جدل خطاب نصر الله مستمرّ.. لماذا هدّد قبرص بهذا الشكل؟!

22 يونيو 2024
جدل خطاب نصر الله مستمرّ.. لماذا هدّد قبرص بهذا الشكل؟!


أثار الخطاب الأخير للأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله جدلاً واسعًا في الأوساط السياسية، ليس بما انطوى عليه من رسائل “ردع” للعدو الإسرائيلي، الذي أكد له جهوزية المقاومة لمواجهة أيّ مغامرة يمكن أن يقدم عليها، من دون أيّ ضوابط أو أسقف، ولكن في الجزئية المتعلقة بالتحذير الذي وجّهه إلى دولة قبرص من فتح مطاراتها لإسرائيل في حال شنّ حرب على لبنان، حيث اعتبر أنّ فعلها لذلك “يعني أنها أصبحت جزءًا من الحرب”.

Advertisement

 
وفي وقت أثار الأمر “بلبلة” في الداخل تجلّت بالإشاعات التي انتشرت سريعًا عن إقفال السفارة القبرصية لأبوابها، وهو ما سارع المعنيّون إلى نفيه، مع التأكيد على متانة العلاقات اللبنانية القبرصية، كان لافتًا أنّ الردود القبرصية الرسمية، سواء من الرئيس أو الحكومة، جاءت “هادئة”، إن صحّ التعبير، وتقاطعت على فكرة أنّ قبرص لا تشارك في أيّ شكل من الأشكال في نزاعات الحروب، وأنّها تعتبر نفسها “جزءًا من الحل”، وليس “جزءًا من المشكلة”.
 
في المقابل، جاءت ردود خصوم “حزب الله” ومعارضيه في الداخل عالية السقف، حيث تفاوتت الاتهامات التي وجّهها هؤلاء للسيد نصر الله بين تعريض علاقات لبنان مع دولة يفترض أنها صديقة للخطر، ومصادرته دور رئاسة الجمهورية والحكومة، حتى إنّ هناك من ذهب لحدّ اعتباره نصّب نفسه “رئيسًا غير مُنتخَب”، من دون أن يحجب كلّ ذلك السؤال الأكبر: ما الذي يدفع الحزب، عبر شخص نصر الله، لرفع السقف وتهديد قبرص بهذا الشكل؟
 
توتر “غير مُعلَن”
 
يقول العارفون إنّ تهديد السيد نصر الله لدولة قبرص لم يأتِ من فراغ، وهو لا يعكس مجرّد “هواجس” قد تكون موجودة لدى الحزب في مكانٍ ما، على وقع تصاعد سيناريوهات واحتمالات الحرب الشاملة، بل إنّه يشكّل في مكان ما، ذروة “توتر غير مُعلَن” منذ سنوات طويلة بين الجانبين، حيث يتوجّس الحزب من العلاقات “المتينة” بين قبرص وإسرائيل، والتي قد تصل لحدّ “التماهي” وفق وصف بعض المؤيّدين للحزب.
 
يلفت هؤلاء إلى الكثير من المحطّات في سجلّ العلاقة القبرصية الإسرائيلية خلال السنوات الأخيرة، تفرض “الحذر” على “حزب الله” في مقاربة إيّ إمكانية لانخراط قبرصي لصالح إسرائيل في أيّ حرب يمكن أن تندلع، علمًا أنّ ما حصل في موضوع ترسيم الحدود يُعتبَر بالنسبة لهؤلاء سببًا موجبًا لخشية الحزب، بعدما اتُهِمت الجزيرة بتجاوز لبنان والذهاب إلى ترسيم “ثنائي” مع إسرائيل، ما خلق إشكالية حدودية حينها.
 
لكن، ثمّة من يتحدّث عن أسباب “أكثر مباشرة” لهجوم السيد نصر الله على قبرص، تتمثّل في ما يُحكى عن تنسيق إسرائيلي قبرصي عالي المستوى في الفترة الأخيرة، حتى في ما يتعلق بـ”محاكاة” الحرب على لبنان، وسط معلومات عن تدريبات مشتركة بين سلاح الجو الإسرائيلي ونظيره من قبرص، وكذلك عن مناورات عسكرية للجيش الإسرائيلي على الأراضي القبرصية، من دون أن ننسى المصالح الاقتصادية المباشرة بين الجانبين.
 
هل أخطأ الحزب؟
 
لكلّ هذه الأسباب، يعتبر المؤيّدون لـ”حزب الله” أنّ ما قاله السيد نصر الله في خطابه، جاء في سياقه، في ظلّ “قرع طبول الحرب” الحاصل في المنطقة، وهو بالتالي أراد أن يحذّر قبرص من تبعات الانخراط في هذه الحرب بجانب إسرائيل، ويشيرون إلى أنّ القضية لم تكن تستحقّ كلّ الضجة التي أثيرت حولها، باعتبار أنّ التحذير هو في نهاية المطاف جزء من “الحرب النفسية” ضد العدو، وليست قبرص معنيّة به إذا وقفت فعلاً على الحياد.
 
لكنّ هذا الكلام لا يجد صدى لدى خصوم “حزب الله” ممّن يعتبرون أنّ التهديد الذي أطلقه الأمين العام لـ”حزب الله” تجاوز كلّ الحدود والخطوط الحمراء، ولا سيما أنّ هناك علاقات قائمة بين لبنان وقبرص، وبالتالي فلو أراد السيد نصر الله أن يعبّر عن هواجس، لكان الأوْلى بها أن يوجّهها من خلال الحكومة، وعبر القنوات الدبلوماسية والرسمية، وليس بهذه الطريقة والنبرة العالية، وفي خطاب يصحّ وصفه بـ”الحربي” على أكثر من مستوى.
 
وأبعد من ذلك، يقول هؤلاء إنّ المشكلة ليست في أنّ “حزب الله” الذي فتح الجبهة اللبنانية من تلقاء نفسه في الثامن من تشرين الأول الماضي، لا يتوانى عن فتح جبهة ثانية ضدّ دولة أخرى لا “عداوة” معها، ولكن في أنّ الرجل الذي سبق أن “صادر” قرار الحرب والسلم عن اللبنانيين جميعًا، وفق توصيفهم، ينصّب نفسه بصورة أو بأخرى “حاكمًا أعلى”، بل يمارس الدور المفترض برئيس الجمهورية، غير المُنتخَب، وعلى الملأ.
 
ثمّة من يرى أنّ تصاعد أسهم الحرب، وما يُحكى عن سيناريوهات، هي التي دفعت السيد نصر الله إلى رفع السقف، ومخاطبة قبرص بصورة مباشرة، تفاديًا لتقديمها “يد العون” لإسرائيل في حال اندلاع المواجهة الكبرى. لكن ثمّة من يرى أنّ الرسالة كان يمكن أن تصل بطريقة أخرى، ومن دون الإرباك الذي تسبّبت به، ولو أنّ هناك من يعتقد أنّ خطاب الرجل، وإن كان عالي النبرة، يوصل الرسالة بطريقة “أقوى” من المراسلات الدبلوماسية، على أهميتها..