كان في استطاعة مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في “حزب الله” الحاج وفيق صفا الذهاب إلى دولة الأمارات العربية المتحدة والعودة منها من دون أن يعرف أحد بهذه الزيارة، التي سبقتها اتصالات مكثفة بين المسؤولين الأمنيين الاماراتيين وبين أكثر من طرف محلي واقليمي، لكن “حارة حريك” تعمّدت تسريب الخبر لأسباب كثيرة، كما أن لأبو ظبي أسبابًا كثيرة أيضًا لإعطاء هذه الزيارة طابعًا رسميًا، مع ما يمكن أن ينتج عنها من نتائج مباشرة وغير مباشرة لجهة إغلاق ملف آخر الموقوفين اللبنانيين الذين يقضون محكوميتهم بعدما أصدر القضاء الإماراتي في حقهم أحكامًا لها علاقة بأمن الامارات، وهم ينتمون بمعظمهم إلى “حزب الله”.
لا شك في أن هذه الزيارة وما سيتبعها من مفاعيل إيجابية بالنسبة إلى إطلاق سراح اللبنانيين الموقوفين في الامارات لم تكن لتحصل لو لم تكن العلاقة الديبلوماسية بين أبو ظبي وطهران قد قطعت شوطًا متقدّمًا جاءت كنتيجة طبيعية للسياسة الانفتاحية، التي قررت إيران انتهاجها تجاه دول المنطقة، فكانت أولى خطواتها ما تم الاتفاق عليه مع الرياض بناء على وساطة صينية، ومن بين هذه الدول، التي قررت إيران الانفتاح عليها هي دولة الامارات العربية، خصوصًا أن بين الدولتين خلافات عميقة حول ملكية الجزر الإماراتية الثلاث: طنب الكبرى، وطنب الصغرى، وأبو موسى، وموقف أبو ظبي من دعم ايران للحوثيين.
فلو لم تكن هذه العلاقة المتوترة بين أبو ظبي وطهران قد قطعت شوطًا متقدمًا لما كان الحديث عن إمكانية الافراج عن الموقوفين اللبنانيين واردًا في الأساس، خصوصًا أن موقف السلطات الأمنية في دولة الامارات معروف لجهة التشدّد في تطبيق القانون المحلي المتعلق بالأمن القومي الإمارتي، والذي يُعتبر خطًّا أحمر من غير المسوح تجاوزه، أو حتى السماح بالحديث عن مفاعيله.
في المقابل، فإن “حزب الله” لم يكن في وارد الدخول في هذه القضية الحساسة والدقيقة لو لم يكن قد تلقى إشارات إيجابية قد يستتبعها بخطوات انفتاحية لاحقة على عدد من دول المنطقة، والتي كان يناصبها العداء ويتهمهما بتقديم الدعم للأميركيين والبريطانيين في حربهم على اليمن.
وفي رأي أكثر من مراقب سياسي وديبلوماسي فإن قرار “حزب الله” بالانفتاح على عدد من دول الخليج، وهو في الأساس على علاقة جيدة مع القطريين، مردّها إلى المأزق الذي بدأ يستشعره بتورطه في فتح جبهة الجنوب “إسنادًا لغزة”، مع ما استجر هذا التدّخل من أضرار جسيمة لحقت به بالمباشر بعد سقوط أكثر من مئتي شهيد من خيرة شبابه، وبعد الدمار الهائل الذي لحق بأكثر من خمسين قرية حدودية، مع ما يمكن أن يستتبع ذلك من جرّ لبنان إلى حرب ليس له فيها أي شيء، وهو بالكاد يقدر في وضعه الحالي أن يتنفس، فكيف إذا شنّت إسرائيل عليه حربًا قال عن ظروفها الرئيس ميشال عون إنها غير متكافئة.
فهل يمكن اعتبار خطوة “حزب الله” تجاه دولة الامارات بمثابة الخطوة الانفتاحية الأولى انسجامًا مع سياسة “الجزرة والعصا” التي تنتهجها إيران في مفاوضاتها مع الولايات المتحدة الأميركية؟
المتفائلون يرون أن زيارة صفا لأبو ظبي ستحمل حتمًا بشائر لعلاقة مستدامة قد يكون لمفاعيلها الأثر الايجابي على حركة “حزب الله” في المنطقة وفي الداخل اللبناني.
أمًا الواقعيون فيعتبرون أن أي خطوة خارجية يقوم بها “حزب الله” تبقى ناقصة ما لم يبادر إلى اتخاذ أكثر من خطوة في الداخل، وأولها اعترافه بأن “حرب المساندة” لم تؤتَ ثمارها، وثانيها الذهاب نحو الخيار الثالث في الاستحقاق الرئاسي.
فإذا استطاع “حزب الله” أن يقوم بهاتين الخطوتين المتقدمتين فإن مفاعيل انفتاحه على دولة الامارات وغيرها من دول الخليج ستكون لها التأثير المباشر على “لبننة” خياراته، في ضوء ما سمعه العالم من تفاصيل في التقرير السنوي للأمم المتحدة عن المعارك الدائرة بين فصائله وجيش العدو على خطوط المواجهة الحدودية.