بهذا الموقف قطع رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي الطريق امام السجالات التي فُتحت على خلفية تعيين خفراء الجمارك، فأُرجىء بتّ الملف، للمرة الثانية، في مجلس الوزراء، بسبب الخلافات السياسية – الطائفية التي حامت حوله.
أوساط حكومية معنية رفضت التعليق، واكتفت “بالموقف العلني والواضح” للرئيس ميقاتي، وفق تعبيرها. في الوقت نفسه، استغربت الاوساط نفسها كل هذه الضجة، ورفضت الدخول في أيّ سجال اعلامي حول هذه المسألة.
يتشعب هذا الملف ليتحول ملفا سياسيا – قضائيا في آن، اذ ان امام مجلس الوزراء قرارا صادرا عن مجلس شورى الدولة في 3 حزيران 2023، يبطل فيه القرار الرقم 9 الذي سبق لمجلس الوزراء ان اصدره في 14 تموز 2020. وقرار شورى الدولة يؤكد في نصه “الموافقة على تعيين الخفراء الناجحين في المباراة التي جرت لتطويع خفراء لمصلحة الضابطة الجمركية وفق ترتيب نجاحهم في المباراة”.
كما نص قرار شورى الدولة على إبطال القرارين الصادرين في 24 آب 2020 عن المجلس الأعلى للجمارك، واللذين تضمّنا تعيين خفراء جمركيين في جهازي المكافحة في البر والمكافحة في البحر في ملاك الضابطة الجمركية، لوجوب التقيد بتسلسل الناجحين في المباراة عند التعيين.
بداية القصة تعود الى عام 2018، حين اجريت مباراة بين المعيّنين اليوم. وعلى اساس نتائج هذه المباراة، يرتكز شورى الدولة في قراراته ويطالب بإبطال قرار مجلس الوزراء السابق.
يشرح الوكيل القانوني لتسعة من هؤلاء الخفراء الناجحين في المباراة، المحامي حلمي محمد الحجار ان “الخفراء التسعة نجحوا في المباراة. خفراء سبعة اوائل لمصلحة جهاز المكافحة في البر، وخفيران ثامن وتاسع لمصلحة جهاز المكافحة في البحر، إلا ان التعيين تأخر عامذاك بسبب خلاف حصل داخل الإدارة حول أسس تعيينهم. وطُرحت الاشكالية الآتية: هل يأتي التعيين على اساس مناصفة بين الطوائف الإسلامية والمسيحية، ام يتم على أساس الكفاية، طبقا لتسلسل معدلات الفائزين في المباراة من دون اخذ الطائفة في الاعتبار؟ وعليه، قرر المجلس الأعلى للجمارك اصدار قرارين لم ينصفا هؤلاء الخفراء الناجحين، الذين سارعوا الى الطعن بالقرار امام شورى الدولة، لاسيما ان عددا كبيرا من المعيّنين يومها كانت معدلات علاماتهم اقل من معدلات الناجحين”.
هذه قراءة الوكيل القانوني لمقدمي الطعن. من هنا، فان الطعن ارتكز على ضرورة اعتماد الكفاية، اي وفق علامات الناجحين، لا على اساس المناصفة، وخصوصا ان موظفي الفئة الثالثة لا تنطبق عليهم معايير المناصفة كما هي حال موظفي الفئة الاولى.
ويلفت الحجار الى ان “الاصوات التي ترفض التعيين اليوم تغفل ذكر قرار شورى الدولة الذي يشكل قرارا قضائيا يتمتع بالصيغة التنفيذية، وبالتالي، فان الامتناع عن تنفيذه يشكل جرم الامتناع عن تنفيذ قرار قضائي”.
أصل القصة او الطعن يعود الى ان المجلس الأعلى للجمارك عيّن في العام 2020 عددا من الخفراء الجمركيين جاء ترتيبهم في نتائج المباريات بعد ترتيب الناجحين، تحت عنوان “مراعاة التوازن الطائفي”.
وحين صدور قرار شورى الدولة الذي خالف قرار المجلس الاعلى للجمارك، اعيد طرح البند في مجلس الوزراء، بطلب من وزارة المال، للبتّ في الخلاف الحاصل في المجلس الاعلى للجمارك بشأن تعيين الخفراء الذين نجحوا في المباراة.
وسريعا، علت اصوات رافضة، وتحديدا من الجهات المسيحية.
“لابورا”: 20% فقط
تُعتبر مؤسسة “لابورا” الجهة الاولى التي حذرت من الموضوع، وعالجت الملف بعيدا من “المنطق الطائفي وحده”. وسريعا، علّقت المؤسسة في بيان قائلة: “لن نتجاهل قرار شورى الدولة الذي يستند اليه المدافعون عن التعيين، انما ألم يعد لدى المسيحيين كفايات وطاقات لكي يتم استبدال اي موقع مسيحي في الادارة العامة بشخص غير مسيحي؟ ثم هل الموافقة على طعن من 9 أو 10 أشخاص من المتقدمين الى الجمارك، يستوجب إدخال العشرات غيرهم معهم، وهم من طائفة واحدة؟”.
ويخبر رئيس “لابورا” الاب طوني خضرا ان “الجمارك بقيت الجهاز الوحيد، بعد انتهاء الحرب، الذي يحصد نسبة متدنية من مشاركة المسيحيين، اذ يومها بلغت النسبة في معظم المؤسسات نحو 30 في المئة، فيما كانت في الجمارك لا تصل الى حدود الـ22 في المئة”.
ويضيف: “اليوم، يُحكى عن 200 عنصر آخرين من المسلمين سيتم تعيينهم، لاسيما ان مجلس الوزراء وافق على طلب تأجيل تسريح 500 عنصر لمدة 4 سنوات، ونسبتهم 80 من المئة من المسلمين ايضا. هكذا، تفرّغ الجمارك من المسيحيين”.