استهلت الجلسة الافتتاحية بالنشيد الوطني، ثم ألقى عميد كلية العلوم السياسية والعلاقات الدولية البروفسور أنطونيوس أبو كسم كلمة قال فيها: “في 14 آذار 1978 اجتاح العدوّ الإسرائيلي لبنان لأوّل مرّة، في 14 آذار 1989 نشبت حرب التحرير ضدّ الاحتلال السّوري، في 14 آذار 2005 انطلقت ثورة الأرز، على أمل أن يشكّل 14 آذار 2024 تاريخ انطلاق الحوار حول تحصين سيادة لبنان من أجل استتباب الأمن والسلام اللبنانيين”.
اضاف: “لبنان ليس طارئاً على التاريخ ولا على الجغرافيا. لبنان ليس دولة اصطناعية مركبة أو أعيد تجميعها على أساس أيديولوجي. لبنان عضو مؤسس لمنظمة الأمم المتحدة وعضو فاعل فيها، لبنان الصورة الأبهى للأمم المتحدة بتعدّديته. لبنان صاغ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وها هو اليوم يتربّع على عرش محكمة العدل الدولية. إنّه مثال للشرعية الدولية وغير منفصل عنها، وليس كياناً طارئاً على المجتمع الدولي”.
وتابع: “لذلك، تقع على المجتمع الدولي موجباتٌ تجاه لبنان، أهمّها حماية سيادته والضغط على فرقاء الحرب لإلزامهم باحترام القرارات الدولية بدءًا من القرار 425. لو طُبّق القرارين 425 و426، لما كان هناك من داعٍ لاستصدار القرارات 1559 و1680 و1701. ولا كانت قوات الطوارئ الدولية مازالت على الأراضي اللبنانية بسبب احتلالها”.
وقال: “السؤال الأبرز، هل إنّ موجب تطبيق مندرجات القرار 1701 يقع فقط على عاتق لبنان وحده؟ ألبنان هو المعتدي؟ ألبنان هو دولة الاحتلال؟”.
ثم القى الوزير عبد الله بو حبيب كلمة الافتتاح، قال فيها: “يسرني أن أعود اليوم إلى بيتي الثاني، جامعة الحكمة، هذه المؤسسة التربوية اللبنانية العريقة الضاربة جذورها في تاريخ لبنان منذ ما يقارب قرن ونصف من الزمن. فلقد احتضنتني أستاذاً محاضراً في كلية العلوم السياسية والعلاقات الدولية حيث أحمل معي، لغاية اليوم، العديد من الذكريات الجميلة والطيبة لتلك المرحلة. كما أشعر بإعتزاز كبير كلما التقيت بخريجين من طلابي السابقين الذين درسوا في هذا الصرح التربوي الكبير، وهم يتبوأون اليوم مناصب قيادية في القضاء والادارة وريادة الأعمال. فلجامعة ومدرسة الحكمة باع طويل كرافد للبنان بكبار في مجالات الفكر والعلم، والسياسة طبعوا تاريخنا كالمفكر والكاتب العالمي جبران خليل جبران، ودولة رئيس مجلس النواب الاستاذ نبيه بري، وغيرهم من الشخصيات الذين أغنوا الوطن وساهموا في صنع تاريخه”.
اضاف: “نجتمع اليوم لنتباحث ونتبادل الأفكار حول كيفية حماية لبنان وتحصينه في ظل هذا الزلزال الذي يضرب منطقة الشرق الأوسط. هذه المنطقة التي لم تنعم لا بالاستقرار ولا بالهدوء ولا بالازدهار منذ أكثر من 75 عاماً، أي منذ قيام إسرائيل على أرض فلسطين، وطرد أكثر من نصف سكانها الفلسطينيين إلى دول الجوار ومنها لبنان. كذلك أجبر العديد من الفلسطينيين الى النزوح قسرا” الى الضفة الغربية حيث يشكلون ثلث سكانها حاليا”، وحوالى ثلثي سكان قطاع غزة هم أيضا” لاجئون من مناطق أخرى في فلسطين التاريخية. وفي كل مرة نتباحث فيها بهذا الصراع، أو نقوم بمسعى، تجدنا نبحث عن المسكنات، لا سيما عندما تشتد وتيرة الصراع، وآخرها التطورات التي شهدتها المنطقة منذ أحداث 7 تشرين الأول 2023″.
وتابع بو حبيب: “لقد تحول هذا الصراع إلى مرض مزمن، ولعنة من الأحقاد، والعنف المضطرد ينتقل من جيلٍ إلى آخر. فهل آن الاوان أن نتعلم من دروس الماضي؟ أم ان قدرنا دائما وأبداً أن ندور في حلقات فارغة، تعيدنا إلى نقطة الصفر”.
وقال: “من هذا المنطلق، دعونا نتفق بأنه منذ عقود وليومنا هذا، لم نعط فرصة حقيقية للسلام في الشرق الأوسط الذي سقط مشروعه منذ اغتيال إسحاق رابين على يد متطرف إسرائيلي عام 1995. فبوابة الحلول مفتاحها إيجاد حل عادل ومستدام للقضية الفلسطينية، ولنكبة شعب فُرِضَ عليه الموت، كي تبقى قضيته حية. فلا حلول مستدامة في منطقتنا إلا في وجود حل نهائي، وعادل للقضية الفلسطينية، يستند إلى قرارات الشرعية الدولية، ومبادرة السلام العربية التي أقرت في قمة بيروت للعام 2002. فلقد كانت، وما زالت، خشبة الخلاص لنا جميعاً لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية. فمتى سنتعلم أن الحلول والتسويات المجتزأة هي مقدمة لحروب وويلات جديدة. فلا سلام دائما وشاملا دون العدالة لفلسطين وأهلها”.
وأردف: “انطلاقاً مما تقدم، قد يتبادر إلى اذهان البعض، إننا محكومون بالانتظار وترك الجنوب اللبناني لقدره ليبنى على الشيء مقتضاه. فعلى العكس من ذلك، وبقدر القلق الذي يعيشه كافة أبناء وطننا من خطورة تمدد هذا الصراع على كافة الأقاليم، وعلى رأسها لبنان، في شرقنا الأوسط، فإننا نرى ان خطر الحرب يشكل أيضاً فرصة تاريخية لتحقيق استقرار، وهدوء مستدام على الحدود الجنوبية اللبنانية”.
وقال: “لذلك، نعيد ونكرر للعالم أجمع، ولمن يهددنا ليلاً ونهاراً بالخراب والدمار وعظائم الأمور أن لبنان لا يريد الحرب، ولم يسع إليها يوماً، أو سيسعى إليها اليوم. فلقد سبق أن كوتنا الحرب التي دامت 15 عاماً بنيرانها، كما تعلمنا من المآسي، والويلات، والحروب، والاجتياحات الإسرائيلية التي خلفت ورائها آلاف الضحايا، والشهداء، والجرحى. لذلك، يبقى قرارنا وخيارنا هندسة هدوء، واستقرار مستدام في جنوب لبنان لأنه الوسيلة الانجع للرخاء والازدهار. ونسجل في هذا المجال، أنّ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 قد ساهم في إيجاد استقرار نسبي، منذ نهاية حرب تموز في عام 2006 لحين بدء أحداث غزة في 7 تشرين الأول الماضي، حيث لم تحصل، خلال 17 عاماً من عمر هذا القرار، أعمال حربية تهدد السلم والأمن الإقليميين حول خط الانسحاب الإسرائيلي لعام 2000، أو ما يعرف بالخط الأزرق. ولقد جاءت أحداث غزة لتنسف قواعد اللعبة، والتوازن الذي أرساه القرار 1701، فتزعزع الاستقرار النسبي الذي عاشه جنوب لبنان، وأدّى إلى نزوح حوالي مئة ألف لبناني من قراهم وسكنهم إلى أماكن أكثر أمناً”.
وتابع: “انطلاقاً من التهديدات الصادرة عن كبار المسؤولين في إسرائيل، باستمرار الحرب العبثية دون أفق سياسي، أو رغبة بقيام سلام وحلول مستدامة للقضية الأم في فلسطين، كيف يمكن للبنان أن يحصن ساحته الجنوبية، ويحقق استقرارا” صلبا” ومتينا” في الجنوب؟
وقال بوحبيب: “إن رؤيتنا من اجل تحقيق الامن والاستقرار المستدام في جنوب لبنان تقوم على التطبيق الشامل والكامل للقرار ١٧٠١، ضمن سلة متكاملة بضمانات دولية واضحة ومعلنة، وجدول زمني محدد، بما يعزز فرص الأمن والهدوء الشامل والمستدام، وفقا” لما يلي:
– أولاً: إظهار الحدود الدولية الجنوبية المرسمة عام 1923 بين لبنان وفلسطين، والمؤكد عليها في اتفاقية الهدنة الموقعة بين لبنان واسرائيل في جزيرة رودس اليونانية، بإشراف ورعاية الامم المتحدة عام 1949، المشار اليها في كافة القرارات الدولية ذات الصلة، والتزام البلدين الكامل والصريح بتلك الحدود. يتطلب ذلك استكمال عملية الاتفاق على كافة النقاط ال 13 الحدودية المتنازع عليها، استكمالاً للموافقة المبدئية على اظهار الحدود في سبعة منها، تحت اشراف قوات اليونيفيل التابعة للأمم المتحدة. يهدف ذلك الى انسحاب اسرائيل الى الحدود المعترف بها دولياً، انطلاقاً من النقطة B1 في منطقة رأس الناقورة، الواقعة ضمن الحدود اللبنانية ، وصولا الى خراج بلدة “الماري” التي تشكل بجزء منها التمدد العمراني لقرية الغجر، بالاضافة الى انسحاب اسرائيل الكامل من مزارع شبعا وتلال كفرشوبة.
– ثانياً: وقف نهائي للخروقات الاسرائيلية التي تجاوزت الـ35 الفا” منذ عام 2006، براً وبحراً، وجواً، لسيادة لبنان، وحدوده المعترف بها دولياً، بالإضافة الى عدم استعمال الاجواء اللبنانية لقصف الاراضي السورية.
– ثالثاً: دعم الامم المتحدة والدول الصديقة الحكومة اللبنانية في بسط سلطتها على كامل الاراضي اللبنانية من خلال تقوية قواتها المسلحة، لا سيما من خلال تقوية، وتعزيز انتشار الجيش اللبناني جنوب نهر الليطاني، وتوفير له ما يحتاج من عديد وعتاد، بالتعاون مع اليونيفيل، بحيث لا يكون هناك سلاح دون موافقة حكومة لبنان، ولا تكون هناك سلطة غير سلطة حكومة لبنان، كما نص قرار مجلس الأمن 1701.
– رابعاً: تسهيل عودة النازحين من المناطق الحدودية التي نزحوا منها، بعد 7 تشرين الاول (اكتوبر) 2023.”
وأكد وزير الخارجية “أنّ وقف الحرب على غزة يسهل تنفيذ هذا التصور. ولا يسعنا أيضاً أن نتغافل بان وجود رئيس للجمهورية اللبنانية بوابة إلزامية لتحقيق هذه الرؤية، كمؤتمن على الدستور والميثاق، والعيش المشترك، والوحدة الوطنية. فهو ضابط الإيقاع القادر على الارتقاء بالمصلحة العليا للوطن من ضمن صلاحياته الدستورية، والقادر مع كافة الشركاء في الوطن وعلى رأسهم السلطتين التنفيذية، والتشريعية على إعطاء الاستقرار في الجنوب فرصة حقيقية، قبل فوات الأوان، وانهيار هيكل الوطن على رؤوسنا جميعاً”.
وقال: “يكفينا أنصاف حلول. فحركة الموفدين لا تبشر لغاية الآن إلا بطروحات مجتزأة، همها الرئيسي إعادة المستوطنين الى شمال اسرائيل. في حين أن هذه المساعي لن تجلب لا الهدوء ولا الاستقرار المستدام الذي يطمح اليه الشعب اللبناني. لذلك، نريد حلولا” كاملة، وواضحة، وبجداول زمنية محددة، لأنها وحدها تمنع عن لبنان شبح الحرب، وتحفظ سيادتنا، وكرامتنا الوطنية، وكافة تضحيات أبناء وطننا. فرغم الأحداث الأليمة التي يعيشها وطننا، هنالك فرصة تاريخية لاستقرار الجنوب. فلنلتقطها، ونتلقفها، لأنها قد لا تتكرر في المستقبل المنظور. إنّ فَشِلنا بإعلاء مصلحة بلدنا فوق كل اعتبار، فالتاريخ سيعيد نفسه بصور أفظع. فلنختصر المسافات والعذابات، ونبادر إلى تحصين بلدنا وحمايته، بانتظار أن تقتنع إسرائيل، أو يقنعها العالم رغما عن إرادتها، بأنّ القضايا المحقة لا بد أن تصل يوماً إلى شاطئ الأمان والعدل والحق”.
ترأس الوزير السابق ناصيف حتي، الحلقة الاولى وعنوانها: القرار 1701، القوة الإلزامية والمفاعيل على السلم والأمن الإقليميين وتحدّيات التطبيق”، وسأل ” هل تكون هناك خريطة طريق لتنفيذ القرار 1701 بطريقة تدرجية وبشكل كامل، وهل ستكون هناك تفاهمات جديدة؟ هل اسرائيل تلوج بحرب الاجتياح كورقة تفاوضية لتحسين شروط التفاوض؟ وعن استراتيجية الربط بين جنوب لبنان وغزة من جهة، ومن جهة ثانية استراتيجية الفصل بينهما كما تقول إسرائيل. هل سنجد انفسنا في حرب ممتدة من غزة مرورا الى الضفة الغربية؟
ثم تم عرض تقرير مصوّر للكليّة من إعداد نائبة عميد كلية العلوم السياسية والعلاقات الدولية الدكتورة سالين مرعب، بعنوان “القرار 1701: المضمون والقوّة الإلزامية من منظار القانون الدولي”.
المتحدثة الاولى كانت المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان، مشيرة الى “الآثار الإيجابية للقرار 1701 على السلم والأمن الإقليميين وعلى الاستقرار في جنوب لبنان”. وقالت: “أحيانا وخلال الأزمات قد تكون هناك فرص”، داعية الافرقاء السياسيين اللبنانيين إلى اغتنام هذه الفرص لقيادة دولة اكثر اتحادا ومرونة”.
وتناول قائد قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان UNIFIL، في كلمته “تحديات تطبيق القرار 1701، ودور اليونيفيل، وقال: “منذ بداية الوضع الحالي في جنوب لبنان، وعلى طول الخط الأزرق، واجهت اليونيفيل العديد من التحديات أثناء عملها للقيام بدورها في تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701. منذ 08 تشرين الأول 2023، كان هناك تبادل يومي لإطلاق النار عبر الحدود – الخط الأزرق، ما أدى إلى سقوط ضحايا من المدنيين وإلحاق أضرار جسيمة بالبنية التحتية”.
واشار الى ان ولاية اليونيفيل الموسعة تشمل، في أعقاب حرب عام 2006، المراقبة والإبلاغ عن انتهاكات القرار ودعم انتشار القوات المسلحة اللبنانية ومنع وجود أسلحة غير مرخصة، وضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى السكان المدنيين وحمايتهم. ومع ذلك، لا يزال العديد من الجوانب الرئيسية يشكل تحديًا، ويتطلب مشاركة سياسية بين الأطراف المعنية”.
وقال: “وفي حين تم الاعتراف بغياب الصراع النشط لمدة 18 عامًا، إلا أن كلا الطرفين انخرطا في مواقف مستمرة، وتشير التطورات الأخيرة إلى التحول نحو المواجهة بدلاً من التهدئة. ولا يزال الوضع المستمر هشاً، حيث تعمل اليونيفيل على التنسيق مع الطرفين لمنع أي حسابات خاطئة أو سوء فهم، والعمل في نهاية المطاف على تحقيق وقف دائم لإطلاق النار”.
واكد ان ” اليونيفيل قامت وستواصل تعديل عملياتها من أجل الوفاء بالتزاماتها بموجب قرار مجلس الأمن رقم 1701، مع حماية قوات حفظ السلام والسكان المحليين أيضًا”، موضحا ” ان اليونيفيل. يواصل التنسيق مع كلا الطرفين على المستويين التكتيكي والاستراتيجي، ويعمل كوسيط لمنع المزيد من التصعيد ويشجع كلا الطرفين على الالتزام بقرار مجلس الأمن رقم 1701 ووقف الأعمال العدائية. ومن المأمول أن يتم التوصل إلى حل سياسي قريبًا من أجل حل دائم، وهذا سيتضمن تنازلات من الجانبين”.
والمحاضر الثالث كان اللواء عباس إبراهيم الذي تحدث عن “الخروقات الإسرائيلية للقرار 1701 وللسيادة اللبنانية”، الذي أشار الى ان “الحدود التي تفصل لبنان عن فلسطين المحتلةهي حدود ملتهبة منذ مئة عام، لا تتوقف نيرانها عن الاشتعال وإحراق كل سلم وأمن واستقرار”، موضحا انه “منذ إقرار الانتداب الفرنسي على لبنان، والانتداب البريطاني على فلسطين، ثم الفصل بين حدود الانتدابين بين عامَي 1920 و1923، وهي الحدود التي صارت لاحقاً الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة، ونحن مهددون من جهة الجنوب، جهة القلب. ومع قيام دولة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية المحتلة، عام 1948، بأهدافها التوسعية وحدودها غير النهائية ونواياها الخبيثة تجاه جيرانها كلهم دون استثناء. ونحن، وطناً وشعباً ودولةً وجيشاً ومؤسسات، نرزح تحت وطأة التهديدات الإسرائيلية التي لم تتوقف قولاً وفعلاً، وما أكثر الشواهد على ما أقول وهي غير خافية على أحد”.
وقال: “في لبنان، لطالما كان سلاحنا في وجه تلك الاعتداءات هو الشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن، وهو سلاح امتشقناه بكامل إرادتنا الوطنية وتحصنا به ظناً منا أن المجتمع الدولي سيحمينا وسيردع إسرائيل. لكن ظنا هذا ما انفك يخيب عند كل اعتداء إسرائيلي علينا وعلى جيراننا. فإسرائيل منذ قيامها والاعتراف بها من قبل غالبية الدول المنضوية في هيئة الأمم ومجلس الأمن، وهي تضرب بالشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن عرض الحائط. فلم تلتزم باتفاقية الهدنة الموقعة بين لبنان وإسرائيل في 23 آذار 1949، ولم تطبّق القرار 425 الصادر في 19 آذار 1978 عن مجلس الأمن، والقاضي بالانسحاب الفوري للقوات الإسرائيلية من الأراضي اللبنانية، واحترام سلامة لبنان الإقليمية وسيادته داخل حدوده المعترف بها دولياً، وكذلك فعلت مع القرار 1701 المتخذ بالإجماع في مجلس الأمن قي 11 آب 2006. فالقرار الذي نص على وقف الأعمال القتالية وانسحاب القوات الإسرائيلية من لبنان ونشر قوة إضافية للأمم المتحدة مهمتها مراقبة وقف الأعمال الحربية بالتنسيق مع الجيش اللبناني، وعلى إيجاد منطقة بين الخط الأزرق ونهر الليطاني تُعرف بمنطقة جنوب الليطاني وتكون خالية من أيّ مسلّحين ومعدات حربية وأسلحة، عدا تلك التابعة للقوات المسلحة اللبنانية وقوات يونيفيل، لم يلقَ من إسرائيل غير ما تلقاه القرارات الأممية كلها المتعلقة بها منذ قيامها: الاستهتار والخرق وعدم الالتزام وعن سابق إصرار وتصميم”.
وتابع: “لكن الكوميديا السوداء كانت في أن العالم كله صار مهموما بالقرار 1701 اثر انتقال قلة في فلسطين المحتلة الى غير مكان إقامتها. لكن هذا العالم لم يتحرك قيد أنملة ولم يحرك ساكنا فيما إسرائيل تهجّر منذ قيامها عام 1948 على أنقاض فلسطين مئات آلاف الفلسطينيين واللبنانيين والمصريين والأردنيين والسوريين”.
وأكد “ان عالمًا يقوم على إزدواجية المعايير يبقى سلامه هشًّا ورهن تغيّر موازين القوى. وهذا ما حصل في 7 أكتوبر يوم عبر الفلسطينيون في أرضهم وعلى أرضهم. والآن استفاق هذا العالم على المأساة الفلسطينية المفتوحة على جراح بدأت تنزف منذ عشرات السنين”. وقال: “فمنذ العام 2006، وطائرات العدو الإسرائيلي تخترق أجواءنا، وتنتهك سيادتنا برّاً وبحراً وجوّاً، وكل يوم يطالعنا الإعلام بخبر أو أكثر عن اعتداءاتها التي لا تتوقف: فيومٌ تخطف راعياً ويومٌ تعتدي على نهر، ويومٌ تجتاز الخط الأزرق، وكل يوم تخترق طائراتها الحربية والاستطلاعية سماءنا وسيادتنا… وهكذا. ثم بعد ذلك تخرج إلى الإعلام والعالم وتطالب بإلزام لبنان بتطبيق القرار 1701، على قاعدة “ضربني وبكى وسبقني واشتكى”.
ولفت الى انه “في الآونة الأخيرة، ومنذ السابع من تشرين الأول الماضي بعد عملية “طوفان الأقصى” وشنّ إسرائيل حرباً وحشيةً على قطاع غزة وعلى لبنان، خصوصاً جنوبه الصامد المتضامن قلباً وقالباً مع إخوانه الفلسطينيين، إزاء ما يتعرضون له من حرب إبادة مستمرة منذ خمسة أشهر ونيف، عاد الحديث عن القرار 1701 إلى الواجهة. فمنذ اندلاع الحرب تلك، لم يأتِ إلى لبنان موفد أو وسيط دولي إلا وفي جعبته هذا القرار”.
وقال: “الواقع، أننا في لبنان لا نطرح غير هذا القرار، أي الـ1701، حلّاً للحرب التي تشنّها إسرائيل علينا منذ خمسة أشهر، ولا تراعي فيها أي حرمة أو حقوق أو ميثاق. نعم نحن نريد تطبيق القرار 1701، بل لا نريد إلا تطبيقه، ولكن “على من تتلو مزاميرك يا داود؟”. فإسرائيل دولة صمّاء بكماء وبلا قلب، عيونها صواريخها ورصاصاتها، ويداها طائراتها ودباباتها، والمجتمع الدولي إن لم نقل إنه متواطئ معها فهو في أقل تقدير صامت ساكت لا يحرّك ساكناً. فماذا فعل مجلس الأمن إزاء الخروقات الإسرائيلية للقرار والتي لم تتوقف منذ إقراره وحتى اليوم؟ متى ردع إسرائيل وأين أوقفها عند حدّها؟ ماذا فعل المجتمع الدولي ومجلس الأمن والدول الكبرى، منذ السابع من تشرين الأول، لإيقاف الأعمال العسكرية الوحشية في غزة، ووقف حرب الإبادة التي قارب عدد ضحاياها الـ31 ألف شهيد و72 ألف مصاب غالبيتهم من الأطفال والنساء؟”.
وتابع: “يقولون ان المقاومة في لبنان هي التي بدأت الحرب على إسرائيل إسناداً لأهل غزة ودعماً لهم. حسناً، سأطرح على القائلين ذاك القول السؤال التالي: هل تعرفون ما معنى يهودية الدولة؟ هل تعرفون ماذا تعني؟ ألم تقرأوا التصريحات الإسرائيلية التي لم تتوقف منذ بدء الحرب عن الجهر بتهجير فلسطينيي غزة إلى مصر وفلسطينيي الضفة إلى الأردن والبقية إلى لبنان؟ أما سمعتم بهذا؟ ثم إني أسأل: من يلعب بفسيفساء الشرق الأوسط؟ من يدمّر النسيج العرقي والديني القائم منذ آلاف السنين في هذا الشرق؟ ما معنى أن تقوم دولة يهودية على حدود لبنان، لبنان الأعراق والأديان والطوائف والثقافات والحضارات؟ ما معنى الأحادية عند حدود التنوع والتعدد والحريات الدينية والفكرية؟”.
وقال اللواء ابراهيم: “نحن بلد مسالم، بلد للتعايش والتفاعل والانفتاح، بلد يتّسع لكل آخر، بلد سلاحه الكلمات والأفكار، بلد أعداؤه الظلم والاضطهاد، وإسرائيل أمّ كل ظلم واضطهاد وعدوان ورفض للآخر و”الأغيار”. نحن المطار والمرفأ والجريدة والكتاب والفندق والمطعم… ولاننا كذلك لن تتركنا إسرائيل ننعم بالسلام والهدوء والسكينة. لن تتركنا نمضي بأمان نحو بناء دولتنا وإعادة بناء ما هدمته”.
اضاف: “نحن لا نريد غير تطبيق الـ1701، ولكن كيف؟ من يفرض على إسرائيل تطبيقه؟ إن الخلل يا سادة ليس في القرار فقد أجمعنا عليه، ولا يُجمع اللبنانيون إلا على ما فيه مصلحة لبنان، ولنا في القرار 1701 كل المصلحة. ولكن على المجتمع الدولي أن يقوم بواجبه ويفرض تطبيق هذا القرار على جانبي الحدود، ومنع الخروقات الإسرائيلية والاعتداءات الإسرائيلية التي لا تتوقف”.
وختم: “نحن طلاب سلام، لكنه سلام الأقوياء، السلام العادل الذي لا يكون على حساب حقوقنا وأرضنا وسلامتنا وأمننا. نحن طلاب سلام يعيد إلينا حقوقنا كاملةً دون نقصان، سلام نبني في ظله دولتنا ونتعافى في ظله مما أصابنا من انهيارات مالية وغير مالية. إن لبنان معافى مصلحة للبنانيين وقوة للعرب والعالم أجمع. فمتى يتدخل العالم ويوقف إسرائيل عند حدّها؟ متى يفرض المجتمع الدولي تطبيق القرار 1701 على طرفي الحدود؟ متى ننعم بالهدوء والسلام؟”.
ثم كانت مداخلة لرئيسة مؤسسة “بيروت إنستيتيوت” الدكتورة راغدة درغام، عن “تطبيق القرار 1701: هل يجنّب لبنان الحرب؟”، عرضت خلالها للمحطات التي سبقت صدور القرار الذي أوقف الأعمال العدائية بين حزب الله واسرائيل، معتبرة ان 1701 “اصبح حجر أساس لبداية السلام في الشرق الأوسط”. وقالت: “اليوم هناك فرصة متاحة لنقلة نوعية في تنفيذ القرار 1701 ، لان الرعاية الاميركية اعتقد انها جدية وتتم عبر هوكشتاين وايضا عبر مفاوضات مع حزب الله بطريقة غير مباشرة، وذلك باللقاءات المستمرة والتفاوضات المستمرة مع دولة الرئيس نبيه بري”.
وتمحورت الحلقة الثانية حول “الاستراتيجية الدفاعية الوطنية: الأساس القانوني والخيارات الدفاعية”، وترأسها الوزير السابق دميانوس قطار، وتحدث فيها الوزير السابق إبراهيم نجّار عن “الإطار القانوني للاستراتيجية الدفاعية الوطنية وآليات إقرارها”، ورئيس المجلس الدستوري السابق البروفسور عصام سليمان الذي تناول “إقرار الاستراتيجية الدفاعية الوطنية عبر الحوار الوطني: نموذج إعلان بعبدا”، والنائب محمد خواجة عن “أيّ دور للمقاومة المسلحّة في استراتيجية وطنيّة للدفاع؟”، والنائب عبد الرحمن البزري عن “الاستراتيجية الدفاعية الوطنية وإشكالية سلاح المخيمات الفلسطينية “.
كما عرض تقرير مصوّر للكليّة من إعداد أستاذ مادّة العلاقات الدولية د. نبيل الخوري، عن البيانات الوزارية ما بعد الطائف: شرعنة المقاومة كخيار دفاعي.
الحلقة الثالثة بعنوان “الاستقرار في جنوب لبنان: ما بين خيارات تعديل القرار 1701 وإقرار الاستراتيجية الدفاعية الوطنية”، ترأسها النائب سليم الصايغ، وتحدث فيها النائب ملحم الرياشي عن “بسط سيادة الدولة على كافة الأراضي اللبنانية: المتطلبات والمعوّقات”، ونائب رئيس التيار الوطني الحرّ للشؤون الخارجيّة ناجي الحايك، عن “المقاومة الشعبية والاستراتيجية الدفاعية الوطنية الشاملة”، والأستاذ الجامعي والقيادي في الحزب التقدمي الاشتراكي الدكتور وليد صافي، (استيعاب المقاومة في الجيش: عن أي مقاربة للاستراتيجية الدفاعية الوطنية؟ .
اما المحاضر الرابع فهو رئيس تحرير صحيفة اللواء صلاح سلام، عن “تعديل القرار 1701 وتوسيع سلطة اليونيفيل: أيّة حاجة دفاعية؟”
كما عرض تقرير مصوّر للكليّة إعداد أستاذ مادّة علم الاستراتيجيات العميد المتقاعد كلود الحايك. وأسس وضع الاستراتيجية الدفاعية الوطنية والاستراتيجية العسكرية.