منذ أشهر أعاد الحزب “التقدمي الإشتراكي” تموضعه السياسي في لبنان بعد سنوات طويلة من الوقوف في خندق “قوى الرابع عشر من آذار”، وحتى عندما تمايز النائب السابق وليد جنبلاط عن هذه القوى في أكثر من محطة بقي قريبا جداً منها في الخطاب العام، وحتى في الكثير من التفاصيل، وعليه، يمكن القول أنها المرّة الاولى التي يصبح فيها الإشتراكي في موقع مختلف كلياً عن تموضع قوى المعارضة وأطراف “الرابع عشر من آذار”. لذلك فإن قراءة خطابه الجديد وأي حراك داخلي يقوم به يجب أن ينطلق من زوايا مختلفة.
بات الحزب “الإشتراكي” اليوم قريباً من “حزب الله” هذا ما يمكن إستنتاجه من تصريحات جنبلاط الاخيرة، اذ ان الرجل بات يطلق مواقف متطابقة إستراتيجياً مع خطاب الحزب، حتى أن تقدم جنبلاط الاب على دور النائب تيمور جنبلاط يمكن فهمه من زاوية عدم رغبة وليد جنبلاط البقاء في صفوف المعارضة التي يفضلها نجله تيمور، وعليه فإن قرار جنبلاط بات حاسماً، كما تُظهر المؤشرات، بتغيير موقعه السياسي وإن أخذ صفة الحيادية والوسطية غير أنه، وفي ابسط الاحوال، باتت أقرب إلى “حزب الله” منها إلى خصومه.
يعرف جنبلاط قيمة كتلته النيابية، فقد إستعاد الرجل خلال الإنتخابات النيابية الأخيرة ميزة “بيضة القبان” التي أشتهر بها في السابق، وبسبب التوازنات النيابية الحالية بات استقطاب جنبلاط وكتلته لهذا الفريق او ذاك أمراً في غاية الأهمية ويبدل التوازنات، من هنا اصبح جنبلاط يمتلك ورقة قوية تجعل كل الاطراف تطلب وده السياسي الامر الذي سيزيد من نفوذه وقدرته على تقديم الإقتراحات والمبادرات بهدف التسوية وهذا ما يحدث حالياً من خلال الجولة التي يقوم بها “الاشتراكي” برئاسة النائب تيمور جنبلاط.
يرغب جنبلاط في اثبات قدرته على التعامل مع القوى السياسية كافة، وهذا الامر يتيح له لعب أدوار اوسع في الداخل اللبناني خصوصاً أن المنطقة ككل مقبلة على تسويات، وإن في المدى المتوسط، وعليه يكون جنبلاط قد أسس للمرحلة المقبلة التي يتمكن من خلالها من الحفاظ على حصته ونفوذه الداخلي بإجماع الأطراف ولا تصبح التسوية عندها على حسابه او في احسن الاحوال لا تهمش دوره لصالح القوى الاساسية في البلد والتي تتنافس بشكل عنيف وسيكون تقسيم النفوذ في ما بينها…
من هنا يمكن فهم التحرك السياسي للحزب الاشتراكي والظهور العلني المتكرر لوليد جنبلاط، خصوصاً أن الرجل يريد أن يضمن عدم محاربة “حزب الله” له في المرحلة المقبلة، وهذا ما قد يترجم بشكل مباشر خلال الانتخابات النيابية المقبلة او حتى في الاستحقاقات المرتبطة بتشكيل الحكومة والحصص داخلها والتعيينات الادارية وغيرها من القضايا التي يعتبرها جنبلاط جزءا من امانه السياسي ضمن الصيغة الحالية، وعليه سيستمر جنبلاط بإثبات قدرته على المبادرة والحوار من دون ان يخفي تموضعه الجديد.
وبالرغم من كل هذا المستجد في الموقف الإشتراكي، تستمر القوى المعارضة لـ “حزب الله” بالتعامل إيجابياً معه، لعدة اسباب اولها قدرة جنبلاط التأثيرية في الداخل اللبناني بسبب كتلته النيابية وحجمها، وقدرته على التأثير ايضاً في اي استحقاق نيابي مقبل، اضافة الى القبول الكبير له من دول اساسية مثل السعودية وفرنسا وحتى الولايات المتحدة الاميركية. هكذا سيستمر واقع النائب السابق وليد جنبلاط خلال المرحلة المقبلة من دون ان يستطيع اي طرف تخطيه..