إستطاع الرئيس نجيب ميقاتي من خلال رئاسته لمجلس الوزراء أن يعيد التوازن الى السلطة عبر بثّ الحياة الى الحضور السنّي في ظل غياب التيار الاكثر تمثيلاً في الشارع، أي تيار “المستقبل” ورئيسه سعد الحريري، وسحب من يدّ عهد الرئيس ميشال عون ورقة الإستحواذ على كل الصلاحية التنفيذية في البلد، وهذا بحدّ ذاته منع تراجع الحضور السياسي للسنّة ومكنهم من التعايش مع المرحلة بإنتظار حصول تحولات حقيقية في المشهد الداخلي والاقليمي…
في ظل الحديث عن اقتراب التسوية السياسية في المنطقة، أقله بعد الحرب المندلعة حالياً، بات الحديث عن حضور الطوائف ونفوذها وحصصها الأكثر تداولاً في لبنان، اذ ان القوى السياسية التي تمثل طوائفها باتت تحضر الأرضية لزيادة مكتسباتها الدستورية على اعتبار ان الحلّ المقبل سيتضمن اعادة توزيع الادوار في الداخل اللبناني بناءً على التوازنات الجديدة التي يفرضها الميدان. لذلك فإن الاسئلة تتركز اليوم حول كيفية تطور حضور “حزب الله” في السلطة اولاً، وثانيا عن المستقبل السياسي للمسيحيين وثالثاً هل سيعود السنّة الى نفوذهم السابق…
تظهر القوى والشخصيات السنيّة إرتياحاً كبيراً لما هو آت، اذ ان القلق الذي سيطر على الجمهور السنّي منذ العام 2005 إختفى اليوم لعدة أسباب اهمها تبدل الواقع الاقليمي، اذ أصبح السنّة بعد “طوفان الأقصى” لاعباً إقليمياً حقيقياً بالتوازي مع مساعي المملكة العربية السعودية لتصفير مشاكلها مع جيرانها، وهذا ما سيساعدها على استعادة حضورها ونفوذها في مختلف الدول في المنطقة، لا بل ان الأهم هو ان الرياض ستكون حاجة لمعظم دول الاقليم.
وبحسب مصادر مطلعة فإنه، اضافة الى رغبة السعودية بإستعادة دورها، فإن دولا عدة تريد للسعودية ان تستعيد هذا الدور ومن هذه الدول لبنان، اذ باتت الرياض ضرورة للاستقرار الاقتصادي والسياسي في بلاد الارز. لذلك فإن اي تسوية او حتى اي مفاوضات ستحصل بشأن لبنان بين المعنيين، ستكون الرياض جزءا منها وهذا يعطي ضمانة حاسمة للقوى السنيّة في لبنان بأن التسوية ستمر عبرهم ولا يمكن ان يصبحوا خارج المشهد .
وترى المصادر ان التسوية ستلبي للسنّة حاجتهم السياسية في لبنان، اذ ان الحضور السعودي المتوقع في المرحلة المقبلة سيساهم في عودة النفوذ السياسي للقوى السنيّة، لا بل ان احد اهم شروط الاستقرار السياسي والامني والدستوري في لبنان هو ان يكون القطب الاسلامي الثاني، غير الشيعة، قادرا على احداث توازن نوعي في لبنان، والا فإن صمود القوى السياسية المعارضة لـ”حزب الله” سيصبح صعباً وغير واقعي.
وتشير المصادر الى ان تراجع حدة الخلاف السنّي الشيعي في المنطقة ككل، سيزيد من امكانية تعزيز الواقع السنّي وترميم حضوره في لبنان وداخل مؤسساته الدستورية، لان القلق المستمر من عرقلة “حزب الله” تحديدا لاي تسوية سياسية مقبلة سيصبح معدوماً وسيتبدد، وفي هذه الحالة سيكون النواب السنّة والكتل النيابية السنيّة مدخلا إلزاميا بإتجاه عقد تسويات محدودة مع خصوم الامس وحلفاء اليوم وفرض شروط شاملة واستغلال نقاط القوة للعودة عمليا الى صلب النظام اللبناني.