وكانت للمرتضى كلمة قال فيها: “نحن اللبنانيون، إذا لم نجتمع، بقينا حروفا متنافرة لا معنى لها. كل عيد لا نجدد روحه فينا يغدو صنما أحق بأن يهجر.هذه القاعدة تنطبق على أعيادنا جمعاء، بلا أي استثناء، ما كان منها دينيا أو وطنيا أو حتى شخصيا، فاليوم كأخيه من سابق وتال إلا إذا تميز ببث الوعي في تضاعيف استحقاقه، عبر عيشه حقيقة كما ينبغي للحقيقة أن تكون.”
أضاف: “ولا يشذ عيد الأبجدية عن هذه القاعدة، فهو يوم كسائر الأيام، ما لم نتذكر فيه معنى الأبجدية ودورها في بناء الحضارة، وانعكاس ذلك كله على واقعنا اليومي وأحوالنا المعاصرة. وكي لا أبتعد في التجريد أكثر، أذكر بما أؤمن به وتثبته الحياة، أن الحروف فرادى ليست سوى رسم بالحبر على الورق، وأما معناها فيدركها عندما تجتمع، فتغدو كلمة مفيدة أو جملة أو صفحة أو كتابا. هكذا نحن اللبنانيين، إذا لم نجتمع بقينا حروفا متنافرة لا معنى لها، واستعصى على وطننا أن يكون رسالة، كما نردد كثيرا في أدبياتنا السياسية والاجتماعية. فقدموس، كما تحكي الأسطورة لم يذهب بالحروف إلى العالم، بل بالكتابة، وهذا أشار إليه سعيد عقل حين قال: جاء قدموس بالكتابة، بالعلم إليهم، إلى الأواتي العصور
وغدا يعرفون أنا على السفن حملنا الهدى إلى المعمور
وأردف: “فالسؤال الذي يطرح نفسه علينا كلبنانيين في هذا العيد هو: كيف نخرج وطنيا من الألفباء المتفرقة إلى هدى الكتابة المجتمعة؟ لا جواب إلا باكتناه نعمة العيش الواحد الذي يحفظ التنوع كما تحفظ الكلمة تعدد حروفها، وتبثه رونقا في العبارات. هكذا تتكون اللغة ويتشكل الوطن. أما لغتنا كلبنانيين وكما سبق لي أن أكدت في مناسبة سالفة، فإنها ” لغة الأديرة والخلوات والمساجد والحسينيات والحديث الشريف والترتيل والتجويد، والصلوات الخمس والأبانا وصلاة المسبحة الوردية ونهج البلاغة ودعاء مكارم الأخلاق وميامر الحبساء، لغة الناقوس الذي يفرح الروح والأذان الذي يطمئن النفس…لغة بهاء الدين العاملي واليازجي والمعلم البستاني، وجبران خليل جبران وإيليا أبي ماضي …..لغة جوزبف حرب وطلال حيدر وجرمانوس جرمانوس وشوقي بزيع ونزار فرنسيس….لغة جورج جرداق وموسى الصدر وكمال جنبلاط وصبحي الصالح ومحمد حسين فضل الله، وجورج خضر وسامي ابي المنى ومحمد امام ورامز سلامة ومارون العمار وشربل بو عبود وعبد الحليم كركلا وسليم وجودت حيدر … لغة موسى زغيب وزين شعيب وخليل شحرور وطليع حمدان وزغلول الدامور وانطوان سعادة وشربل كاملة… لغة الرحابنة وفيروز ونصري شمس الدين ووديع الصافي… لغة روني الفا(الذي افحم بالأمس في طهران الأمم التي اجتمعت وهو يتحدث عن دور القرآن في حفظ الهوية الإسلامية) ونزيه الأحدب ورشيد درباس وشوقي ساسين المبدع الرصين(الذي لا تعرفه في كلامه وفي أفعاله أمن عائلة ساسين هو أم من عائلة ياسين)…لغة الكلمة الطيبة والرصانة والأدب والثقافة والأنفة والرقي والتهذيب.”
وقال المرتضى: “أما ضد العدو الإسرائيلي – وهنا بيت القصيد – فهي لغة “الموقف سلاح والمصافحة اعتراف” ولغة “العين التي تقاوم المخرز وتلويه”، ولغة “لا راحة مع احتلال”. أو بعبارة أخرى هي لغة “الروح” التي تذل الترسانة، والوعي الذي يفرض علينا التمسك بقيمنا وبمبدأ العيش معا الضامن لوجودنا، ولبقاء وطننا الرسالة، المناقض لواقع الكيان المغتصب عدو الإنسانية ووصمة العار على جبين البشرية”.
وختم: “وعيد الأبجدية الذي نقيمه اليوم، لم يوضع بمسعى واقتراح الصديق العزيز النائب نعمة الله أبي نصر، من أجل استرجاع ذكرى فضل لبناني قديم على الحضارة الإنسانية فقط، بل للتعمق في معناه راهنا، حماية لحاضرنا ومستقبلنا. فنحن والأستاذ نعمة الله ننظر الى هذا العيد على أنه محطة تأمل تفرض على اللبنانيين جميعا أن يراجعوا فيها أنفسهم ويتخذوا فيها خياراتهم بين أن يصيروا لغة أو يكونوا حروفا؛ بين أن يجعلوا وطنهم رسالة عز وبطولة، وحب وسلام للعالم أجمع، أو يرتضوا البقاء فعلا ماضيا ناقصا في كتاب الأمم، عشتم وعاش لبنان”.