كم بلغ عدد المولدات في لبنان؟ تقريرٌ يكشف الكثير عن واقع الكهرباء

20 مايو 2024
كم بلغ عدد المولدات في لبنان؟ تقريرٌ يكشف الكثير عن واقع الكهرباء


كشفت مؤشرات حديثة لوضع الطاقة في 3 دول عربية “سوريا والعراق ولبنان” عن تراجع قياسي في إنتاج الكهرباء، دفع فئات كبيرة من السكان إلى اعتماد مولدات طاقة بديلة، تنتشر اليوم في شوارع وأحياء مدن، لطالما شهد تيار الكهرباء الحكومي فيها انقطاعات مبرمجة، تصل في أحيان كثيرة إلى 20 ساعة في اليوم.

ويقول محللون إنّ الأزمة هي حصيلة عقود من حروب واضطرابات سياسية ناهيك عن الفساد المالي والإداري.

سوريا في المقدمة

 

وسط العاصمة السورية دمشق، تضيء عشرات مولدات الطاقة الكهربائية “ديزل وبنزين” محلات باعة الألبسة وصناع الغذاء، داخل أسواق اعتادت العمل حتى ساعة متأخرة من الليل.

ويتكرر المشهد في مناطق أخرى، مثل “المزة وكفرسوسة” غرب العاصمة، حيث العمارات السكنية الحديثة التي تضيء نوافذها بنور خافت.

أغلب السكان يعتمدون اليوم على مولدات كهرباء صغيرة أو مركزية، توصف بكهرباء الأمبيرات، لسد النقص الكبير في كهرباء الحكومة، التي طالما خضعت لتقنين مبرمج أفسد عليهم حياتهم.

وتشير تقارير رسمية إلى أن إنتاج محطات التوليد القائمة في الوقت الراهن لا يزيد على 1800 ميغاوات، نتيجة تراجع وارداتها التشغيلية من مادتي الغاز والفيول.

وتراجعت واردات الأخير من 15 ألف طن إلى 1200 طن، كما انخفضت وارداتها من الغاز من 20 مليون متر مكعب إلى 8 ملايين متر في اليوم، مما حال دون أية زيادة مفترضة لتلبية طلب تقدره وزارة الكهرباء بنحو 7.5 آلاف ميغاوات.

وتتعرض سوريا لأزمة وقود حادة منذ أن سيطرت قوات سوريا الديمقراطية على حقول النفط الرئيسية في منطقتي دير الزور والحسكة شمال شرقي البلاد.

ورغم أن دمشق كانت تستورد من إيران -حليفتها الرئيسية- حاجتها من النفط الخام، فإن طهران قلصت مؤخرا إمداداتها، عشية رفعها سعر برميل النفط إلى الضعف، وطلبها تسديد قيمة ما تصدره نقدا، على خلفية ضغوط اقتصادية تعاني منها بسبب العقوبات الغربية.

وأدى تواصل الصراع العسكري بين الحكومة السورية والمعارضة السورية واضطراب الوضع السياسي في عموم البلاد منذ عام 2011، إلى تدهور نفقات الحكومة السورية على الصعيد الخدمي، بما في ذلك إعادة تأهيل البنى المتضررة، وصيانة محطات توليد الطاقة التي تعمل حاليا بشكل جزئي.

وكان من شأن ذلك، إلى جانب النقص المتكرر والحاد، في إمدادات الوقود الأحفوري لعملية التشغيل، أن ينخفض إنتاج توليد الكهرباء على التوالي من 5800 ميغاوات في عام 2010 إلى 4 آلاف ميغاوات في عام 2018، ثم 2000 ميغاوات في عام 2021 فـ 1800 ميغاوات في عام 2023.

ثروات ضائعة

باستثناء لبنان، تمتلك سوريا والعراق، احتياطيا نفطيا يزيد عن حاجتهما الوطنية. ففي حين تعتبر سوريا من الدول المتوسطة في إنتاجه، حيث بلغ إنتاجها في عام 2010 نحو 385 ألف برميل في اليوم، يتصدر العراق أعضاء منظمة الدول المصدرة للنفط “أوبك”، ويبلغ متوسط إنتاجه وفق وزير النفط العراقي حيان عبد الغني نحو4.23 ملايين برميل في اليوم.

ونظراً لخروج 90% إلى 95% من الحقول المنتجة للنفط عن سيطرة الحكومة السورية، بحسب وزير النفط السوري فراس قدور، تستورد سوريا احتياجاتها من الغاز والديزل لتشغيل محطات توليد الكهرباء القائمة من حليفها الإيراني، وهو المصدر ذاته الذي يعتمد العراق عليه في وارداته من الغاز، حيث يستورد نحو ثلث حاجته من جارته إيران.

وينتج العراق -بحسب مسؤولين محليين- 19 ألف ميغاوات من الطاقة الكهربائية، بينما يحتاج فعليا إلى 30 ألف ميغاوات.

وأسهم هذا العجز في اعتماد السكان أيضا على المولدات الخاصة، وازداد أكثر عندما أوقفت إيران تزويده بالطاقة، لديون مستحقة تفوق 6 مليارات دولار.

فساد يعيق ديمومة الكهرباء

 

يتقاسم لبنان مع سوريا والعراق معضلة عدم توفر مشتقات النفط، لتشغيل محطات توليد الكهرباء في البلاد، كما يتشاركان في مسببات المعضلة، أو في أجزاء منها، كالفساد مثلا، الذي يستشري داخل السلطة ومنظومة السياسة وأطقم الإدارات العامة.

ويلقي العجز الكهربائي بثقله على حياة الناس في مختلف مناطق لبنان، ويعاني سكان العاصمة بيروت من انقطاع التيار العام لساعات طويلة، على غرار طرابلس في الشمال وصيدا في الجنوب.

باستثناء سوريا التي لا يوفر نظامها أي إحصاء رسمي لعدد المولدات المنتشرة في مختلف مدنها، يقدر خبراء وجود ما بين 33 ألفا و37 ألف مولد كهربائي في لبنان، بينما يكشف آخر مسح أجرته وزارة التخطيط العراقية، وجود نحو 48 ألفا و533 مولدا في جميع محافظات العراق.

مخاطر مشتركة

 

لطالما كان انتشار الملوثات في صلب المخاطر التي تواجهها البيئة على مدى عقود.

وتتفق تقارير منظمات دولية على أن تيار الإنارة الذي تنتجه مولدات الطاقة المحلية، ليس بلا ثمن، خاصة أن نسبة كبيرة منها تم استيرادها من أسواق الخردة العالمية -وفق وزارة البيئة العراقية- ومن مصادر صناعية غير موثوقة، أو أعيد تأهيلها، مما يعني بحسب خبراء البيئة افتقارها لكثير من معايير السلامة والتجهيز الصحيح.

ويتسبب حرق الديزل والبنزين اللذين يستخدمان عادة لتشغيلها، في إطلاق ملوثات خطيرة، مثل جسيمات PM2.5 وثاني أكسيد الكبريت، وأكاسيد النيتروجين، إضافة إلى المعادن الثقيلة.

وتعتبر الجسيمات الدقيقة من أبرز ملوثات الهواء، وهي عبارة عن جسيمات صغيرة جدا، يبلغ قطرها أقل من 2.5 ميكرون، وهي من أكثر الملوثات ضررا.

وتصنف منظمة “آي كيو إير” سوريا والعراق، على هذا الصعيد، ضمن 20 دولة هي الأكثر تلوثا على مستوى العالم.

ووجدت شبكة “غرين بيس” في تقييمها الأثر الصحي والتكلفة الاقتصادية لاعتماد بلدان الشرق الأوسط على الوقود الأحفوري، أن متوسط عدد الوفيات المبكرة في لبنان نتيجة تلوث الهواء بسبب احتراق الوقود الأحفوري بلغ 2700 حالة في 2018، وهي أعلى نسبة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

وتشير الشبكة إلى أن التلوث الحاصل في الهواء له علاقة مباشرة بزيادة الإصابة بأمراض القلب الإفقاري والانسداد الرئوي المزمن وسرطان الرئة والسكتة الدماغية.

كذلك، تمثل نسبة انبعاث أكاسيد الكربون من توليد الطاقة الكهربائية وحرق الغاز الطبيعي أثناء الاستخراج النفطي في العراق نحو 60% من مجمل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وفق تقرير للبنك الدولي، أي أنها تبلغ حوالي 108 ملايين طن سنويا.

بالمقابل، يستغرب محللون تأخر الدول العربية الثلاث في الاستثمار بمصادر الطاقة المتجددة، للاستغناء عن الوقود الاحفوري، رغم أن خبراء الطاقة يؤكدون على سبيل المثال، أن موارد لبنان من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح يمكن أن تنتج كهرباء تفوق احتياجات البلاد عدة مرات، بينما تبلغ حصة الطاقة المتجددة من إجمالي إنتاجها الحالي نحو 7.83% فقط.

وأجمعت عينة تتألف من 1209 عائلات لبنانية خضعت لمسح أسري، أجرته منظمة هيومن رايتس ووتش، كانت تعيش في المنزل ذاته منذ عام 2019، على أنه في الفترة ما بين تشرين الثاني 2021 وكانون الثاني 2022 لم تحصل الأسرة على الكهرباء الحكومية إلا بنسبة 10% من اليوم، أي بمعدل ساعتين لكل أسرة، وهو المعدل ذاته في كل أنحاء البلاد.

كما أظهر المسح وجود تفاوت كبير بين مستويات الدخل عند الأسرة المتوسطة التي سددت فواتير مولدات الكهرباء المحلية بقيمة 44% من دخلها الشهري.

وعائلات الشريحة الخمسية الدنيا، التي استهلكت فواتيرها في المتوسط نحو 88% من دخلها الشهري، مقارنة بـ21 % من دخل الشريحة الخمسية العليا.

ويرى مراقبون أن لجوء السكان لمولدات الديزل والبنزين أو للشبكات الجماعية الخاصة، في مختلف مناطق لبنان، رغم ارتفاع تكلفة الاشتراك بها، وشدة مخاطرها على البيئة، استطاع “نوعا ما” أن يسد فجوة التغذية عند انقطاع التيار الكهربائي العام، غير أن هذه الخدمة متاحة فقط لمن يستطيع تحمل كلفتها. (الجزيرة نت)