الهجوم على القنصلية الإيرانية بدمشق.. هل يؤثّر على جبهة لبنان؟!

4 أبريل 2024
الهجوم على القنصلية الإيرانية بدمشق.. هل يؤثّر على جبهة لبنان؟!


 
لم يكن الهجوم على القنصلية الإيرانية في العاصمة السورية دمشق مجرّد حادث آخر يُضاف إلى “سجلّ” الاعتداءات الإسرائيلية اليومية المتنقّلة بين مختلف الجبهات، من غزة إلى لبنان وسوريا، والتي تتصاعد في الوتيرة والحجم منذ السابع من تشرين الأول الماضي، وقد بلغت “الذروة”، إن جاز التعبير، في الأسابيع القليلة الماضية، من دون أن تصل، أقلّه حتى الآن، إلى حدّ “الحرب الشاملة” التي لا يزال “شبحها” يلوح في الأفق.

 
ففي الشكل قبل المضمون، بدا الحادث “الأخطر” من نوعه بين إيران وإسرائيل منذ بدء الحرب الإسرائيلية على غزة، بل ربما ما قبل ذلك، ولا سيما أنّ المبنى المُستهدَف هو مبنى تابع للقنصلية الإيرانية، مع ما يعنيه ذلك على المستوى الدبلوماسيّ، كما أنّ الشخصيات المستهدفة، وعلى رأسها قائد فيلق القدس في سوريا ولبنان محمد رضا زاهدي، قد تكون الأعلى رتبة في الحرس الثوري على الإطلاق، منذ اغتيال قاسم سليماني في العام 2000.
 
وإذا كانت ردود الفعل على الاغتيال لم تخرج عن التوقعات، سواء لجهة التنديد بالجريمة، أو لجهة الوعيد بالثأر والانتقام، من دون الذهاب إلى ردود فورية، وربما “انفعاليّة” بما قد يُخرِجها عن السيطرة، فإنّ علامات استفهام طُرِحت عن “السيناريوهات المحتملة” للردّ الإيراني المتوقع، وعن تأثيرات ما جرى على مختلف الجبهات، ومن ضمنها “جبهة لبنان”، فهل يصحّ القول أنّ ما بعد الهجوم على القنصلية الإيرانية بدمشق لن يكون كما قبله؟!
 
سيناريوهات الرد الإيراني “الحتميّ”
 
صحيح أنّ تصريحات المسؤولين الإيرانيّين بعد الهجوم على القنصلية الإيرانية في دمشق تقاطعت عند التأكيد أنّ الجريمة “لن تمرّ من دون ردّ”، وأنّ هذا الردّ سيكون “قاسيًا”، إلا أنّ “الغموض البنّاء” بقي السائد، خصوصًا في ما يتعلق بطبيعة هذا الردّ، وإن أجمعت التقديرات على أنّه سيكون “حتميًا”، خصوصًا أنّ هناك من يعتبر أنّ عدم الردّ من جانب طهران، هو الذي يدفع الجانب الإسرائيلي إلى التمادي في اعتداءاته واستفزازاته.
 
وبمعزل عن نظرية الردّ “في الزمان والمكان المناسبين”، وتلك المحدّثة التي تقوم على ما يسمّى بـ”الصبر الاستراتيجي”، تبدو التقديرات حول الردّ الإيراني المحتمل “متفاوتة”، وإن كانت بمجملها تصبّ في خانة ردّ “مضبوط”، بحيث لا يؤدي إلى حرب لا تُحمَد عقباها، ولا تريدها طهران في الوقت الحالي، علمًا أنّ هناك من يتحدّث عن ردّ “مرحليّ” قد يشمل أكثر من جبهة في آنٍ واحد، أو قد يكون خارج “نقاط الاشتباك” الحاليّة.
 
في هذا السياق، ثمة من يشير إلى أنّ الردّ قد يأتي على شكل “تصعيد” على الجبهات المفتوحة، من لبنان إلى اليمن مرورًا بسوريا والعراق، إلا أنّ التوقعات تشير إلى أنه لن يكون جزءًا من “الردود اليومية” التي باتت مألوفة إلى حدّ بعيد، باعتبار أنّ هذه الردود تنحصر في خانة “الإسناد”، في حين أنّ ما تسعى إليه طهران من ردّها هو توجيه “ضربة مباشرة” للمصالح الإسرائيلية، قد تشبه ضربة أربيل التي استهدفت ما صُنّف “مركزًا للموساد”.
 
ماذا عن “جبهة لبنان”؟
 
مع ذلك، ثمّة تساؤلات “مشروعة” تُطرَح حول التأثيرات المحتملة لما جرى على مستوى “جبهة لبنان”، وهو الأمر الذي عزّزه البيان الذي أصدره “حزب الله” بعد الاستهداف، والذي وصف فيه زاهدي بـ”القائد الكبير والشهيد الغالي”، وتحدّث عن الدور الذي لعبه “من أجل تطوير وتقدّم عمل المقاومة في لبنان”، قبل أن يخلص إلى أن جريمة اغتياله “لم تمرّ دون أن ينال العدو العقاب والانتقام”، بحسب تعبيره.
 
ولأن الحزب أغدق على زاهدي بالأوصاف، حيث اعتبر أنّه “كان بحقّ الأخ والمجاهد والصديق الوفي والمضحّي النموذجي في عشقه للمقاومة في لبنان والمنطقة”، يقول العارفون إنّ الحزب يعتبر نفسه “معنيًا” بجريمة الاغتيال، بل مُستهدَفًا منها بشكل مباشر، ويشيرون إلى أنّ احتمال أن يتولى الرد، أو جزءًا من الرد بصورة أكثر دقّة، هو خيار أكثر من وارد، بمعزل عن طبيعة وحجم هذا الردّ، وما يمكن أن يترتّب عليه.
 
لا يعني ما تقدّم أنّ ردّ “حزب الله” إن حصل سيؤدي إلى “انفجار الجبهة” في لبنان، أو أن “التصعيد” سيكون واسعًا، بل إنّه سيبقى محكومًا وفق العارفين، بسقف الضوابط والمعايير نفسها، ولا سيما أنّه أصبح واضحًا أنّ الإسرائيلي يعتمد سياسة “الاغتيالات” كتكتيك “حربي” في الآونة الأخيرة، علمًا أنّ الحزب الذي يكرّر أنّه جاهز للحرب متى فُرِضت عليه، يبقى مصرًّا بالموازاة على أنه لن يبادر لفتح الحرب، مهما بلغ حجم الاستفزاز الإسرائيلي.
 
يقلّل البعض من شأن التكهّنات الكثيرة، ومعها المخاوف من حرب مفتوحة أو موسّعة أو شاملة يمكن أن يفضي إليه الهجوم على القنصلية الإيرانية في دمشق، الذي يقول البعض إنّ الإسرائيلي ما كان لـ”يجرؤ” على الإقدام عليه لو لم يكن “مطمئنًّا” أنّ الطرف الآخر لا يريد الحرب. لكنّ الأكيد أنّ ثمّة “قواعد جديدة” تُرسَم في المنطقة، ربطًا بما يجري في غزة، وأنّ احتمالات تفجّر الصراع تبقى واردة في أيّ لحظة، وهنا بيت القصيد!