بعدها بعز شبابها.. كيف يفسَّر تفاؤل بري بمبادرة الاعتدال؟!

18 مارس 2024
بعدها بعز شبابها.. كيف يفسَّر تفاؤل بري بمبادرة الاعتدال؟!

يصرّ رئيس مجلس النواب نبيه بري على إحاطة مبادرة كتلة “الاعتدال” الرئاسية بأجواء تفاؤلية، رغم الانطباع السائد لدى كثيرين بأنّها استنفدت، بل “انتهت عمليًا”، انطلاقًا من أنّ موقف المعارضة منها لم يعد بالإيجابية نفسها، وهو ما تجلّى في المواقف الأخيرة لرئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، الذي كان أول من أعطاها “الزخم”، بموافقته على بنودها، فضلاً عن أنّ ردّ “حزب الله” المؤجَّل عليها، بدا سلبيًا ضمنًا، اضافة الى بدء “اللجنة الخماسية” تحركا اليوم يعتبره البعض “دفنا” غير مباشر لمبادرة”الاعتدال”

Advertisement










 
لعلّ خير دليل على ذلك قول الرئيس برّي حين سئل عمّا إذا كانت المبادرة قد انتهت، إنّها على العكس من ذلك، “بعدها بعزّ شبابها”، مؤكدًا أنّها تحظى بدعمه كما بدعم المجموعة الخماسية المعنيّة بالشأن اللبناني، ومبديًا استعداده للمساعدة والتسهيل، وهو ما أكّده للقيّمين على المبادرة حين زاروه في عين التينة، علمًا أنّ هناك من يحمّل بري مسؤولية “التشويش”، حين “أطاح” بتمايزها، وتمسّك بفكرة “ترؤسه” شخصيًا للحوار الذي تقوم عليه.
 
وإذا كان هناك من ذهب أبعد من ذلك، ليستنتج بأن بري يقف أصلاً خلف مبادرة “الاعتدال”، وأنّه تعمّد “تحييد نفسه” في المرحلة السابقة من أجل توفير شروط نجاحها، ثمّة من يسأل عن مغزى تفاؤله، الذي يصفه كثيرون بأنّه “مُبالَغ به”، فكيف يمكن تفسيره في ظلّ المعطيات والوقائع الموضوعية المحيطة بالاستحقاق؟ وعلامَ يراهن “الأستاذ” تحديدًا، في وقت “يتقاطع” الخصوم على “تفشيل” المبادرة بشكل أو بآخر؟!
 
صعوبات ومطبّات
 
وفقًا للعارفين، ليس خافيًا على أحد أنّ مبادرة “الاعتدال” تواجه العديد من الصعوبات في الآونة الأخيرة، فعلى الرغم من الإيجابية التي ظهرت بعد لقاء وفد من الكتلة النيابية مع الرئيس نبيه بري في عين التينة قبل نحو أسبوع، إلا أنّ أي ترجمة ملموسة لم تظهر بعد ذلك، بل على العكس، غلبت السلبية إلى حدّ بعيد، خصوصًا بعد السجال الذي نشب بين بري وجعجع، والذي كرّس الانطباع بأنّ المبادرة انتهت عمليًا، وبالتالي التحقت بسابقاتها.
 
يلفت العارفون إلى أنّ ما عزّز هذه السلبيّة أيضًا تمثّل في معطيين اثنين، الأول أنّ ردّ “حزب الله” على مبادرة “الاعتدال” بقي غامضًا، حيث لم تُعرَف طبيعة هذا الرد، بعد مرور أسبوع على اللقاء بين وفدي كتلتي “الاعتدال” و”الوفاء للمقاومة”، ما دفع البعض للتساؤل عمّا إذا كان هناك لعبة “توزيع أدوار” حاصلة ضمن “الثنائي الشيعي”، بحيث يُظهِر بري الإيجابية المُطلَقة، التي تبقى بلا ترجمة، من دون الغطاء اللازم من جانب “حزب الله”.
 
أما المعطى الثاني، فيتمثّل في غياب القيّمين على مبادرة “الاعتدال” عن الصورة، وعدم مبادرتهم إلى المرحلة الثانية التي سبق أن أعلنوا عنها، أو الجولة الثانية من المشاورات مع مختلف الكتل التي سبق أن أبدت ترحيبًا وحماسة ولو بنسب متفاوتة، وهو ما عزاه البعض إلى انتظار ردّ “حزب الله” الذي لم يأتِ بعد، في وقت يشير البعض الآخر إلى حراك قائم بالفعل خلف الكواليس، ومن دون ضجّة إعلامية، وبدفعٍ من بري شخصيًا.
 
“تفاؤل” بري ومعطياته
 
لكن، على الرغم من كلّ هذه التعقيدات، يبدو لافِتًا للانتباه التفاؤل الذي يتمسّك به رئيس مجلس النواب ما يدفع كثيرين للتساؤل عن خلفيّاته، التي يختلف الأفرقاء في قراءتها، وإن تقاطعت بمجملها على أنّ هذه المبادرة قد تكون “الأمل الوحيد” للوصول فعلاً إلى حلّ للاستحقاق الرئاسي، في ظلّ ضغط داخلي وخارجي على وجوب إنهاء الشغور، من أجل حجز موقع في معادلة ما بعد انتهاء الحرب الإسرائيلية على غزة وجنوب لبنان.
 
يضيف العارفون إلى ما تقدّم، الحديث عن “معطيات” لدى رئيس مجلس النواب تدفعه إلى التفاؤل بأنّ الحلّ بات قريبًا، وأنّ المبادرة المطروحة اليوم هي “البوابة” لإخراجه إلى الضوء، علمًا أنّ بري يستند في ذلك إلى أجواء إقليمية ودولية “مشجّعة”، اختصرها بقوله إنّ مبادرة “الاعتدال” تحظى بموافقة المجموعة الخماسية، وقد جاء ذلك بعد تواصل حصل قبل أيام مع الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان كما أصبح معروفًا.
 
ولعلّ التسريبات التي تكثّفت في الأيام الأخيرة حول “الخيار الثالث”، وانفتاح بري تحديدًا على البحث به، يندرج في السياق نفسه، علمًا أنّ هناك من يربط أيضًا بين هذا الانفتاح، الذي اقترن ببعض الأسماء التي تمّ تداولها، والحوار الذي دار أخيرًا بين بري و”التيار الوطني الحر” بقيادة الوزير السابق جبران باسيل، والذي قيل إنّه أفضى إلى “تقاطعات معيّنة”، ولو أنّها لا ترقى أقلّه حتى الآن إلى مستوى “التفاهمات الشاملة”.
 
لتفاؤل بري بمبادرة “الاعتدال” أسباب عدّة، بينها ما يندرج في خانة الوقائع، كبنائه على دعم “الخماسية”، ومختلف الأفرقاء، وبالتالي المرونة في مقاربة بعض التفاصيل التي قد تكون إشكالية، وبينها ما يندرج في خانة الواقع المرتجى، باعتبار أنّ “لا بديل” عن هذه المبادرة في الوقت الحالي، تمامًا كما أنّ “لا بديل” عن انتخاب رئيس، وعن الحوار والتفاهم بين اللبنانيين كمَدخَلٍ لذلك بطبيعة الحال!