مساعي الحوار تصطدم بـفيتو جعجع.. هكذا تفهم القوات التشاور!

8 يونيو 2024
مساعي الحوار تصطدم بـفيتو جعجع.. هكذا تفهم القوات التشاور!


لا تتوقف المبادرات على خطّ استحقاق رئاسة الجمهورية، لكنّها تتقاطع بمجملها عند العناوين نفسها، وتفضي إلى “الخيبة” نفسها أيضًا، إن جاز التعبير، “خيبة” تشبه ذلك الانطباع الذي تولّد لدى المبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان في ختام زيارته إلى بيروت، والذي سبقه إليه الكثيرون، من “سفراء الخماسية” الذين فشلوا في تقريب وجهات النظر، إلى نواب كتلة “الاعتدال”، الذين اعتقدوا أنّهم قادرون على إحداث “الخرق”.

Advertisement

 
ومع طيّ صفحة مبادرة “الاعتدال”، ولو من دون إغلاقها بالشمع الأحمر، ومغادرة لودريان عائدًا إلى بلاده، من دون أي أفكار جدّية، انتقلت الكرة إلى “الحزب التقدمي الاشتراكي” الذي تحرّك عبر كتلة “اللقاء الديمقراطي” ليستكمل ما بدأه غيره، مسنودًا بحراك إقليمي تقوده دولة قطر، التي يبدو أنّها لم “تستسلم”، بخلاف نظرائها في “الخماسية”، ولا تزال تجهد، خلف الكواليس، من أجل التوصّل إلى تفاهم ما، يتيح إحراز بعض التقدّم.
 
لكنّ المبادرة “الجنبلاطية” التي تفاعلت في الأوساط السياسية هذا الأسبوع، كما الجهود القطرية التي نشطت من جديد، عبر استقبال الدوحة لوفود لبنانية متنوّعة، تبدو أقرب إلى “الحركة بلا بركة”، باعتبار أنّ لا رهانات كبرى على قدرتها على إحداث “خرق”، الأمر الذي يردّه البعض إلى “الفيتو” الذي تضعه “القوات” على مبدأ الحوار،في مقابل تمسّك خصومها به كمدخَل “إلزامي” للحلّ، فهل من “مَخرَج” من هذا المأزق؟ وكيف تقرأ “القوات” حركة المبادرات؟
 
مسؤولية “القوات”
 
ليس خافيًا على أحد أنّ “القوات” باتت في قفص الاتهام بعرقلة كلّ المبادرات والوساطات الهادفة إلى انتخاب رئيس الجمهورية، وذلك لسبب “تصلّبها” في الموقف الرافض لكلّ أشكال الحوار والتشاور، بخلاف “الليونة” التي يبديها أطراف آخرون، سواء على المستوى المسيحي، كـ”التيار الوطني الحر”، أو حتى في صلب جناح المعارضة، على غرار “الكتائب”، التي قيل إنّها لم تعارض الحوار بالمطلَق خلال لقائها مع المبعوث الرئاسي الفرنسي.
 
لكنّ “القوات” تضع كلّ الاتهامات التي تُوجَّه إليها في الإطار، في خانة “الأخبار التضليلية”، أو حتى “المزيّفة”، وهي الرائجة اليوم ضمن ما بات يصطلح على تسميته بالـ”Fake News”، حيث تشدّد أوساطها على أنّ “القوات” لم تكن يومًا ضدّ التشاور، إذا ما راعى الأصول والقوانين، والأمثلة على ذلك كثيرة في الماضي القريب وليس البعيد، كما حصل مثلاً في موضوع التمديد لقائد الجيش، يوم كانت أول من دعا إلى “تعميم” التجربة، لتشمل موضوع الرئاسة.
 
لكنّ المشكلة، بحسب ما تقول أوساط “القوات”، تكمن في موقف الطرف الآخر الذي “يستسهل” اتهامها بما يمارسه من تعطيل للاستحقاق منذ اليوم الأول، عبر رفعه شعار “مرشحي أو لا أحد”، وتلفت هذه الأوساط إلى أنّ آخر ما يمكن أن يقتنع به اللبنانيون هو أن يصبح الفريق المتمسّك بالدستور، والداعي لاحترامه والتقيّد به، هو المعرقل، والفريق الذي يشرّع لنفسه تعطيل نصاب الجلسات، ويحوّل المقاطعة إلى “وسيلة ديمقراطية”، هو الحريص على الانتخاب.
 
الحوار الذي تريده “القوات”
 
يصطدم المنطق الذي تعبّر عنه “القوات” بحقيقة أنّ كلّ المبادرات الداخلية والخارجية التي طُرِحت منذ اليوم الأول في ملف رئاسة الجمهورية، تقوم على مبدأ شبه وحيد وهو “الحوار أو التشاور”، الذي بات الجميع يدرك أنّ لا إمكانية لإنجاز الاستحقاق الرئاسي من دونه، وأنّ “القوات” هي التي ترفع “الفيتو” في وجهه، مقابل “حماسة” له من قبل الفريق الآخر، ما يصوّر “القوات” عمليًا على أنّها من “تفرمل” هذه المبادرات، بالحد الأدنى، وتمنع إحراز أيّ تقدّم.
 
لكنّ أوساط “القوات” تصرّ على أنّ مثل هذه المقاربة غير مقبولة بالشكل والمضمون، فـ”القوات” ليست ضدّ الحوار والتشاور بالمُطلَق، وسبق أن أبدت انفتاحها الكامل على الصيغة التشاورية التي طرحتها كتلة “الاعتدال” في مبادرتها الأصليّة، قبل أن تتمّ مصادرتها وإفراغها من مضمونها، لكنّ ما ترفضه هو الحوار بصيغته التقليدية التي جُرّبت مرارًا وتكرارًا، تمامًا كما ترفض محاولة رئيس مجلس النواب “مصادرة” دور الرئاسة الأولى من خلاله.
 
لكن، إذا كان هذا هو الواقع، فأيّ حوار أو تشاور تريد “القوات”، ولماذا لا تتجاوز مثل هذه “الشكليات” من أجل الوصول إلى جلسة الانتخاب التي تقول إنّها تنشدها؟ تجيب أوساط “القوات” أنّ التشاور المطلوب، ليس قواتيًا بل وطنيًا، هو ذلك الذي يحترم الدستور، ولا يهمّش الطابع الانتخابي لاستحقاق الرئاسة، فيكون داخل مجلس النواب، وعلى هامش جلسة الانتخاب، ولا يتحوّل إلى “شرط” لالتئام جلسة الانتخاب، في “بدعة” قانونية ودستورية غير مسبوقة.
 
هكذا، يبدو أن الأمور لا تزال عالقة في “عنق الزجاجة” نفسه، إن جاز التعبير، وهو الذي لم تستطع إخراجها منه كلّ المبادرات والوساطات، باختلاف القيّمين عليها، على المستوى الداخلي والخارجي. أما المفارقة فتكمن في أنّ “عنق الزجاجة” هذا لا يبدو “مُحرِجًا” للطرفَين المتنازعَين، اللذين لا يتعبان من ممارسة لعبة “تقاذف كرة المسؤولية”، ما يضعهما برأي الكثيرين، في خانة “التعطيل” نفسها، بالتكافل والتضامن، ولو تفاوتت الأدوار!