يحاول حزب الله اتباع تكتيكات عسكرية معينة منذ بداية الحرب، عبر استهداف أهداف حيوية إسرائيلية بالقصف، وتحديدا أبراج المراقبة والتجسس، إضافة إلى المقرات العسكرية والأمنية، والتي لا يمكن للجيش الإسرائيلي الاستغناء عنها في جمع المعلومات قبل شن الهجمات.
فمنذ اليوم الأول لفتح الجبهة الجنوبية دعما للمقاومة في غزة، باشر حزب الله باستهداف كاميرات المراقبة والتجسس على طول الحدود بموازاة الخط الأزرق، بهدف فقء عيون إسرائيل وجعلها كفيفة، وشل قدراتها على المراقبة ورصد المقاتلين وتحركاتهم، وصولا الى ضرب القواعد ولا سيما قاعدة ميرون التي تشكل عينا على كامل منطقة البحر المتوسط لجهة لبنان وسوريا والأردن وتركيا وقبرص وغيرها من المناطق.
وفي هذا السياق، يقول منسق الحكومة اللبنانية السابق لدى قوات الطوارئ الدولية العميد منير شحادة، والخبير العسكري والإستراتيجي العميد إلياس حنا، أن استهداف الأعمدة التي تنتشر على طول الخط الأزرق بين الحدود اللبنانية وفلسطين المحتلة، ابتداء من الناقورة على الساحل وصولا إلى الوزاني؛ تحمل أهمية كبيرة؛ إذ تتضمن تقنيات عالية من التجهيزات الفنية، بما في ذلك كاميرات مراقبة حديثة وذكية.
ويضيف شحادة “يصل ثمن إحدى الكاميرات الذكية إلى مليون ونصف مليون دولار، على سبيل المثال. بالإضافة إلى ذلك، تحتوي على أجهزة مراقبة للتنصت على الاتصالات الهاتفية سواء كانت أرضية أو خلوية، ورادارات تشويش وكاميرات حرارية، إلى جانب أجهزة اتصال تربط هذه الأعمدة بالقاعدة العسكرية في ميرون الموجودة على جبل الجرمق”.
وتعتبر قاعدة ميرون التي صنفتها إسرائيل بالمرتبة الخامسة إستراتيجيا؛ قاعدة تحكم جوي مسؤولة عن الجبهة الشمالية لإسرائيل، ويبلغ ارتفاعها 1200 مترا عن سطح البحر، في أعلى قمة الجرمق. وهي واحدة من قاعدتين أساسيتين في فلسطين المحتلة، والأخرى هي “متسبيه رامون” جنوبا.
ويشرح شحادة، أن قاعدة ميرون مخصصة للتحكم وتسيير العمليات الجوية في الجبهة الشمالية لفلسطين المحتلة، وتتمكن من مراقبة حتى تركيا، قبرص، سوريا، والأردن. كل هذه الجبهات تتحكم فيها هذه القاعدة جويا، أي أنها تدير أي عمليات جوية، سواء كانت طائرات مسيّرة أو حربية، ضمن المهام الموكلة إليها في الجبهة الشمالية.
وأكد شحادة على أهمية استهداف هذه الأبراج وهذه الأعمدة وقاعدة ميرون لفقء عين الاستطلاع الإسرائيلي والمراقبة والتشويش على العمليات الجوية، وهو ما يؤدي إلى إلحاق أضرار كبيرة في صفوف القوات الإسرائيلية، ويفسح المجال أمام حزب الله لتنفيذ هجوم مركب، وأكبر دليل على ذلك عملية عرب العرامشة، حين شن هجوما مركبا بالطائرات الانقضاضية والصواريخ الذكية “الماس وفلق” وألحق بإسرائيل خسائر فادحة
من جانبه، يعتبر الخبير العسكري والإستراتيجي العميد إلياس حنا، أن استهداف أبراج المراقبة الاستخباراتية والتجسسية التي هي بمثابة عين إسرائيل المتقدمة لرصد ومراقبة حزب الله، من الطبيعي أن يمنع إسرائيل من متابعة التحركات بواسطة أجهزة التنصت أو كاميرات التصوير والمراقبة المباشرة، وبالتالي تحديد الأهداف، مشيرا إلى أن “العدو عندما يتأقلم مع الضربات، يعاود حزب الله تغيير أسلوبه مثلما فعل في عرب العرامشة”.
ويضيف “إذا كرر الحزب هذا الأمر واتّبعه، فذلك سيدل على أن لديه إمكانية في تحقيق النجاح بمنع إسرائيل من الوصول للاستخبارات وجمع معلومات، ومن جهة ثانية يكون الحزب هو من درس فعلا كيف تعمل العقيدة العسكرية الإسرائيلية من التنصّت والاستخبارات والاستعلام”.
ونفذ حزب الله على طول الخط الحدودي الممتد من رأس الناقورة وصولا إلى مزارع شبعا، والذي يمتد لنحو 120 كيلومترا، منذ بداية طوفان الأقصى مئات العمليات التي استهدفت جميع الأبراج وأجهزة التجسس. وكانت إسرائيل تعاود تركيبها.
ففي 29 تشرين الأول 2023 أعلن حزب الله أنه استهدف برج الاتصالات في موقع “بركة ريشا” العسكري الإسرائيلي قبالة القطاع الغربي جنوب لبنان. وفي السادس من كانون الثاني 2024 أعلن حزب الله استهدافه للمرة الأولى قاعدة “ميرون” للمراقبة الجوية بـ62 صاروخا من أنواع متعددة أوقع فيها إصابات مباشرة في إطار الرد الأولي على اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس صالح العاروري.
وفي 14 نيسان الجاري استهدف حزب الله التجهيزات التجسسية في موقع الرادار في مزارع شبعا اللبنانية المحتلة، بينما استهدف في 18 من الشهر نفسه رادار “إيه إن/تي إي كيو-37” (AN/TEQ-37) للسطع المدفعي الذي يعمل على كشف المقذوفات والصواريخ وتحديد مصادر النيران في وحدة المراقبة الجوية في قاعدة ميرون.
وفي 21 نيسان الجاري وبعد قيام قوات الاحتلال باستبدال التجهيزات التجسسية المستهدفة في موقع “مسكاف عام”، استهدفها حزب الله؛ وهو ما أدى إلى تدميرها مجددا. وفي اليوم التالي استهدف حزب الله التجهيزات التجسسية مقابل قرية الوزاني.