يكرر عارفون بالحياة السياسية اللبنانية مقولة أن النائب السابق وليد جنبلاط لديه قدرة كبيرة على قراءة التحولات في المنطقة والعالم والتعايش معها، ويقال أنه قرأ تبدل المزاج الدولي ضدّ سوريا منذ ما قبل العام 2005 وقام بتحول سياسي حينها بناءً على قراءة شاملة للمشهد الذي كان أبرز معالمه الإجتياح الاميركي للعراق وأفغانستان وقانون محاسبة سوريا وغيرها، وعليه إنتقل جنبلاط من ضفة حلفاء سوريا إلى أحد أبرز خصومها وإستمر في هذا الخلاف حتى الأمس القريب مع تحولات آنية يجريها هنا وهناك.
منذ سنوات عدّل جنبلاط من حدّة خطابه ضدّ خصومه لكنه بقي إلى حد بعيد إلى جانب حلفائه السابقين في “قوى الرابع عشر من آذار”، يتحالف معهم في الاستحقاقات الاساسية ويمارس خطاباً سياسياً قريباً لخطابهم، وهذا الامر لم يمنعه من فض الإشتباك مع “حزب الله” وبدء عملية تنسيق كبيرة معه، الا ان التحول الكبير الذي أظهره الرئيس السابق للحزب “التقدمي الإشتراكي” بدأ مع إندلاع معركة “طوفان الأقصى” إذ عمل على دعم الحزب إعلامياً وسياسياً وتجاوب الحزب معه في مسألة الحذر من اشعال الجبهة بشكل شامل.
تقول مصادر مطلعة ان جنبلاط قام عمليا بإعادة تموضع حقيقية للمرة الأولى منذ سنوات، لأن التبدل في خطابه طال مسألة اساسية كانت تشكل العمود الفقري للخطاب الاعلامي ل”قوى الرابع عشر من اذار” ومن بينهم جنبلاط، ألا وهي سلاح “حزب الله”، اذ بات جنبلاط مؤيداً وإن بحذر لسلاح الحزب وحراكه العسكري الحاصل حالياً ضمن حدود جبهات الدعم. وللمفارقة فإن موقف جنبلاط الإيجابي من الحزب لم يعلنه بعض حلفاء الحزب مثل “التيار الوطني الحرّ” ورئيسه جبران باسيل الذي يستمر في مهاجمة “جبهة الجنوب” وقرار فتحها حتى اليوم..
وتشير المصادر أن جنبلاط اليوم يواكب سياسياً التطورات في المنطقة ويرى أن الإمارات العربية تفتح ابواب التنسيق، وليس فقط التواصل مع “حزب الله”، كما يرى أن النظام في سوريا يفتح ابوابه للإنفتاح الخليجي وحتى الغربي عليه، لذا فإن التبدلات في الموقف الجنبلاطي ليست مرتبطة حصراً بالواقع اللبناني بل بحجم التحول الحاصل في المنطقة في ظل الإشتباك العسكري الهائل الذي قد ينتج عنه تغيير في الخريطة السياسية والتحالفات الإقليمية، كما أنه لا يغفل عن جنبلاط، بناء على تجاربه السابقة، حجم الإيجابية الإيرانية الأميركية المسيطرة على المشهد.
وترى المصادر أن تصدر النائب السابق وليد جنبلاط للمشهد الإشتراكي مجدداً بعد أن كان قد سلّم القيادة لنجله تيمور يهدف إلى القيام بإعادة التموضع بسلاسة نسبية، خصوصاً أن الأداء السياسي لتيمور في المرحلة التي تصدّى فيها للتحديات الداخلية أظهره كمن يميل إلى “قوى الرابع عشر من اذار”، وهذا ما لا يريده جنبلاط لأسباب كثيرة. وعليه فقد يكون ضبط حركة تيمور مسار سيطول لأن التسوية الشاملة التي يرى جنبلاط مؤشراتها ستطول ولن تتم صياغتها خلال اشهر قليلة.
لم يكن هجوم جنبلاط على “نواب التغيير” بسبب اللقاء الذي عقدوه مع مستشار الرئيس الاميركي آموش هوكشتاين الا تظهيرا بسيطا للموقع الجنبلاطي الجديد، ليبقى السؤال، هل سيتماهى جنبلاط مع “قوى الثامن من اذار” في القضايا الداخلية كما الاستراتيجية؟ وما مدى سرعة التحول الذي قد يقوم به في الداخل؟ وهل سيدعم مرشح “حزب الله” الرئاسي، خصوصاً أن دعمه سيشكل نقلة نوعية في قدرة رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية على الوصول إلى الرئاسة؟