لفت رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل الى “أن على لبنان كله أن يتضامن مع غزة سواء على المستوى السياسي أو الإنساني”، قائلاً: “نحن مع الدفاع عن لبنان وليس مع تحرير فلسطين على أيدي اللبنانيين ولذلك، تقع على عاتق الفلسطينيين مسؤولية تحرير أرضهم، وأن يكون لهم وطنهم وعاصمته القدس الشرقية لكن ليس من مسؤولية اللبنانيين وحدهم تحمل وحدها هذا العبء الذي يجب أن يتحمله كل العرب”.
وفي مقابلة أجرتها معه صحيفة “Le Point” الفرنسية، وردا على سؤال حول وجود خشية أن يجر “حزب الله” إسرائيل إلى صراع أكبر بكثير، قال باسيل: “هناك خوف طبعا، ولكن حتى الآن، أظهر “حزب الله” بعض الحكمة وضبط النفس في عدم جر البلاد إلى الحرب، وهو يرى أن هذه هي الطريقة التي يدعم بها سكان غزة، لأن إسرائيل تجد نفسها الآن أمام عدة جبهات في اليمن والعراق ولبنان. وبالتالي، فهو يعتبر أنه مع فرض معادلة توازن القوى هذه لا تستطيع إسرائيل القيام بمهاجمة لبنان”.
وعاد باسيل وأكد ردا على “إذا كان فعلا يصدق ذلك، بالقول: إنه “مؤمن بذلك”. وقال :”مع رجل مجنون كرئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، فإنك لا تعرف أبداً. لأنه ينقذ حياته السياسية الشخصية ومصير إسرائيل، وهو يرى، في مكان ما، أنه إذا خسرت بلاده هذه الحرب، فهو سيفشل”.
كما علق باسيل على نزوح مائة ألف شخص من شمال إسرائيل بسبب الحرب، الى أن “ليس لديه مشكلة في مغادرة الإسرائيليين منازلهم لأن اللبنانيين اضطروا إلى القيام بذلك مرات عديدة من قبل ورأوا منازلهم مدمرة. لذلك، ليس هذا الأمر أولوية اللبنانيين عندما يكون لدينا ما بين 400 ألف إلى 500 ألف فلسطيني تركوا منازلهم منذ 75 عاماً”، مؤكدا أن “ما يهمنا هو مصلحة لبنان وهذا يقتضي أن نمتلك قوة داخلية تمنع إسرائيل من الإعتداء علينا في شكل مستمر”.
واعتبر باسيل أن “ربط وقف إطلاق النار في لبنان بالوضع في غزة أمر يعرضنا للخطر، لكن ذلك لا يعني أننا لا نريد إظهار التضامن مع فلسطين، على الإطلاق”، مضيفا: “لكن نظراً لوضعنا الداخلي، ليس لدينا القدرة على خوض الحرب إذا قمنا بأعمال عدائية بأنفسنا”، لافتا الى أنه “لو بدأ حزب الله الحرب فلن نرى كل اللبنانيين يتضامنون معه، خاصة مع كل الناس الذين سيضطرون إلى مغادرة منازلهم في الجنوب”.
ومن ناحية أخرى، إذا شنت إسرائيل الحرب أولا، فسنضطر للدفاع عن أنفسنا”، مؤكداً في الوقت نفسه أننا “مستعدون للقيام بذلك وأنا متأكد من أننا سننتصر في مثل هذا الصراع”.
ورأى باسيل أن “من حق حزب الله أن يخشى التعرض لهجوم من جانب إسرائيل بمجرد أن تنهي من حربها مع الفلسطينيين”، لافتا الى أنه “لو حدث ذلك، فسنكون في حالة دفاع عن النفس، وسينجو لبنان، لأنه يتمتع بقدرة على الصمود لا تضاهى أي دولة أخرى”.
وأوضح: “لكن الضرر سيكون كبيراً للغاية، خاصة وأننا نواجه بالفعل أزمة اقتصادية حادة للغاية”، معتبراً أن “الخوف هو أن يتخذ حزب الله وحده قرار مهاجمة إسرائيل، الأمر الذي سيشكل مشكلة كبيرة، لأن المجتمع الدولي والدول العربية سيتهموننا بعد ذلك بالمسؤولية عن كل الأضرار، وسيرفضون مساعدتنا. وأشك في أن “حزب الله” سيتخذ مثل هذا القرار”.
واضاف: “إذا كنا نتحدث عن حل عالمي يتضمن الانسحاب من الأراضي اللبنانية التي تحتلها إسرائيل، وعودة اللاجئين الفلسطينيين من لبنان، وعودة النازحين السوريين إلى سوريا، وتطبيق قرارات الأمم المتحدة، والمبادرة العربية لعام 2002 المعتمد في بيروت، مع توفير كافة الضمانات اللازمة حتى يكون لبلدنا الحق في الاستثمار في موارده النفطية والغازية والحصول على ضمانات بشأن أمنه، عندها يمكن ان نتحدث عن أكثر بكثير من مجرد إزالة بضعة كيلومترات. وأوضح: “لأنه بمجرد أن تقبل إسرائيل منطق القانون والعدالة هذا، فإن الأمور ستتغير حكماً”، مشددا على أنه “ومن ناحية أخرى، فإن أيَّ حل جزئي مثل وقف إطلاق النار والعودة إلى ما قبل “7 أكتوبر” لا يمكن أنْ يرتكز إلا على قرار الأمم المتحدة رقم 1701 اذ ليس هناك خيار اخر”، مؤكدا أنه “وحتى لو كان هناك انسحاب من جانب حزب الله، فسيكون انسحاباً شكلياً بحتاً، لأن مقاتليه هم من سكان قرى جنوب لبنان والقول إن المقاومة ستسحب صواريخها فوق نهر الليطاني لن يغيّر شيئاً، لأن السلاح قادر على ضرب أي نقطة على الأراضي الإسرائيلية، وبالتالي فإن الحلول الجزئية يمكن أن تحقق قدراً من الهدوء كما حدث بعد حرب عام 2006، لكنها لن تجلب السلام والازدهار أبداً”.
وعن التحالف السياسي بين “التيار الوطني الحر” و”حزب الله”، شدد باسيل على أنه “لم يكن هناك تحالف بالمعنى الحقيقي للكلمة. وكان هناك اتفاق على ثلاثة محاور رئيسية: بناء دولة القانون الذي يتطلب الإصلاحات ومكافحة الفساد؛ شراكة لبنانية – لبنانية، أي تقاسم متساوٍ للمؤسسات بين المسيحيين والمسلمين، وحماية لبنان تحت مظلة استراتيجية دفاعية يتم وضعها من خلال الحوار اللبناني”.
وتابع :”للأسف مسألة بناء الدولة لم تطبّق في شكل صحيح، والشراكة لم تُحترم في نهاية ولاية الرئيس ميشال عون، ولا يجمعنا الآن سوى حماية لبنان، لافتاً إلى أنه “هنا ندعم “حزب الله” لكن ليس هو الحال نفسه بالنسبة لموضوع “وحدة الساحات” بين غزة ولبنان واليمن والعراق لأن ليس بالضرورة في مصلحة لبنان”، مضيفاً: “يمكن أن يحدث ذلك عندما يتعلق الأمر بالقتال ضد داعش في سوريا، ولكن ليس عندما يتعلق الأمر بالتدخل في المشاكل بين اليمن والسعودية لأن لبنان رفض دائماً تدخلات الدول العربية في شؤونه الداخلية، فلماذا يجب أ نتدخل في شؤون هذه الدول؟”
وردا على سؤال حول ما اذا كان التفاهم بين “حزب الله” و”التيار” قائما، أكد أنه لا يزال قائماً بخيط رفيع للغاية”، لافتاً إلى أنه “الآن نجد أنفسنا في حالة حرب، ولذلك من الضروري الحفاظ على الحد الأدنى من التضامن الداخلي”.
وعن سبب عدم دعم سليمان فرنجيه مرشح “حزب الله” للرئاسة، اعتبر باسيل أن “هذا مثال نموذجي على عدم احترام هذه الشراكة”. وقال: “فهل كلف أحد حزب الله بتعيين رئيسنا بمفرده، من دون موافقة شركائه في الوطن على الأقل؟ وعلى حزب الله أن يحترم خياراتنا في هذا الموضوع، خاصة أننا نأخذ في الاعتبار مخاوفه الأمنية ولسنا في موقف يهدف إلى مهاجمة المقاومة”، ومشيرا الى أننا “لا نريد أن يكون لدينا رئيس يستطيع إضعاف لبنان من خلال كونه طرفاً. وما دامت حماية لبنان والمقاومة تهمنا، فعلى حزب الله أن يأخذ بعين الاعتبار حرصنا على بناء الدولة والشراكة اللبنانية – اللبنانية.”
وأكد باسيل أن “حزب الله” لا يحترم جانبه من التفاهم”. وأوضح: “وعندما رشحوا سليمان فرنجية مرشحاً لهم، لم تكن البلاد في حالة حرب. واليوم البلاد في حالة حرب و”حزب الله” يجب أن يكون في وضع يسمح له بأن يقول لشركائه إنه يثق بنا، وأنه يستطيع أن يتفق معنا على شخصية تهتم بهمومنا.”
وأضاف: “لكن ترك الوضع معلقا والانتظار حتى تنتهي الحرب في غزة قبل المضي قدماً هو أمر غير مقبول”، مشددا على أن “الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله أكد عدم الربط بين الحرب مع اسرائيل والانتخابات الرئاسية في لبنان، وهذا جيد جداً. لكن ذلك يجب أن يترجم إلى واقع بانتخاب رئيس، رجل توافق، وليس مرشح وهو طرف لقسم من اللبنانيين على الآخر”.
وعن جلسة 14 حزيران التي كان مرشحا فيها جهاد أزعور وسليمان فرنجية، لفت الى أن “الحق الدستوري لكل نائب أن يحضر جلسة البرلمان أم لا”. وأكد: “أما ما لا يجوز، وهو الخطير، هو أن يفرض علينا وعلى اللبنانيين كافة مرشحاً يخالف التمثيل الشعبي ونتائج الانتخابات الأخيرة”، مضيفا: “جهاد أزعور هو مرشحنا بالفعل، ولكننا لم نقل أنه لن يكون هناك رئيس إذا لم يتم انتخابه”، ومشيرا الى أننا “ندعو الثنائي الشيعي “حزب الله” و”حركة أمل” إلى الحوار معنا للاتفاق على مرشحين آخرين يمكن أن يقبلهم الجميع؛ أو على الأقل بأغلبية أعضاء مجلس النواب اللبناني”.
وعن اذا ما كانت الصيغة التي يعتمدها بعض الغرب بتوصيف “حزب الله” بأنه دولة ضمن الدولة، رأى باسيل أنها “مسؤولية اللبنانيين. أي أنه إذا وافق جميع اللبنانيين، الذين ليسوا من أنصار “حزب الله”، على بناء دولة، فلن يتمكن حزب الله من مقاومتهم”، مضيفا: ” أنا ضد هذه الفكرة القائلة بأن كل مشاكل البلاد هي مسؤولية “حزب الله” وحده، فهذا ليس حقيقياً. وإذا لم يساهم في بناء الدولة اللبنانية، وهو بهذا المعنى مسؤول، فإن حزب الله ليس الطرف الوحيد الذي يتحمل المسؤولية”.
وعما اذا كان “التيار” مسؤولا عن هذا الوضع من خلال تحالفه مع “حزب الله” لسنوات، رفض باسيل هذا الامر، مشددا على أننا ” كنا حلفاء حزب الله للحفاظ على الوحدة الوطنية واسترداد حقوق المسيحيين في الدولة اللبنانية. وأوضح: “لكننا لم نقم من خلال التزاماتنا الوطنية إلا بالوقوف مع حزب الله ضد العدو الإسرائيلي. لم نسلحه، ولم ندفع له أموالاً، ولم نزوده بالمقاتلين”، مؤكدا أن ” حزب الله يدين بقوته إلى الدعم الداخلي الذي يحظى به من شعبه وفي الخارج من إيران، وكذلك من خلال إضفاء الشرعية، من قبل الطبقة السياسية اللبنانية بأكملها، على ترسانة أسلحته، كما ورد في جميع البيانات الوزارية منذ عام 2005″.
وردا على سؤال حول لماذا لا يكون الجيش اللبناني هو الذي يدافع عن البلد؟ لفت باسيل الى أن “السبب يعود الى أنه كان ممنوعاً على الجيش اللبناني أن يكون مسلحاً جيداً”، مشيرا الى أن “جميع حلفاء إسرائيل يرفضون أن يكون الجيش اللبناني قوياً، ويتم التعامل معه وكأنه “شرطة داخلية” في لبنان، ولذلك فهي مسؤولية المجتمع الدولي. وقال: “أذكّركم أن القرار الأممي رقم 425 الصادر عام 1978 الذي لم يسمح للبنانيين عبر الدبلوماسية والقانون الدولي من تحرير أرضهم”، مضيفا: “ولذلك كان علينا أن ننتظر حتى عام 2000 حتى تتمكن المقاومة اللبنانية من استعادة الارض”، مشيرا الى أنه “ولهذا السبب لم يعد اللبنانيون كما العديد من الشعوب العربية لم يعودوا يؤمنوا بالقانون الدولي، ولهذا السبب أيضاً لجأ الفلسطينيون، في حالة من اليأس، إلى “حماس”.
وحول ما اذا كان يستطيع الجيش اللبناني في نهاية المطاف أن يحل محل مقاتلي “حزب الله” في الجنوب، كما نص على ذلك قرار الأمم المتحدة رقم 1701. رأى باسيل أن “الجيش اللبناني، في وضعه الحالي، يستطيع أن يلعب دور المراقب أو الضامن للأمن”، مضيفاً: ” لكن لا يستطيع بأي حال من الأحوال أن يدافع عن لبنان وحده. إذا كان لدينا أفضل جيش وأفضل المقاتلين، فمن الضروري أن نمنحهم الأسلحة المناسبة وهذه هي الضمانات الأمنية التي أتحدث عنها”، مشيرا الى أنه “على الولايات المتحدة، المستعدة لتقديم مليارات الدولارات للجيش الإسرائيلي، أن تفعل الشيء نفسه بالنسبة للبنان، وإلى ان “هناك شيئاً واحداً فقط يمكن أن يضمن أمننا، وهو تكافؤ القوى بين إسرائيل ولبنان”.