وساطة فرنسية بين حزب الله وإسرائيل لخفض منسوب المواجهة: القرار 1701

21 مارس 2024
وساطة فرنسية بين حزب الله وإسرائيل لخفض منسوب المواجهة: القرار 1701

كشفت مصادر دبلوماسية أوروبية أن خفض منسوب المواجهة في الأيام الأخيرة بين «حزب الله» وإسرائيل على امتداد الجبهة الشمالية، بخلاف ما كانت عليه سابقاً، لا يعود إلى رداءة الأحوال الجوية، وإنما إلى تجاوب الطرفين مع الوساطة التي تولاها رئيس الاستخبارات الفرنسية الخارجية، نيكولا ليرنر، خلال زيارته إلى بيروت التي تخللها اجتماعه بمسؤول بارز في الحزب، في سياق اجتماعاته التي عقدها مع مسؤولين لبنانيين، سياسيين وأمنيين، تناولت بشكل أساسي مرحلة ما بعد التوصل إلى هدنة على الجبهة الغزاوية، في حال أن الوساطة الأميركية – المصرية – القطرية تكللت بالنجاح على أمل أن تنسحب على جنوب لبنان.

وأكدت المصادر الدبلوماسية الأوروبية لـ«الشرق الأوسط» أن مجرد التوافق غير المباشر على خفض منسوب المواجهة في جنوب لبنان، من وجهة نظر باريس، سيدفع باتجاه التهدئة، التي يُفترض أن تبدأ في غزة وتمتد تلقائياً إلى الجبهة الشمالية، ما يعزز تغليب الحلول الدبلوماسية على الحل العسكري، بخلاف التهديدات التي يطلقها رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، وأركان فريق حربه، على خلفية أن الهدنة الغزاوية لا تنسحب بالضرورة على جنوب لبنان.
فالتوافق على خفض منسوب المواجهة، بحسب المصادر الدبلوماسية، يمكن أن يفتح الباب أمام إعطاء الأولوية للحلول السياسية، بتطبيق القرار الدولي 1701، كونه الناظم الوحيد لتحديد الحدود البرية بين لبنان وإسرائيل، خصوصاً أن ليرنر تطرق في لقاءاته، سواءً كانت رسمية أو تلك التي عقدها مع مسؤولين بارزين في «حزب الله»، إلى الورقة التي أعدّتها فرنسا وأودعتها لدى الحكومة اللبنانية، التي سجلت ما لديها من ملاحظات عليها، من دون أن تتعاطى بطريقة سلبية مع مضامينها.
ولفتت المصادر إلى أن مجرد التوافق على خفض منسوب التوتر، يعني حكماً أن تل أبيب ستضطر للتعاطي معها إيجابياً، بشكل يؤدي إلى تراجع الحلول العسكرية التي لا يزال نتنياهو وفريق حربه يلوّحون بها.
وقالت إن ليرنر بحث في لقاءاته الرسمية التي شملت، إضافة إلى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، قائد الجيش العماد جوزيف عون، ومدير المخابرات العميد طوني قهوجي، توفير كل أشكال الدعم للمؤسسة العسكرية ليكون في وسعها، إلى جانب القوات الدولية «يونيفيل»، الانتشار في منطقة جنوب الليطاني، على أن يتلازم ذلك مع فتح باب التطوع لتأمين العدد المطلوب من العسكريين لتطبيق القرار 1701.
وأكدت المصادر أن الحزب يتعامل بالمثل في رده، باستهدافه مناطق تقع في العمق الإسرائيلي، وقالت إنه يحرص على ضبط أدائه في المواجهة المشتعلة من دون أن يجنح نحو التصعيد العسكري بلا ضوابط، بغية الإبقاء على مجريات المعركة تحت السيطرة، استعداداً للتعاطي لاحقاً مع مرحلة ما بعد التوصل إلى هدنة على الجبهة الغزاوية، وإن كان يسعى من حين لآخر لتمرير الرسائل لإسرائيل بأن المواجهة تبقى محكومة بتوازن الرعب، برغم أنها كانت السباقة في تخطيها في غالب الأحيان قواعد الاشتباك المعمول بها منذ صدور القرار 1701 الذي كان وراء وقف العمليات العسكرية، من دون أن يتحول إلى وقف شامل لإطلاق النار.

وكتبت” الاخبار”: ردّ مسؤولون فرنسيون على الكلام المكرر للمستشار الرئاسي الأميركي عاموس هوكشتين بأن واشنطن هي الطرف الوحيد المعني بصياغة حل للوضع المتفجّر بين لبنان وكيان الاحتلال، بأن واشنطن تستغلّ علاقتها الخاصة مع إسرائيل للتفرد بالاتصالات وبالخطط، وبأن فرنسا هي «الطرف الوحيد الذي له علاقات مع الجانب الآخر»، في إشارة إلى إيران وحزب الله.
وقال مصدر ديبلوماسي فرنسي أن «الورقة» التي قدّمتها باريس الى لبنان أخيراً هي مسوّدة أولية خاضعة للبحث، وأن هدفها فتح الحوار سعياً وراء اتفاق كامل. وأكّد أن فرنسا «منفتحة على أيّ تعديلات تكون مناسبة لطرفَي النزاع من دون انحياز لأحد».
وأشار المصدر إلى تقارير ووثائق ديبلوماسية تكشف أن وزير الجيوش الفرنسي سيباستيان لوكورنو لمس خلال لقاءاته مع كبار مسؤولي حكومة العدوّ في تل أبيب أن نزوح مستوطني الشمال يشكّل أولوية لدى هؤلاء، وأن «هاجس توفير الأمن على الحدود مع لبنان يسيطر على عقول القادة الإسرائيليين، الذين يدرسون الخيار العسكري إذا لم تتوفر فرصة سياسية لحل الأمر». وأكد أن لوكورنو نقل الى قادة العدو رسالة من إدارته «تنصح بعدم اللجوء الى الحرب والبحث عن حل عن طريق التفاوض بما يؤمّن تنفيذ القرار 1701 وضمان انسحاب حزب الله الى شمال الليطاني».
وبحسب المصدر، فإن السلطات الفرنسية «وضعت بعد مشاورات مع الجانب الأميركي حول الوضع في لبنان خريطة طريق (feuille de route) مشتركة أميركية – فرنسية تتضمن اقتراحات للبحث مع لبنان، بعدما جرت مناقشتها مع إسرائيل، بغية التوصل الى حل ديبلوماسي». ونقل عن مساعد وزير الدفاع فانسان باركوني أن باريس «تشعر بتمسك إسرائيلي كبير بأن تقود الولايات المتحدة، وخصوصاً هوكشتين، أيّ حل ديبلوماسي يفضي الى تنفيذ كامل للقرار 1701»، وأن «الدور الأميركي، على أهميته، ليس كافياً للتوصل الى حل يرضي كل الأطراف، ما يستوجب عملاً جماعياً». وأضاف «أن لفرنسا دورها التاريخي في المنطقة، ولا سيما في لبنان، وهي أكثر إلماماً بالوقائع على الأرض من خلال الكتيبة الفرنسية في قوات اليونيفيل، كما أنها على تواصل مع الجهات كافةً، سواء إيران في الإقليم أو حزب الله في لبنان».
وبحسب تقرير ديبلوماسي، «يتحدث المسؤولون في باريس صراحة عن أن الولايات المتحدة غير قادرة على استنباط حل ديبلوماسي بمفردها، وأن واشنطن ملزمة بالتنسيق مع فرنسا للتوصل إلى اتفاق أكثر صدقيةً واستدامة». وخلص التقرير الى أن رأي «الديبلوماسية الفرنسية هو أنّ أيّ اتفاق أميركي – إسرائيلي (محض) لا يُمكن أن يُرضي جميع الأطراف».

خطة فرنسا «capsule 1701»
وفي تقرير ديبلوماسي آخر، أوردت مصادر فرنسية تفاصيل عن محادثات لوكورنو مع قائد الجيش العماد جوزف عون وقائد قوات اليونيفيل الجنرال أرولدو لازارو خلال تفقده قوات بلاده مطلع العام. ونقل التقرير «محادثة مع الكولونيل أنطوان فوريشون دولاباردوني مستشار وزير الدفاع الفرنسي، الذي أوضح أن الخطة تقوم على الآتي:
أولاً، عدم ربط الوضع في جنوب لبنان بما يحدث في غزة، وبالتالي عدم ربط أيّ حل يمكن التوصل إليه بشأن جنوب لبنان – شمال إسرائيل مع الاتفاق على وقف إطلاق النار في غزة، وخصوصاً في ضوء الإصرار الإسرائيلي على الاستمرار في الحرب على غزة حتى هزيمة حماس.
ثانياً، إنشاء «test zone» يتم تطبيق القرار 1701 فيها بشكل كامل، بما يشمل انسحاباً لحزب الله من هذه المنطقة يترافق مع انتشار معزّز للجيش اللبناني، ووقف القصف وتحليق الطيران الإسرائيلي في هذه المنطقة التي تبلغ مساحتها 5×5 كلم، ولمدة خمسة أيام كمرحلة أولى.
ثالثاً: استغلال هذه المرحلة لتأمين عودة تدريجية للنازحين على جانبَي الحدود».
وبحسب الضابط الفرنسي نفسه، فإن «هذا الطرح التجريبي لا يشمل الأراضي اللبنانية المحتلة، ولا سيما مزارع شبعا التي تتمتع بوضعية خاصة ويُرجأ البحث فيها إلى مرحلة لاحقة». ونسب التقرير الى المسؤول الفرنسي نفسه أن «العمل بموجب هذه المبادرة قد يكون بداية مسار باتجاه حل ديبلوماسي ينطوي على تثبيت الحدود الجنوبية للبنان». ونقل تقييمه للموقف على الجانب الإسرائيلي، مشيراً الى أن إسرائيل «منفتحة للعمل على تثبيت الحدود البرية»، و«تركّز أكثر على ضرورة انسحاب حزب الله من منطقة عمليات اليونيفيل من جنوب الليطاني، مقابل انسحاب إسرائيل من الأراضي اللبنانية المحتلة وتثبيت الحدود البرية».
وكرر الديبلوماسي الفرنسي التأكيد على ضرورة التوصل الى وقف إطلاق نار بأسرع وقت ممكن، وأشار الى أن «تجنب الحرب مع إسرائيل هو من مصلحة لبنان واللبنانيين، ومن مصلحة الإسرائيليين الذين يدركون أنّ أيّ حرب مع لبنان ستكون كلفتها باهظة جداً، وإن كانوا لا يشكّكون بقدرتهم على تحقيق انتصار فيها». وبحسب التقرير، فإن الخلاصة الموجودة لدى المسؤولين الفرنسيين حول الموقف الحالي هي أن فرنسا «لمست عند كل من إسرائيل وحزب الله اعترافاً متبادلاً بعقلانية الطرف الآخر» (reconnaissance mutuelle de la rationalite de l’ autre). وفي السياق نفسه، لفت التقرير الى أن المسؤول الفرنسي «جدد التأكيد على دعم فرنسا المستمر للبنان، ولا سيما على المستوى العسكري، وأن توقيع مذكرة تفاهم مع الجيش اللبناني بات في مرحلة متقدمة جداً. وتسمح المذكرة للجيش اللبناني بالولوج الى المنطقة المركزية الفرنسية لشراء الأدوية بأسعار مخفّضة، لتأمين احتياجات الجيش من الأدوية، ضمن آليّة تعاون هي الأولى من نوعها للجيش الفرنسي مع جيش أجنبي».
وكتبت”الديار” فقد تبلغ المسؤولون اللبنانيون موقفا اميركيا رافضا للعرض الفرنسي بإنشاء لجنة خماسية فرنسية اميركية لبنانية اسرائيلية مع اليونيفيل لبحث الترتيبات على جانبي الحدود بين لبنان وإسرائيل بعد وقف النار في غزة، وتمسك هوكشتاين بانضمام واشنطن فقط للجنة الثلاثية ومعاودة اجتماعاتها في الناقورة، وهذا ما طلبته إسرائيل مؤخرا وادى إلى تاجيل زيارة لودريان إلى لبنان لأجل غير مسمى، فيما الموفد الاميركي يتابع التفاصيل من فريق عمله وسيعود بعد الوصول الى وقف للنار.
وحسب المتابعين للحراك، فان نشاط بيروت الخماسي يوازيه حراك بعيد عن الانظار في مسقط بين الاميركيين والايرانيين، امتدادا إلى لقاءات سعودية إيرانية وصولا الى اجتماعات سورية سعودية ستتوج بزيارة وزير الخارجية السوري فيصل المقداد الى الرياض مع تاكيدات بعودة الحرارة في العلاقات بين البلدين الى مرحلة ما قبل ٢٠٠٥.