نصر الله يكمّل رسائل الهدهد.. حزب الله يقود الحرب النفسية!

21 يونيو 2024
نصر الله يكمّل رسائل الهدهد.. حزب الله يقود الحرب النفسية!

لم تنقضِ أربع وعشرون ساعة على فيديو “الهدهد” بدقائقه التسع، الذي نشره الإعلام الحربي في “حزب الله” يوم الثلاثاء، حتى أطلّ الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله في كلمةٍ قد تكون “الأشمل” بما يتعلق بالجبهة اللبنانية، منذ اندلاع المعارك بين “حزب الله” والجيش الإسرائيلي في الثامن من تشرين الأول الماضي، ليكمّل الرسائل التي أطلق “الهدهد” باكورتها، في إطار “الحرب النفسية” التي يبدو أنّ الحزب هو الذي يقودها في هذه المرحلة.

في هذا السياق، تتعدّد الرسائل التي اختار الأمين العام لـ”حزب الله” أن يوجّهها من خلال خطابه، منها ما يتعلق بمهمّة “الهدهد” الردعية، التي ألمح إلى أنّها لم تكن سوى “عيّنة بسيطة”، مع كلّ ما أثارته من قلق في الداخل الإسرائيلي، حيث تحدّث عن “ساعات طويلة لدى المقاومة عن تصوير حيفا وجوارها وما قبلها وبعدها وما بعد بعدها”، ومنها ما يتعلق بجهوزيته الكاملة للحرب في حال فُرِضت عليه، حيث سيخوضها “بلا ضوابط ولا أسقف”.
 
ولعلّ الرسالة اشلأهمّ التي حرص السيد نصر الله على توجيهها من خلال خطابه، تمثّلت في التأكيد على “قوة المقاومة” التي قال إنّها وصلت إلى مرحلة “لم يسبق لها مثيل”، متحدّثًا عن “عدد وفير من الأسلحة الجديدة والمسيّرات” في حوزة “حزب الله” اليوم، وهو ما يطرح السؤال عمّا إذا كان خطاب الرجل، معطوفًا على ما سبقه من عمليات “نوعية”، ينحصر في سياق الحرب النفسية، ومعادلة الردع، أم أنّه قد يمهّد في مكان ما لما هو أبعد من ذلك.

التوقيت.. والشكل
على أهمية المضمون الذي انطوى عليه خطاب الأمين العام لـ”حزب الله”، ثمّة من يتوقف عند أهمية “الشكل” أيضًا، بدءًا من “الخصوصية” التي تميّز بها الخطاب، وهو الأول من نوعه الذي يفرد فيه السيد نصر الله هذا الحيّز الواسع للجبهة اللبنانية تحديدًا، التي بقيت الكلمة فيها للميدان على مدار أكثر من ثمانية أشهر، والتي كانت دائمًا تأتي “على الهامش” في كلمات الرجل، استنادًا إلى توصيفها بـ”جبهة إسناد” لقطاع غزة، في المقام الأول.

ومن “الخصوصية” التي حظيت بها الجبهة اللبنانية في خطاب نصر الله، والتي قد تكون لها دلالاتها ومعانيها، إلى “التوقيت” الذي يعطي الخطاب أهمية مُضاعَفة، وهو الذي يأتي بعد أيام سجّلت خلالها الجبهة “التصعيد الأعنف”، خصوصًا بعد اغتيال القائد سامي طالب عبدالله “الحاج أبو طالب”، الذي جاءت كلمة الرجل للمفارقة في احتفال تأبيني له تحديدًا، وهو ما يوحي أيضًا بأنّ الجبهة باتت تخضع لمعادلات جديدة، مختلفة عن كلّ ما سبق.

وفي التوقيت أيضًا، صحيح أنّ كلمة السيد نصر الله جاءت بعد ساعات على فيديو “الهدهد” النوعي، الذي قد يكون مهّد لها بصورة أو بأخرى، مع كلّ ما أحدثه من إرباك وبلبلة على مستوى الجبهة الداخلية الإسرائيلية، لكنّها أتت أيضًا بعد يوم واحد على زيارة المبعوث الأميركي هاموس هوكشتاين، التي وُصِفت بـ”الإنذار الأخير”، وكأنّ “حزب الله” لم يكن يتوخى توجيه الرسائل للإسرائيليين فقط، بل للأميركيين أيضًا، وقد قال إنّهم “خائفون على العدو”.
 
رسائل “الردع”
في المضمون، يمكن أن يُحكى الكثير عن الرسائل التي حملها خطاب السيد نصر الله، والتي تتفاوت ما بين “الردع” استكمالاً لما بدأه الحزب عبر فيديو “الهدهد” الذي أريد منه دعوة العدو الإسرائيلي إلى أن يحسب حساب أيّ مغامرة يمكن أن يقدم عليها ضدّ لبنان، وما بين “الجهوزية” التي تعمّد التأكيد عليها، بتمرير أكثر من رسالة عن جهوزية المقاومة الكاملة، وامتلاكها لكلّ ما تحتاجه في المعركة، بل “ادّخارها” لبعض الأسلحة للآتي من الأيام.

ولعلّ أهمّ الرسائل التي انطوى عليها الخطاب في هذا السياق، تبدأ من الحديث عن “اقتحام الجليل” الذي يخشاه العدو، والذي قال السيد نصر الله بوضوح إنّه “احتمال قائم” إذا ما فُرِضت الحرب على لبنان، ولا تنتهي عند الحديث عن قوة المقاومة، وامتلاكها ما يزيد عن حاجتها من القوة البشرية، وكذلك على مستوى الأسلحة والصواريخ، مع التأكيد أيضًا على أنّ المقاومة تصنع داخليًا في لبنان بعض أنواع الصواريخ التي تحتاجها.

وفي سياق “الردع” أيضًا، يُفهَم حديث السيد نصر الله عن أنّ “العدو يعرف جيّدًا” أنّ المقاومة حضّرت نفسها لأصعب الأيام، ويعرف ما ينتظره، بل أنه يعرف أنه “لن يكون هناك مكان في الكيان بمنأى عن صواريخنا ومسيّراتنا”، وأنّ “عليه أن ينتظرنا برًا وجوًا وبحرًا”، علمًا أنّ كلّ هذه الرسائل وفق العارفين تندرج في خانة الثوابت التي يكرّرها الحزب منذ اليوم الأول، وقوامها: لا نريد الحرب، ولكننا جاهزون لها، بل على أتمّ جهوزية لخوضها.

“الذي يجب أن يخاف هو العدو”. لعلّ هذه العبارة التي وردت في سياق كلمة الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله تختصر الرسالة الأهم التي أراد أن يرسلها لمن يعنيه الأمر، ردًا على التهديدات الإسرائيلية، وربما أيضًا التنبيهات الأميركية. هي رسالة “ردع” إذاً، تضاف إلى تلك التي قدّمها فيديو “الهدهد”، وقبلها الهجوم المركّب النوعي، لكنها رسالة تترك الباب مفتوحًا في الوقت نفسه أمام كلّ السيناريوهات والاحتمالات!