخول القدس واستخدمت طائرات مسيرة ومروحية فوق رؤوس المصلين لمراقبتهم وترهيبهم.
وفي بعض الأحيان، اقتحمت قوات الجيش حرم المسجد الأقصى بالأحذية العسكرية ومنعت الاعتكاف بالقوة والاعتداء على المصلين بقنابل الغاز والضرب ومنع دخول فئات عمرية، وأصابت 50 شخصا واعتقلت 400 بصورة تعسفية.
ومن المتوقع أن يستمر وزير الأمن بالضغط على نتنياهو وعلى أجهزة الأمن والشرطة الإسرائيلية من أجل التضييق على الفلسطينيين في شهر رمضان، إذ حذر مسؤول أمني كبير سابق من أن بن غفير يريد إشعال نيران كبيرة في المنطقة.
صحيفة “إسرائيل هيوم” تقول أيضاً إن هناك سؤالا آخر في رمضان، هو كيف ستسمح بدخول الفلسطينيين من الضفة للقدس الشرقية أو داخل الخط الأخضر، في حين تمنع عشرات آلاف العمال من الدخول منذ 7 أكتوبر، بحجة الخوف من “تهديدات إرهابية”؟
القضية السابعة: من سيتجند ومن سيتهرب؟
الجيش الإسرائيلي بحاجة طارئة إلى أكثر من 7 آلاف مجند جديد لضمان استمراريته، فمن أين ستأتي الحكومة بهذا العدد؟
خيارات نتنياهو محددودة، إما تمديد سنوات الخدمة للمجندين بالفعل وإثارة غضبهم، وإما تجنيد من يرفضون الخدمة في الجيش وأبرزهم اليهود المتشددون “الحريديم”.
الحكومة الإسرائيلية لطالما تهربت من مسألة تجنيد الحريديم، لكن هذه المرة تقول صحيفة إسرائيل هيوم إن “تكلفة القتال في غزة والشمال والاحتياجات الأمنية المتزايدة تتطلب من جميع السكان في البلاد المساهمة بنصيبهم”.
حكومة نتنياهو أيضاً على موعد مع المحكمة الإسرائيلية العليا في 1 نيسان، إما أن تمرر قانونا لتسوية أوضاع الحريديم وإما أن توقف المحكمة العليا تمويل مدارس تعلم التوراة “اليشيفا” وتتيح للجيش تجنيدهم إجبارياً.
إذا صاغ نتنياهو قانونا يعفي الحريديم من الخدمة، فإنه يخاطر بتمرد العديد من أعضاء حزبه والأحزاب الأخرى في التحالف عليه، لأنهم يرون أنه من غير العادل أن تُرفع سنوات الخدمة العسكرية على بقية الشعب في حين يمتنع الحريديم عن المساهمة بواجباتهم تجاه حماية إسرائيل. (بلينكس – blinx)