لو لم يكن الأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصرالله مقتنعًا بجدوى فتح البحر أمام النازحين السوريين ليقتحموا الشواطئ الأوروبية عبر قبرص أو اليونان لما كرّر دعوة الحكومة، مدعومة بقرار سياسي جامع وجريء، إلى اتخاذ مثل هكذا خطوة، وهي الوحيدة، في رأيه، التي ستساهم في إقناع الأوروبيين بتسهيل عودة هؤلاء النازحين إلى سوريا بعد أن تُرفع عنها العقوبات الاقتصادية و”قانون قيصر”.
أمّا ما يقوم به الأمن العام من إجراءات لترحيل عدد محدود منهم فهي خطوات خجولة، ولكنها مشكورة، لن تنهي الأزمة. هذا ما يقوله “سيد المقاومة”، الذي يعطى لهذا الملف أهمية قصوى، لأن خطورته الراهنة والمستقبلية قد تضاهي خطورة ما يأتيه من حدود لبنان الجنوبية.
ومما يُقال إن مواجهة الخطر الإسرائيلي معروفة طرقه الواثقة من إنزال أقصى الخسائر في صفوف جيش العدو، الذي انهكته بالتوازي كل من حرب غزة والحرب غير المعلنة بين شمال وجنوب. أمّا خطر النزوح السوري فهو داهم لأكثر من سبب.
وقد يكون من بين أهمّ هذه الأسباب أن السوريين الذين وصل عددهم إلى ما يقارب نصف عدد اللبنانيين موجودون في كل حي من أحياء المدن والبلدات والقرى اللبنانية، ناهيك عن التجمعات الكبيرة في المخيمات غير المنضبطة وغير المضبوطة، مع ما يسود علاقاتهم مع اللبنانيين، الذين هم على تماس يومي معهم، من توتر قد تصل إلى حدود يُخشى الوصول إليها في يوم من الأيام، وإذا لم تتم معالجة هذه الأزمة بما يتناسب وحجم خطورتها على السوريين واللبنانيين في آن.
فما يخشاه السيد نصرالله يخشاه جميع الذين يعتقدون أن الوصول إلى نقطة اللاعودة قد أصبحت وشيكة. وهذا ما يحذّر منه القادة الأمنيون، الذين يرصدون جيدًا أي حركة غير اعتيادية في سلوكيات النازحين، سواء في المخيمات أو خارجها، فيما تبقى عيون الأجهزة الأمنية شاخصة على “الخلايا الإرهابية النائمة”، والتي قد تستفيد من أي فرصة تراها مؤاتية لتنفيذ ما تراهن عليه لجهة زعزعة الاستقرار الداخلي، الذي سيقود حتمًا، وفق المعطيات المتوافرة لأجهزة “حزب الله” وغيره من الأحزاب اللبنانية، إلى تشابك واشتباكات محتملة مع هذه الخلايا المنظّمة والمسلحة، خصوصًا أن قدرة المواجهة لدى الأجهزة الأمنية متواضعة نسبيًا بالمقارنة مع ما يمكن أن تلجأ إليه هذه الخلايا من أساليب تخريبية.
قد لا يلقى موضوع فتح جبهة الجنوب لمساندة قطاع غزة ومقاومته الصامدة في وجه العدو الإسرائيلي إجماعًا لبنانيًا.
وهذا ما يعرفه “حزب الله” جيدًا، وهو يقدّر ظروف “التيار الوطني الحر”، الذي تماهى مع موقف القوى المعارضة. أمّا في موضوع النزوح السوري وما يشكّله من خطر وجودي، على حدّ تعبير لقائد الجيش العماد جوزاف عون، فإن مَن كان يعارض بالأمس ترحيل السوريين قد أصبح اليوم من بين أكثر المتشدّدين على تنظيم عودة آمنة وسليمة لهم. وهذا هو الاجماع الوطني الذي سيتجّلى اليوم بموقف موحد سيتخذه مجلس النواب بمشاركة مختلف القوى السياسية.
ومن دون هذا الموقف سيبقى لبنان يرزح تحت هذا العبء، الذي لم تعد أكتافه قادرة على تحمّل وزره.
فالعودة الآمنة والسليمة للنازحين السوريين إلى مدنهم وبلداته وقراهم في الداخل السوري لن تتم ما لم يكن الموقف اللبناني الرسمي محصنًا بوحدة وطنية، وذلك من أجل مواجهة الاتحاد الأوروبي والمفوضية الأوروبية وممارسة أقصى أنواع الضغط عليهما، تمهيدًا لإقناعهما بضرورة رفع يدها عن هذا الملف الحسّاس والخطير، والتراجع عن خطوة ممارسة الضغط على لبنان لمنعه من ترحيل السوريين وفق الشروط، التي تراها السلطات اللبنانية ضرورية، وذلك بالتنسيق مع السلطات السورية المعنية أكثر من غيرها بهذه العودة.
وقد يكون ما طرحه السيد نصرالله لجهة فتح البحر أمام النازحين وسيلة من بين وسائل أخرى لممارسة الضغط على الدول الأوروبية.