هوكشتاين يرجئ عودته والشروط تقيّد وساطته المؤجّلة إلى ما بعد غزة

11 مارس 2024
هوكشتاين-يرجئ-عودته-والشروط-تقيّد-وساطته-المؤجّلة-إلى-ما-بعد-غزة
هوكشتاين يرجئ عودته والشروط تقيّد وساطته المؤجّلة إلى ما بعد غزة

تترقّب بيروت عن بُعد لون الدخان الذي سيتصاعد من القاهرة والدوحة، حيث تدار المفاوضات بشأن الهدنة في غزة بشقّ الأنفس. وتكثر السيناريوات حيال ما ينتظر جبهة الجنوب التي باتَ ثابتاً أنها ستبقى على اشتعالها ما دامت حظوظ وقف إطلاق النار في القطاع شبه معدومة، فيما بقيت الترجيحات متفاوتة بين استمرار حرب الاستنزاف أو الانفجار الكامل من دون سقوف.

وفي هذا السياق كتبت” الاخبار”:تحجب الخشية من شبح الحرب كل المشهد السياسي، بحيث تغيب تماماً القضايا الداخلية، وسطَ تقاطع كل المعنيين والمراقبين على خلاصة واحدة، وهي أن «كل شيء معلّق بانتظار غزة».وبعد أسبوع على مغادرة المبعوث الأميركي اموس هوكشتاين بيروت، تراجعت مفاعيل الزيارة التي، وفق المصادر نفسها، «لا يُمكن أن تكون لها أيّ مفاعيل قبل أن تعلن المقاومة الفلسطينية (وليس غيرها) التوصل الى هدنة. ودون هذا السقف، يبقى ما حمله هوكشتين كلاماً في الهواء وحبراً على ورق». لذلك، لم يطرأ أي تطور على المشهد في بيروت، باستثناء الزيارة التي قامَ بها المعاون السياسي لرئيس مجلس النواب نبيه بري النائب علي حسن خليل للدوحة (موفداً من رئيس المجلس)، حيث عقد لقاءات مع كبار المسؤولين القطريين. وكان لافتاً إحاطة الزيارة بسرية تامة، ولم يرشح عنها سوى أن «هدفها الرئيسي مناقشة الوضع في جنوب لبنان، إذ عبّر الجانب القطري عن تخوف كبير مما قد تؤول إليه الأوضاع».
ولفتت المصادر إلى أن «القطريين كما كل الجهات الدولية والعربية يعتبرون أن الساحة اللبنانية هي الأكثر تأثراً بالوضع الذي نشأ في غزة، ويظهرون مستوى عالياً من الاهتمام حيال أخطار أيّ انزلاق الى الحرب»، مشيرة إلى أن «الدوحة تعمل على خط موازٍ مع الأميركيين بشأن التهدئة في الجنوب وفصل المسارات والجبهات، وتصاعد الخوف لديها مردّه إلى أنها لمست، كما الأميركيين وغيرهم، استحالة التوصل إلى أي اتفاق في ما خص الجبهة الجنوبية بمعزل عن الهدنة في غزة بسبب موقف المقاومة في لبنان». وكشف القطريون أن «المسار في غزة طويل وأن عملية التفاوض مستمرة، وهناك جهود من أجل التوصل الى هدنة، لكن لا شيء يؤكد أن الأمور ستكون متاحة في شهر رمضان»، مع التشديد على «ضرورة تجنب التصعيد في لبنان والعمل على ضبط النفس».
وأضافت أن «الملف الرئاسي الذي كان ولا يزال محطّ اهتمام القطريين، كان أيضاً من النقاط التي نوقشت في العموم في اجتماعات خليل مع المسؤولين القطريين، إذ أكد الجانب القطري على ضرورة الإسراع في انتخاب رئيس للجمهورية لأن المنطقة ذاهبة نحو تحولات كبيرة لن يكون لبنان بمنأى عنها، وهناك ملفات تحتاج الى وجود رئيس، من دون أن يدخلوا في أيّ تفاصيل حول الأسماء ولم يطرحوا أي مبادرة».
وفيما أشارت معلومات إلى أن النائب السابق وليد جنبلاط قد يزور الدوحة هذا الأسبوع، قالت مصادر مطلعة إن «كل ما يُحكى ويناقش ويطرح عديم القيمة، وأي زيارة لن تحمل في جوهرها ما هو جدّي أو قابل لأن يأخذ مساراً تنفيذياً»، إذ إن «لبنان في حال ترقّب لما يجري في فلسطين. وحتى زيارة هوكشتين الأخيرة، سواء أعلِن عن ذلك أو لم يُعلن، كانت مرتبطة بالمسار الغزاوي علماً أنه كان هناك اقتناع لدى الموفد الأميركي بأن الأمور ذاهبة حتماً الى الهدنة أو على الأقل الى خفض التصعيد»، كاشفة أن «ملف الوساطة كلّه معلّق. فليس لدى هوكشتين حالياً ما يضيفه وخاصة بعدَ تعثّر مفاوضات هدنة رمضان، وليس لدى لبنان ما يقدّمه الى الموفدين الغربيين»، مع التأكيد أن «النقاط التي ناقشها هوكشتين يُمكن البناء عليها في ما بعد».

وكتب ابراهيم حيدر في” النهار”:في ظل الانسداد الحاصل على جبهة الجنوب، وفشل الوساطات لإعلان الهدنة في غزة، بدأت تُطرح تساؤلات حول مهمة هوكشتاين وإمكان استمرارها مع انشغال الأميركيين بالانتخابات الرئاسية المقررة في تشرين الثاني المقبل، ما يعني تخفيف الضغوط على بنيامين نتنياهو الذي يستمر بحربه على غزة ويلوح بنقلها إلى لبنان، في ظل حديث إسرائيلي عن استعدادات لشن هجوم بري أو توسيع نطاق الحرب بين أذار ونيسان ما لم تتوقف عمليات “حزب الله”. وإذا كان لبنان ومعه الحزب يعتبران هذه التهديدات نوعاً من التهويل، إلا أن الوقائع تشير وفق مصدر ديبلوماسي متابع، إلى أن إسرائيل تضع خططاً لاجتياح الجنوب يتولى رسمها كبار الضباط في الجيش، تحاكي حرب غزة، أو توسيع المعركة الحالية التي باتت تدمر أحياء بكاملها في القرى الحدودية.
حمل هوكشتاين في جولته الاخيرة أوراقه إلى لبنان قبل أن ينتقل إلى تل أبيب، على وقع حرب إسرائيلية باتت اشد شراسة عبر التصعيد المتمادي بالقصف والتدمير في القرى الحدودية لمنع الأهالي من العودة إلى منازلهم، وهو ما يعني إطالة أمد الحرب. وتأتي هذه الخطة الإسرائيلية لفرض أمر واقع قد يقيّد وساطة هوكشتاين في المرحلة المقبلة، اي تحقيق هدف المنطقة العازلة بالقوة عبر افراغ القرى بحيث تصبح عودة النازحين اللبنانيين شبه مستحيلة إلا بشروط انسحاب المقاومة، وهو أمر يرفضه “حزب الله” حتى الآن، ما يعني أن الحرب قد تستمر وتتوسع اقله في منطقة جنوب الليطاني. ويندرج التصعيد الإسرائيلي وفق المصدر الديبلوماسي ضمن سياسة طمأنة سكان المستوطنات، من أن جيش الاحتلال مصر على إبعاد مقاتلي “حزب الله” من القرى المتاخمة للحدود. وقد يكون هذا التدمير هو بروفة لسيناريو هجوم عبر جعل المنطقة أرضاً محروقة تهيّئ للاجتياح.

وعلى هذا، اصطدمت خطة هوكشتاين بالوضع الميداني الذي يشير حتى الآن إلى توسع العمليات العسكرية الإسرائيلية، فالضغوط الأميركية تمنع توسع الحرب فقط حال موافقة الأطراف على الانتقال إلى مرحلة المفاوضات، وهي مرحلة صعبة بفعل ما رسخته إسرائيل بالنار. والأساس في التصعيد الإسرائيلي يبدو أنه لمنع العودة إلى القواعد السابقة في الجنوب وهو ما يرفعه هوكشتاين أيضاً، أي أن التهدئة ستكون مرتبطة هذه المرة باتفاق شامل يؤدي إلى انسحاب “حزب الله” وليس بتفاهمات سياسية ضمنية.

المشكلة أن “حزب الله” يتعامل مع الامر وكأنه يمكن إذا توقفت الحرب في غزة، العودة إلى المعادلات السابقة، ولهذا السبب يعتبر أن التهديدات الإسرائيلية هي مجرد تهويل، وأن المقاومة قادرة على الحاق الهزيمة بالاحتلال. فيستمر بربط جبهة الجنوب بغزة، ويرفض الاتفاق جنوباً من دون غزة، مستسهلاً وفق المصدر الديبلوماسي أنه يمكن العودة إلى المرحلة السابقة، فيما الحرب الإسرائيلية التي تكسر قواعد الاشتباك تدمر قرى الجنوب وترفع شعار عودة مستوطنيها أولاً على الحدود الشمالية.

كل الاحتمالات باتت واردة على جبهة الجنوب، إذ أن هوكشتاين لم يقدم حتى الآن إجابات للبنان عن مساعيه، وقد تتأخر عودته ما لم تحدث تطورات تسمح بالتأسيس لاطلاق المفاوضات والتسوية، فيما يرتفع سقف الشروط الإسرائيلية حول لبنان، وتستمر جبهة الجنوب مشتعلة مع هدنة في غزة أو من دونها، وهو ما يزيد الاخطار من حرب مفتوحة قد تكون نتائجها أكثر تدميراً من كل الحروب السابقة.