ألقى العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين.
ومما جاء في خطبته السياسية: “أوصيكم وأوصي نفسي بأن نتابع ما عشناه من أجواء روحية وإيمانية، ومن متابعة لأنفسنا في شهر رمضان، فلا ينتهي كل ذلك بانتهاء شهر رمضان، فنهجر بعده القرآن والدعاء والاستغفار والتواجد في المساجد وصلة الأرحام والجيران والمؤمنين، وإحياء الليل بالصلاة والعبادة، أو الرقابة المشددة على ألسنتنا وأسماعنا وأبصارنا وجوارحنا، وكأن هذه الأعمال خاصة بشهر رمضان فقط! إن شهر رمضان لا ينبغي أن يكون مرحلة من الزمن، بل ينبغي أن ينعكس حضوره على كل الأشهر القادمة ويلقي بظلاله الروحية والإيمانية والتربوية عليها ومتى وعينا معاني هذا الشهر وعشناها، فسنكون في قادم أيامنا أطهر وأنقى وأكثر قدرة على مواجهة التحديات”.
وقال: “البداية من غزة التي أطل عليها عيد الفطر المبارك مخضبا بدماء أبنائها بفعل استمرار العدو الصهيوني في جرائمه فيها من دون أن يأخذ في الاعتبار حرمة يوم العيد وكان اخرها الجريمة التي أودت بحياة ثلة من أبناء واحد من قادة حماس وأحفاده فيها وهو رئيس المكتب السياسي إسماعيل هنية…والتي من الواضح أنها تهدف إلى النيل من إرادة المقاومة ودفعها إلى التنازل في المفاوضات الجارية عن مطالبها المشروعة والإنسانية والتي لا يزال هذا العدو يرفضها فيما يستهدف من وراء المفاوضات إلى تحقيق هدنة موقته للتخفيف من الضغوط التي تمارس عليه من قبل أهالي اسراه لاستعادتهم. وليعود بعدها حسبما تشير إليه تصريحاته العلنية إلى الحرب التي لا يريد لها أن تقف عند حدود ما وصل إليه بل يريد من خلالها الإطباق على غزة ودفع أهلها إلى التهجير”.
أضاف: “في هذا الوقت يستمر العالم في دعمه لهذا الكيان على كل الصعد وهو يقف معه في وجه اي دولة حتى تلك التي تريد ان تدافع عن نفسها أو ترد على الاعتداءات التي تتعرض لها، والذي نشهده اليوم في التهديدات بالحرب من الكيان الصهيوني ضد إيران إن قامت بالرد على الاعتداء الذي استهدف قنصليتها، ما يشير إلى أن هذا الكيان بات في نظر العالم فوق القرارات الدولية والأعراف الدبلوماسية وله الحق في أن يدمر ويقتل ويرتكب المجازر ويمارس سياسة التجويع والاغتيال كما يشاء فيما تفرض العقوبات وتشن الحروب على كل من يريد الحرية لشعبه أو يقف ليدافع عن نفسه أو عن المظلومين في هذا العالم. وان كنا بدأنا نشهد بعض التغيير في مواقف الدول الداعمة بعد تحذيرها لهذا الكيان من الاستمرار بالنهج الذي يسير عليه، ولو كان هذا التحذير لا يجري لحساب أهالي القطاع والشعور بمعاناتهم بل يأتي في سياق محاولات هذه الدول لتبرئة ذمتها من هذه الجرائم ولتحسين صورتها عند شعوبها التي تساند الشعب الفلسطيني وترفع صوتها عبر الاعلام والمسيرات تنديدا بجرائم هذا العدو ولكن لا زلنا ننتظر من دول هذا العالم أفعالا تردع هذا العدو عن الاستمرار بحربه. لذلك لن يكون رهاننا على هذا العالم وما يسمى المجتمع الدولي إنما على صمود الشعب الفلسطيني وصبره ومقاومته… وعلى أولئك الذين شعروا بمظلومية هذا الشعب ومعاناته ولم يخذلوه ممن يقفون معه اليوم ويقدمون لاجل نصرة قضيته التضحيات”.
وتابع: “نصل إلى لبنان الذي لا يزال يعاني من اعتداءات العدو الصهيوني واستباحة قراه فيما يستمر في تهديداته للبنان واللبنانيين والتي لا تقف عند حدود معينة أو طائفة أو موقع بل تشمل الوطن كله وبكل أطيافه ما يدعو اللبنانيين في هذه المرحلة إلى الوحدة لمواجهة الخطر المحدق بهم ومنع كل ما يهدد هذه الوحدة. وعلى هذا الصعيد نتوقف عند التوتر الذي حصل بفعل الجريمة التي طاولت أحد أبناء منطقة جبيل وكادت تتسبب بفتنة داخلية وتعيد الناس إلى أجواء الحرب الاهلية التي لا يزال اللبنانيون يعيشون مرارتها وتداعياتها، وهم اليوم على اعتاب ذكراها في الثالث عشر من نيسان لولا سرعة القوى الأمنية في كشف أسباب هذه الجريمة”.
وقال: “كنا نأمل أن ينتهي الأمر عند هذا الحد وإذا كان من علامات استفهام لا يزال البعض يشير إليها فإننا ندعو أن تتابع عبر القضاء الذي ينبغي أن يبقى هو المرجعية لكشف أي غموض يراه في مسار التحقيق.. من المؤسف أن نشهد من يريد إدخال هذه الجريمة في إطار الصراع السياسي او الطائفي الدائر في البلد من دون أن يعي مخاطر ذلك على صعيد استقرار الوطن الذي يتربص به من يريد اذكاء الفتنة بين اللبنانيين لحسابه وعلى حساب مصالحهم والتي شهدنا بعض مظاهرها في الأيام السابقة. وهنا نقدر كل الأصوات التي دعت إلى إبقاء هذه الجريمة في إطارها القضائي وعدم جعلها بابا للفتنة ليس هناك مصلحة لأي فريق في الوصول إليها”.
أضاف: “هذا البلد هو احوج ما يكون إلى من يبرد العقول والقلوب ويبلسم الجراح ويئد الفتن لا الذي يثير العصبيات والانفعالات ويستحضر الأحقاد والتي إن حصلت سوف تحرق باقي اخضر هذا البلد ويابسه. في هذا السياق نندد مجددا بكل الممارسات التي طاولت النازحين السوريين وندعو ان لا يؤخذ الجميع بجريرة أفراد وندعو الدولة إلى أن تتحمل المسؤولية على هذا الصعيد ومنع الظلم الذي يتعرضون له مع حرصنا وتأكيدنا على ضرورة تنظيم الوجود السوري لمنع حصول ارتكابات كالتي حصلت داعين الدول التي ترعى هذا الوجود إلى القيام بالدور المطلوب منها. ونبقى في الإطار الأمني لنشير إلى خطورة الجريمة التي حصلت في بيت مري والتي أودت بحياة الصراف محمد إبراهيم سرور والتي أشارت إلى مدى الاختراق الصهيوني لهذا الوطن لايقاد الفتنه فيه أو تصفية حساباته مع من يقف في مواجهته ما يدعونا إلى العمل بكل جدية لمواجهة هذا الاختراق بكل تداعياته وان يكون الصوت عاليا في مواجهته والتنبه لمخاطره على كل اللبنانيين والوحدة في التعامل معه”.
وختم: “نستعيد ذكرى استشهاد الشهيد السعيد السيد محمد باقر الصدر وأخته بنت الهدى على يد النظام البائد في العراق. هذه الذكرى التي نستعيد فيها تلك الفاجعة التي ألمت بالعالم الإسلامي، بفقد من ترك بصمات واضحة على صعيد الفكر والفقه والحركة الإسلامية، وفي التصدي للتحديات التي واجهت الإسلام. ونحن نستعيد هذه الذكرى، نعيد التأكيد على الأمة بضرورة الاستهداء بهذا الفكر التجديدي المنفتح والواعي الذي كان الشهيد الصدر أحد أبرز رموزه، والتمسك به، لنقدم الصورة الناصعة عن الإسلام في فكره وعقائده وتشريعاته ومفاهيمه، ونخترق به كل الحواجز الطائفية والمذهبية والعرقية، ليصل إلى كل مكان”.