سوريا.. إعادة النازحين ربطاً بالإمكانات المتاحة

13 مايو 2024
سوريا.. إعادة النازحين ربطاً بالإمكانات المتاحة

ويشير الخبير الاقتصادي أنيس بو دياب إلى أن للنزوح السوري تداعيات اقتصادية عدة، حيث ترك أثاراً مباشرة وغير مباشرة على الاقتصاد اللبناني، وقدرت خسائر الاقتصاد اللبناني المباشرة في العام 2015 بـ مليار و200 مليون، في حين بلغت الخسائر غير المباشرة 3 مليون، فاستضافة لبنان لأكثر من 2 مليون نازح أدت إلى زيادة الطلب على الخدمات الصحية، الكهرباء، والمياه، فضلاً عن الاستهلاك الكبير للموارد الموجودة والبنى التحتية، وإلى إجهاد القطاع الصحي، كل هذه التكاليف كانت الحكومة اللبنانية تساهم بدفعها من خلال الموازنات التي تضعها وهذا كله قبل العام 2019، وخلق كل ذلك عجزاً في الموازنة بلغ6.2 مليار دولار. كما ان السنوات الماضية شهدت استفادة مطلقة للنازحين من الدعم على المواد الغذائية و الخبز والمحروقات التي كانت تهرب الى سوريا، وشهدت أيضاً زيادة في الاقتصاد غير الشرعي، حيث تقدر الضرائب التي لا تدخل إلى الخزينة بحوالي مليار ونصف مليار دولار ، فهناك نحو60 % من الاشخاص الذين لا يدفعون الضرائب، ونصفهم من السوريين الذين افترشوا على جانب الطرقات بسطات وفتحوا محالاً تجارية في ضواحي بيروت وجبل لبنان.

وزير الخارجية عبد الله بو حبيب الذي سيشارك في مؤتمر بروكسل نهاية الشهر الجاري، تحدث في مؤتمر بروكسل في العام 2022 عن دراسة أقامتها منظمة دولية تشير إلى أن تكاليف النزوح على لبنان بلغت حوالي 3 مليارات دولار سنويا أي 33 مليار دولار خلال 11 سنة كما أن هناك ارتفاعا في مستوى البطالة ووضع البنى التحتية إلى أسوأ ونسب الجريمة ترتفع واكثر من الثلث من المسجونين في السجون اللبنانية هم سوريون وعدد الاطفال السوريين الذين يولدون في لبنان اكثر من اللبنانيين. اضافة إلى ذلك نتج عن وجود النازحين السوريين خلل في التوازن الديمغرافي في لبنان وبحسب الدراسة فإن أكثر من 75 في المئة من اللبنانيين تحت خط الفقر.

أما على خط الاستفادة السورية من النازحين، فبحسب منسق العام للحملة الوطنية لاعادة النازحين السوريين النقيب مارون الخولي، تشكل تحويلات السوريين العاملين في لبنان من نازحين غير شرعيين إلى عمال سوريين شرعيين عاملاً أساسياً في دعم الاقتصاد الداخلي لسوريا وتخفيف الأزمات عنها حيث تشكل هذه التحويلات مصدراً أساسياً لدخل العديد من الأسر في سوريا، وتعتبر المورد الدولاري الأهم لحكومة النظام السوري. وبالرغم من القيود والتحديات التي تواجه هذه التحويلات، بما في ذلك التضييقات الرسمية والتحويلات غير الرسمية عبر شركات غير مرخصة، فإن لبنان يعتبر من البلدان القليلة التي تجاوزت تلك التحديات وأن أكثر التحويلات تكون من لبنان والإمارات والعراق.
وحيث أنه لا توجد أية أرقام رسمية عن حجم تحويلات المغتربين السوريين في لبنان إلا أن الكثير من المحللين يؤكدون أنها تتراوح بين 3 إلى أربع ملايين دولار يومياً،وترتفع في الاعياد إلى 7 ملايين دولار في اليوم. وكانت وزيرة الاقتصاد السورية السابقة لمياء عاصي قدرت في نيسان العام 2023 “أن إجمالي الحوالات اليومية الواردة إلى سوريا تصل لنحو 6 ملايين دولار أ ي ما يعادل ملياري دولار سنوياً، واصفة عملية رفع سعر صرف الحوالات بأنه “خطوة سليمة على الطريق الصحيح لأن ذلك يؤدي لتدفق العملات الأجنبية بشكل أكبر”. وانطلاقا من هذا الرقم يقول الخولي لـ”لبنان24، إن التحويل من لبنان قد يستحوذ أقله على 3 ملايين دولار يومياً نسبة لحجم النزوح السوري في لبنان والمقدر بنصف عدد اللاجيئين السوريين في العالم إضافة إلى قدرة لبنان على تجاوز العقوبات الدولية في ايصال تلك التحويلات.

إلى ذلك، يعتبر الباحث السوري في الاقتصاد والعلاقات الدولية عدي سلطان في حديث لـ”لبنان24″ أنه على الرغم من الضغوط التي تمارسها بعض الدول لتسييس ملف عودة النازحين السوريين إلى بلادهم، فإن عودتهم هي أولوية كبيرة بالنسبة لسوريا خاصة وأنهم سيعودون إلى مكانهم الطبيعي ليكونوا مساهمين في التنمية الاقتصادية، والكوادر البشريّة هي أحد مقومات الاقتصاد الستة لنمو الاقتصاد بشكل مستدام، لكن هذه العودة تتطلب العديد من المقومات أبرزها إعادة تأهيل البنى التحتية في القرى والمدن التي سيعودون إليها والتي تضررت بفعل الإرهاب، إضافة إلى توفير كل مقومات الحياة الأساسية والمرافق الخدمية بمختلف أشكالها، وهنا يمكن أن تشكل هذه العودة دافعا كبيراً للاقتصاد، وقد قامت الدولة السورية، بحسب سلطان، بالكثير من الإجراءات التي من شأنها أن تساهم بتأمين الاستقرار للسوريين بعد عودتهم إلى الوطن والعمل جار لتهيئة البيئة اللازمة لعمل المشروعات الصغيرة والمتوسطة في كافة القطاعات الإنتاجية ، وتشجيع إقامتها ودعم عمل مصارف التمويل الأصغر، والتنمية الريفية، في ضوء الإمكانات المتاحة وكل ذلك سيساهم في تأمين عودة سليمة للنازحين السوريين ‏مع متطلبات الاستقرار المعيشي.
وبينما يعتبر سلطان أن معدلات التضخم المرتفعة ليست في سورية فقط وإنما على مستوى العالم، وأسباب ذلك كثيرة منها استمرار تداعيات جائحة كورونا والعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، والكثير من المتغيرات السياسية على الصعيد الدولي، لكن انعكاس هذه ‏الظروف العالمية كان أشد تأثيراً على الاقتصاد السوري بسبب العقوبات الأحادية القسرية التي يفرضها الغرب على الشعب السوري، ناهيك عن التأثيرات المدمرة للحرب التي تعرضت لها.
ويمكن القول، وفق سلطان إن الإنتاج هو الحل لمشكلة أي اقتصاد وإذا ما توفرت متطلبات العودة السليمة للنازحين ‏لكي يكونوا مساهمين في زيادة الإنتاج في القطاعات الاقتصادية فذلك سيشكل حافزا لنمو الاقتصاد السوري وهذا ما تعمل عليه الدولة السورية، مع تشديده على أن هذا الأمر مرتبط بالإمكانات المتاحة، ولذلك فإن الدولة حريصة لتهيئة عودة سليمة لأبنائها، حتى يكون لها تأثير جيد وفاعل على تحسين الإنتاج وسرعة حركة الاقتصاد، وهذا من شأنه الحد من التضخم واستقرار المستوى العام للأسعار، وتحسين المستوى المعيشي للمواطنين.