Advertisement
فما أراد أن يقوله وفد “حزب الله” من خلال زيارة وفده لرابية عون سبق أن قاله نصرالله عندما تحدّث عن “أننا لن نترك يد صديق أو حليف إلاّ إذا قرّر هو ذلك”. وعلى ما يبدو فإن كلًا من الرئيس عون وجبران باسيل قد قررا أن “يخسرا” القليل في علاقتهما مع المكّون الشيعي لكي يربحا الكثير في الشارع المسيحي. فقد جاءت هذه الزيارة بمثابة “رفع عتب” ليس إلاّ، وهي تشبه إلى حدّ كبير ما يقوم به أهل العروسين عندما يتأكدان من استحالة عيش ولديهما معًا وجنبًا إلى جنب، فيقولان لبعضهما البعض “يا دار ما دخلك شرّ”، ويفترقان بالحسنى المشفوعة بعبارات “استروا ما شفتوا منّا”، على أن يتفقا على عدم فتح دفاتر الماضي كلما “دق الكوز بالجرّة”.
قبل أن يركب كل من النواب محمد رعد وعلي عمّار وحسن فضل الله السيارة، التي أقلتهم من حارة حريك، مسقط رأس الرئيس عون، إلى الرابية مقر اقامته، كانوا يعرفون أنهم ذاهبون في زيارة قد تكون الأخيرة لهم لهذه الدار، وكانوا يدركون أن ما قيل في الاعلام سيعاد تكراره في غرفة الاستقبال. وهذا يعني أن لا الرئيس عون ولا جبران باسيل ولا “حزب الله” سيغيرون مواقفهم بسبب زيارة مجاملة وزيارة “رفع العتب”. فما قيل قد قيل، وأعذر من أنذر. إلا أن هذا الخلاف على الجوهر لا يفسد في الود قضية، بل ستبقى علاقة جبران متينة بينه وبين الحاج وفيق صفا.
فإذا كان هدف الزيارة الحفاظ على ماء الوجه بين الطرفين، خاصة في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها المنطقة ومن بينها الحرب التي يخوضها “حزب الله” جنوبًا في وجه جيش الاحتلال، تكون قد أدّت غرضها، خصوصًا أن ثمة شعورًا لدى قيادة “التيار” بأن “الحزب” لم يعد يحتاج إلى أي غطاء، لا مسيحي ولا غير مسيحي، لأنه يعتبر نفسه غير مكشوف، وأن غطاءه الوحيد هو الميدان، وبما يقدّمه على مذبح الوطن من تضحيات كبيرة تتجلّى بالدماء الزكية، التي تراق على أرض الجنوب، فكانت المبادرة في عملية “الخلع” اعتقادًا منها أن فك ارتباطها بـ “حزب الله” قد يعومّها مسيحيًا، وهو أمر مستبعد إن لم يضع باسيل كل بيضه في سّلة “المعارضة”، وإن لم يقرّر التخلي عن سياسية “رِجل في الحقل ورِجل في البور”.