خلال خطابه يوم أمس بمناسبة “يوم القدس العالمي”، قال الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله إن المقاومة في لبنان لا تخشى الحرب وهي على أتم الإستعداد لأي مواجهة، قائلاً إنّ الحزب لم يُخرِج بعد “السلاح الأساسي” خلال معركته مع العدو الإسرائيلي منذ 8 تشرين الأول الماضي.
في غضون ذلك، ما تبينه الوقائع والتحليلات الميدانية هو أنه حتى اللحظة تنحصر مساهمة “حزب الله” في المعركة الدائرة في المنطقة بإستهدافات دقيقة للاليات والجنود الاسرائيليين وللمواقع الامامية للجيش الاسرائيلي، فالحزب يستخدم صواريخ قديمة مثل الكاتيوشا واسلحة كان قد استخدمها عام 2006 مثل الصواريخ المضادة للدروع اضافة الى ادخال جزئي وبسيط لعدد من الاسلحة النوعية الجديدة، وهذا ما يجعل انخراط الحزب في الحرب محدوداً الى حدّ كبير بالرغم من عملية الاشغال الكبرى التي احدثها لاسرائيل شمال فلسطين المحتلة.
بالنظر الى المعركة الحاصلة، يمكن القول إن “حزب الله” بات مؤثراً في معادلات الداخل الاسرائيلي اكثر من قطاع غزة، خصوصا أن عدد الذين هجرهم الحزب من المستوطنات الحدودية وصل الى حدود الـ 150 ألفاً، في الوقت الذي عاد فيه عدد كبير جداً من المستوطنين الى غلاف غزة بفعل تبدل شكل المعركة هناك، مع الإشارة الى ان اصول مستوطني الشمال الاوروبية تجعلهم أكثر قدرة على الضغط على الحكومة الاسرائيلية من اصحاب الاصول الاخرى.
على الصعيد التكتيكي استفاد “حزب الله” من المعركة العسكرية بشكل كبير، وقد تعلم من دروس المعركة واكتشف قدرات لم يكن يعرفها لدى الجيش الاسرائيلي لا سيما على الصعيد التقني والتكنولوجي وتمكن من التعايش والتعامل معها من دون ان يكشف اي من قدراتها المخفية او اسلحته الكاسرة للتوازن او حتى من دون ان يستخدم بنيته التحتية العسكرية التي اعدها للحرب الشاملة، وهذا يعطيه افضلية على الجيش الاسرائيلي الذي تعرضت مواقعه لقصف بأسلحة مدمرة مثل “بركان” وتضررت قدراته التجسسية بشكل كبير.
في الاسابيع الاخيرة، بات واضحاً أن إسرائيل لم تعد قادرة على رفع سقف تهديداتها تجاه لبنان، اذ ان الواقع الفعلي لألويتها العسكرية اصبح مهشماً بشكل كبير في ظل حربها البرية في غزة، كما ان لديها اهدافا ميدانية لم تحققها في القطاع مثل السيطرة على خانيونس او الدخول الى رفح، وليس متاحاً امامها ارسال قوات نخبوية الى الجبهة الجنوبية، وعليه فإن الحزب الذي تمكن من توحيد الجبهة بين الجولان والناقورة سيتمكن من تحقيق مكاسب سياسية لحظة التفاوض.
لكن بالرغم من ذلك، قد تكون خسائر “حزب الله” كبير اذا ما نظر إليها من ناحية استراتيجية، فمن غير المعلوم المصير الفعلي لقطاع غزة حتى لو توقفت الحرب، اي ان القطاع لن يكون قادراً لعشر سنوات على اقل تقدير على الدخول في اي حرب مع اسرائيل ليس لانه بات مردوعاً فقط بل لان لديه اولويات مرتبطة باعادة الاعمار ومعالجة الازمات المعيشية التي ستنتج عن الحرب وبالتالي فإن الجبهة الامامية لمحور المقاومة لم تعد موجودة ليصبح جنوب لبنان هو جبهة المواجهة الفعلية وهذا بحد ذاته ضربة استراتيجية للحزب.
حتى ان خطاب تحرير فلسطين او هزيمة اسرائيل هزيمة كبرى الذي كاد يصبح واقعياً بحسابات القوة، بات اليوم صعب التحقيق بسبب خروج الداخل الفلسطيني من المعادلة لعدة سنوات وحتى الضفة الغربية التي كان يراد لها ان تكون غزة الثانية لم تعد تملك هامشاً كبيراً للمناورة في ظل ما حصل في القطاع، وعليه اصبحت فلسطين سوريا الثانية لناحية عدم القدرة على الدخول في حرب كبرى لاسباب داخلية، من هنا يمكن القول ان انتصار “حزب الله” المرتبط به وبأدائه وبجبهة لبنان لا يعكس انتصاراً شاملاً للمحور الا في حال حصول تطورات غير متوقعة في المفاوضات تحفظ حق الفلسطينيين في غزة وتمكنهم من دون قيود على اعادة الاعمار في وقت قياسي.