قد لا يصدّق عاقل، أنّ عددًا كبيرًا من المدارس الخاصّة، التي تفرض على الأهالي أقساطًا باهضة، تتراوح بين 1000 و4000 دولار وأكثر، تتقاعس عن دفع ما يوازي 10 دولارات فقط عن كلّ تلميذ سنويًّا، لصندوق تعويضات أفراد الهيئة التعليمية في المدارس الخاصة، وفقًا لميثاق الشرف التي وقّعته اتحادات المؤسسات التربوية ونقاباتها من جهة ونقابة المعلمين من جهة ثانية، برعاية وزير التربية القاضي عباس الحلبي في كانون الثاني الماضي، بغية تأمين مبلغ 60 مليار ليرة لبنانية شهريًّا، لتمويل رواتب الأساتذة المتقاعدين. لم تحترم مئات المدارس الخاصّة تواقيعها، وتهرّبت من دفع 900 ألف ليرة لبنانيّة عن كلّ تلميذ، رغم أنّ المبلغ المتواضع مُقسّط على ثلاث دفعات على مدار العام الدراسي، الدفعة الأولى استحقّت في شباط الماضي، الدفعة الثانية تستحقّ منتصف نيسان الحالي كمهلة قصوى، والدفعة الثالثة تستحّق منتصف حزيران المقبل.
أخذت الأموال من الأهالي ولم تدفع للصندوق
عمدت المدارس الخاصة إلى فرض زيادات على الأقساط، خلال العام الدراسي الحالي، بذريعة تمويل صندوق التعويضات، فطلب بعضها من الأهالي دفع 10 دولارات عن كلّ تلميذ، فيما عمدت مدارس أخرى إلى فرض زيادة على القسط بلغت 5 ملايين ليرة، في مخالفة صريحة لتعهّداتها بعدم تحميل أعباء الصندوق لأهالي الطلاب. ورغم تقاضيها المزيد من الأموال من الأهالي، تخلّف عدد كبير منها عن تسديد الأموال المستحقّة للصندوق. وقد بلغ عدد المدارس التي لم تسدّد متوجّباتها 335 مدرسة خاصّة، وفق ما كشف مدير صندوق التعويضات جورج صقر لـ “لبنان 24″، لذلك حُرم الأساتذة المتقاعدون، وعددهم 4000 الآف معلمة ومعلم، من رواتبهم الستّة المضافة لراتب تقاعدهم، عن شهر آذار الماضي، أي في زمن الأعياد، كما أنّ رواتبهم للشهر الحالي مهدّدة بالمصير نفسه.
رسائل وزارة التربية إلى المدارس: أمامكم حتى 15 نيسان
هذا الواقع دفع بنقابة المعلّمين في المدارس الخاصّة إلى التلويح بالإضراب، بالتوازي تداعت وزارة التربية إلى اجتماع عاجل، جمعت المعنيين في القطاع التربوي، واتخذت سلسلة إجراءات، بدءًا بتشكيل خليّة طوارىء، بادرت إلى الاتصال مباشرة بالمدارس غير المسدّدة، وأبلغتها بمهلة السداد التي تنتهي في 15 نيسان الحالي، وهو موعد الدفعة الثانية. وفي حال لم تلتزم المدارس بدفع المستحقات المتوجبة عليها خلال هذه المهلة، سيتخذ الوزير الحلبي بحقّها إجراءات، تبدأ بحجز توقيع مدير المدرسة غير الملتزمة، ووقف كلّ معاملاتها، وصولًا إلى الإعلان عن أسماء تلك المدارس أمام الرأي العام. على أن يُصار إلى اتخاذ تدابير أكثر صرامة في نهاية العام الدراسي، كي لا يتأثّر الطلاب، وفق مصادر وزارة التربية.
مدارس صف أول من بين المتخلّفين عن الدفع
اللافت أنّ من بين المدارس المتخلّفة عن الدفع، أسماء كبيرة تصنّف نفسها في المراتب الأولى، وتتقاضى أقساطًا خياليّة. بالمقابل هناك 56.75% من مجموع المدارس الخاصة غير المجانيّة، قد سدّد الدفعات المطلوبة للمرحلة الأولى، وعدد قليل من هذه النسبة سدّد المبالغ عن العام الدراسي كاملًا، وفق مدير صندوق التعويضات جورج صقر.
وعن رأيه بفعاليّة التدابير التي تتخذها وزارة التربية أجاب صقر “في المرّة السابقة، عمدت مدارس كبيرة إلى تسديد مستحقّاتها عندما هدّد وزير التربية بسحب التواقيع، ثمّ ما لبت أن تراجع مستوى الإلتزام بالدفعات، واليوم نعولّ على الإجراء التي اتخذته الوزارة كنوع من الضغط، لتحفيزهم على الوفاء بالتزاماتهم ضمن البروتوكول الموقّع من قبلهم”.
وعن جدوى توجيه الرسائل التحذيريّة في توقيت عطلة المدارس بمناسبة الأعياد، لفت صقر إلى أنّ المدارس في عطلة، ولكن الإدارة موجودة “وقدّ شكّل الوزير الحلبي خليّة، وكلّف مدير عام الوزارة عماد الأشقر بالتواصل المباشر مع هذه الإدارات بشكل شخصي، وإرسال رسائل تحذيريّة لها، ولن تحول العطلة دون ذلك”.
مصدر تمويل صندوق التعويضات
صندوق التعويضات يتغذّى من مصدرين لا ثالث لهما، يلفت صقر، من الراتب الشهري لأفراد الهيئة التعليمية الداخلين في الملاك بنسبة 6%، ومن مساهمة المدارس بنسبة 6% من مجموع رواتب أفراد الهيئة التعليمة الداخلين في الملاك. وتتولى إدارة كلّ مدرسة على مسؤوليتها اقتطاع المحسومات، ودفعها الى إدارة الصندوق مرّة كل ثلاثة أشهر، وفق أحكام قانون صندوق التعويضات. ولا يوجد أي مصادر تمويليّة أخرى.
التزام المدارس بكل المستحقّات يغطي الرواتب لغاية أيلول
في حال تراجعت المدارس الـ 335 عن خطيئتها، وسّددت كامل التزاماتها ضمن المهل المحدّدة في ميثاق الشرف “نتمّكن من دفع الرواتب الستّة للمتقاعدين عن شهري آذار الماضي ونيسان الحالي” يلفت صقر “كما يتكّون لدينا الاحتياط المطلوب للشهرين التاليين أي أيار وحزيران المقبلين. وفي حال التزمت كلّ المدارس الخاصة بالدفعة الثالثة في منتصف حزيران كحدّ أقصى، نتمكّن عندها من دفع الرواتب لغاية شهر أيلول، بحيث تنتهي في الثلاثين منه صلاحية البروتوكول الموقّع مع المدارس الخاصة، ليصار بعد ذلك إلى تجديده أو تعديله، إمّا يكون قد صدر القانون الخاص بتمويل صندوق التعويضات عن المجلس النيابي، وتصبح مفاعيله إلزامية، فيعتبر البروتوكول حينها بحكم المُلغى”.
نقابة المعلمين: التعويضات في خطر
تعليقًا على أداء المدارس حيال صندوق التعويضات، قالت مصادر نقابة المعلّمين لـ “لبنان 24” أنّها لا تجد حلولًا إلّا “بإعادة إقرار قانوني إعطاء مساعدة مالية بقيمة (650) مليار ليرة لبنانية لحساب صندوق تعويضات، وتنظيم الهيئة التعليمية وموازنة المدارس الخاصة، وإلّا ستكون تعويضات الأساتذة وجنى عمرهم طيلة أربعين عامًا في خطر”. ولفتت مصادر النقابة إلى أنّ صندوق التعويضات على شفير الإفلاس، بحيث لا زال يتقاضى المساهمات وفق القديم، أي بنسبة 6% بحسب راتب المعلم الذي يتراوح بين 900 ألف ليرة و4 ملايين ليرة، في الوقت الذي أصبح فيه الحد الأدنى للأجور 18 مليونًا، كما أنّ مصاريفه التشغيليّة أضحت بقيمة 45% من مداخيله. والمدارس التي عادت تتقاضى أقساطها بالدولار وبمبالغ ضخمة ومرشحة للزيادة بنسب 50% العام المقبل، لا تدفع للصندوق إلّا الفتات.