هجومُ حركة “فتح” مؤخراً على إيران واتهامها بـ”إحداث الفوضى والفلتان والعبث على السّاحة الداخلية الفلسطينية”، لا يمكن إلّا أن ينعكس على لبنان والجبهة المندلعة على حدوده الجنوبيّة.
عملياً، تعدّ الحركة عنصراً أساسياً على صعيد المخيمات، كما أنّ تعاطيها مع “حزب الله” يُعتبرُ أمراً واقعاً نظراً لوجود مصالح مشتركة في نقاطٍ معينة.. ولكن، هل الهجوم الأخير على إيران سيؤثر على علاقة الطرفين؟ وماذا يعني ذلك بالنسبة لجبهة الجنوب؟
قد يكون هجوم “فتح” على طهران في الوقت الراهن مرتبطاً بمجريات الأحداث ضمن الضفة الغربية، والمخاوف القائمة من اندلاع جبهة جديدة هناك خصوصاً أن هناك مجموعات مسلحة باتت تنشطُ بالتوازي مع جبهة غزة المفتوحة.
ضمنياً، تخشى حركة “فتح” أن يقود التوتر في الضفة إسرائيل إلى اتخاذ خطوات عسكرية كبرى من شأنها أن تفتح مواجهة ملتهبة، ما يساهم في إضعاف السلطة الفلسطينية هناك أو حتى على صعيد غزة في وقتٍ لاحق.
الأمر الأكثر أهمية هو أنّ الكلام الذي وجّهته حركة “فتح” باتجاه إيران، جاءَ تزامناً مع أنشطة مسلحة في مختلف مناطق الضفة، بينما الحدث الأكثر تأثيراً يرتبط بما تم إعلانه عن ضبط أسلحة مُهرّبة مصدرها لبنان، فيما قال جهاز “الشاباك” الإسرائيليّ إن المسؤول الكبير في حركة “فتح” منير المقدح من أبرز المشاركين في عملية التهريب تلك.
المفارقة أن مقدح تكتّم عن الإدلاء بأيّ تصريح بشأن هذه الإتهامات، وتقول معلومات “لبنان24” إنَّ الأخير كلّف مساعديه بالرّد على هذه الإتهامات عبر مشاركة رابطٍ لبيان يتضمن إعلاناً صريحاً بمواصلة المقاومة ضد إسرائيل ضمن الداخل الفلسطيني، من دون التعليق أبداً على فحوى الإتهامات المُساقة ضده بشأن تهريب أسلحة.
إنشقاقات داخل “فتح”؟
السؤال الأكثر طرحاً هنا يرتبط بالتعارض القائم في الملف المطروح، فحركة “فتح” تتهم إيران بتهريب أسلحة إلى الضفة، بينما المقدح، وهو لواء في “فتح” نفسها، منخرط بهذه العمليات بحسب مزاعم الإسرائيليين الذين يقولون إنّ الأخير على تنسيق مع “حزب الله” والحرس الثوري الإيراني لإتمام التهريب.. والسؤال هنا: هل يعتبر المقدح عنصراً منشقاً عن “فتح” في هذا الملف فينسق مع الحزب بمعزل عن قرار قيادته؟ ما هي حقيقة دوره؟ وهل بات في أوساط الحركة تيارات مؤيدة لطهران وأخرى معارضة لها؟
مصادر “فتح” تقول لـ”لبنان24″ إن للمقدح مسؤولية أمنية في الحركة، وبالتالي فإنّه يمثل “فتح” من خلال منصبه ودوره، وتضيف: “إسرائيل تدّعي أن المقدح هو المشارك بتهريب هذه الأسلحة، ولكن ما الإثبات وراء ذلك؟ المعروف أن إيران هي التي تقوم بتهريب تلك الأسلحة إلى خلايا مسلحة في الضفة ولهذا الأمر الكثير من السبل والأساليب”.
ماذا عن العلاقة مع “حزب الله”؟
إتهام “فتح” المُساق ضدّ طهران قد يشمل أيضاً كل أذرع الأخيرة في المنطقة، بما فيها “حزب الله”. هنا، يمكن القول إنّ إتهامات الحركة لإيران بزعزعة إستقرار الضفة قد ينسحب على “حزب الله” الذي بات يلجأ إلى خطة جديدة غير مُعلنة بالتنسيق مع مختلف قوى “محور المقاومة”، هدفها تحريك خلايا مقاتلة ضد إسرائيل في أوساط الضفة الغربية، وبالتالي جعل تلك الجبهة مشتعلة في وجه إسرائيل، حتى وإن كانت وتيرة النيران فيها أقل وطأة من تلك التي تشهدها غزة.
ضمنياً، فإنّ المسار الذي تسلكه حركة “فتح” ضدّ إيران، لا يعني بالضرورة إنقطاع العلاقة بين الحركة والحزب خصوصاً داخل لبنان، وتقول مصادر “فتح” لـ”لبنان24″ إن التنسيق مع الحزب قائم على أكثر من صعيد، خصوصاً حينما يتعلق الأمر بأمن المخيمات في حين أن التوافق على مبدأ مقاومة إسرائيل هو أمرٌ لا مفرّ منه بين الطرفين.
بحسب المصادر، فإنّ اللعب على وتر “زعزعة العلاقات” بين الحزب و “فتح” كان حصل سابقاً خلال إشتباكات عين الحلوة قبل أشهر، وتحديداً حينما قيلَ إن الحزب ساهم إلى حد كبير في حماية ظهر حركة “حماس” من خلال مساندتها بشكل غير علني الإشتباكات التي حصلت ضد “فتح” عبر مجموعات متطرفة أبرزها “جند الشام” و “الشباب المُسلم”.
ورغم كل ما حصل، فإن العلاقة بين الحزب و “فتح” لم تنكسر رغم التعارض الذي كان كبيراً، وبالتالي فإن أي تسوية بين الطرفين داخل لبنان ستبقى محصورة هنا، علماً أن كل ساحة تختلف عن أخرى، ولكل جبهة خصوصيتها.. فمثلما للبنان خصوصيته التي ترعى علاقة الحزب بـ”فتح”، فإن للضفة خصوصيتها وللحركة رأيها الخاص بما يجري هناك بمعزل عن علاقاتها مع الأطراف الأخرى سواء في داخل فلسطين أو خارجها.