لم يتغير الكثير في الشارع القبرصي بعد تحذير الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله قبرص من فتح مطاراتها وأجوائها لإسرائيل في حال شن إسرائيل حرباً على لبنان، وقوله إنه “سيتم التصرف معها على أنها عدو”.
في لارنكا، وتحديداً عند شاطئ فينيكودس الحيوي، انقسم الناس بين البحر والتسوق في مهرجان الصيف “بانييري”، وفي المقاهي والمطاعم. لكن هذه اللامبالاة تجاه تهديدات نصرالله لقبرص لم تنسحب على جميع فئات المجتمع، ولا على الحكومة التي سارعت للتأكيد أن “قبرص جزء من الحل”، كما اختتم المتحدث باسم الحكومة القبرصية كونستانتينوس ليتمبيوتيس بيانه المكتوب للإعلام أمس الأول الخميس، معتبراً أن بصمة بلاده الدبلوماسية هي “البوابة التي سوف تشكل عاملاً موثوقاً للاستقرار ومركزاً إقليمياً معترفاً به للعمليات الإنسانية” بحسب تعبيره.
وفي السياق، شدد وزير الخارجية القبرصي كونستانتينوس كومبوس على أن بلاده “ليست بوارد التورط بأي شكل من الأشكال في الحرب الدائرة في المنطقة”، وأنها “تأمل أن تكون جزءا من الحل وليس جزءا من المشكلة”، وذلك في اتصال هاتفي مع نظيره اللبناني عبد الله بوحبيب مساء الخميس.
تهديدات نصرالله لقبرص.. هوة بين الشارع والساسة
وبين السياسة الخارجية لقبرص والشارع هوّة يمكن تلمّسها من الاحتكاك المباشر مع الناس في مجتمعات متنوعة ضمن المدينة نفسها حول تهديدات نصرالله لقبرص.
وبينما كانت القنوات الدبلوماسية للجزيرة تردّ على التهديدات الإعلامية عبر منصاتها الإعلامية، وتنفي الاتهامات التي وجّهها أمين عام حزب الله، كان المواطن الستيني ب. يوانيو يقلّب صحيفته في أحد تلك المقاهي قرب البحر والتي تظهر فيها صورة نصرالله وتصريحاته.
ورداً على سؤال لـ”العربي الجديد” عن كلام الأمين العام لحزب الله، هز رأسه قائلاً: “حكومة قبرص لا تعرف التوازن في منطقة من التوترات، وتعتمد على أوروبا بكل شيء تقريباً، لا مشكلة لدي مع الفلسطينيين. انظر إلى الشاطئ لا بد أنك ستجد اليهود يتجولون أيضاً، هذه قبرص، ليست مع أحد!”.
وتابع الرجل: “قبرص اختبرت الحرب، وتعيش التهديد بسبب سياسات حكومة اليمين الرأسمالية الحاكمة التي تبحث عن مصالحها أكثر من مصالح الشعب قبل عقد من الآن، أخيراً كانت مشكلة المهاجرين واليوم مشكلة إقليمية وهي تنتظر الحلّ من أوروبا”.
وعلى الشاطئ، كانت مجموعة من الشباب في العشرينات، يتحدثون باللغة اليونانية لكنهم كانوا يمررون كلمات إنكليزية وأخرى عربية، ليتأكد أنهم من جنسيات مختلفة. ورداً على سؤال لـ”العربي الجديد” عن إمكانية حصول حرب بعد تهديدات نصرالله لقبرص أجابت شابة من بينهم: “حتى آخر لحظة يمكن البقاء على البحر، حتى لو أمطرت الدنيا، سنعود لبيوتنا!”.
من جهتها، أجابت صديقتها: “هناك خوف من جهة الأهالي على أولادهم، أن يكونوا قرب أماكن تواجد أنشطة لإسرائيل في قبرص، من محلات ومهرجانات ومناسبات… ولكن في العموم لا شيء يوحي بالحرب”. هنا، قاطعها شاب قبرصي قائلاً: “كلنا نريد أن نكون بسلام، ولكن لا إسرائيل تريد ذلك ولا أعداؤها أيضاً”.
لكن الشريحة الاجتماعية في قبرص، والتي تؤيد القضية الفلسطينية، يبدو رأيها مختلفاً حول تهديدات نصرالله لقبرص عما يقوله جزء من العامّة في بعض شوارع لارنكا، ومن بين تلك الشريحة أناستاسيس بيسوريوس، وهو كاتب وباحث ومترجم قبرصي، قال لـ”العربي الجديد”: “لا أعتقد أن تهديدات نصرالله لقبرص مزعجة بالنسبة لقبرص إلى حد كبير، فالحكومة لم تأخذ كلامه على محمل الجد، لأنها لا تشعر بأي مخاطر سياسية بسبب علاقتها مع إسرائيل”.
وأضاف: “حكومة نيكوس خريستودوليدس مؤيدة لإسرائيل بشكل علني، وذلك أسوأ ما في الأمر، أضف إلى ذلك أن القواعد البريطانية هنا في قبرص أيضاً تحت خدمة إسرائيل”.
كذلك، رأى بيسوريوس، المهتم بقضايا الشرق الأوسط، أن كلام نصرالله “جديّ للغاية وهو يدافع عن مصالحه وهي محقة برأيي”، وتابع: “على الجميع أن يتحمّلوا مسؤولياتهم، لقد أظهرت الحكومة من خلال تصرفاتها أنها تؤيد بقوة مصالح إسرائيل، وسيكون لذلك عواقب سلبية، شئنا أم أبينا. أظن أن نصرالله لا يلعب ألعاباً سياسية مثل الاتحاد الأوروبي الذي يقول شيئاً ويفعل شيئاً آخر، نحن نتحدث عن زعيم يعرف مخاطر الشرق الأوسط جيداً” على حد وصفه.
وفي سياق تهديدات نصرالله لقبرص برز ما كشفته صحيفة ذا غارديان البريطانية أمس الجمعة من أن إسرائيل وقبرص تتبادلان المعلومات الاستخباراتية والعلاقات العسكرية الوثيقة على نحو متزايد.
وأضافت أنه قبل عامين، استخدم الجيش الإسرائيلي قبرص لإجراء مناورات حربية تحاكي القتال في لبنان، وشارك فيها ما قيل إنه أكبر عدد على الإطلاق من القوات التي ترسلها إسرائيل إلى الخارج.
وركزت التدريبات على تكتيكات الغزو المحتملة، حيث تم اختيار الجزيرة للتدريبات بسبب تشابه تضاريسها مع تضاريس لبنان (فقط لجهة المساحة الصغيرة).
وفي العام الماضي، أجرت القوات المسلحة من كلا البلدين تدريبات عسكرية في الجزيرة “للرد على سيناريوهات العمليات الصعبة بشكل خاص”.
وبحسب “ذا غارديان”، فإنه على الرغم من أنه من غير المعروف أنها تقدم أي مرافق برية أو قاعدة للجيش الإسرائيلي، إلا أن قبرص سمحت لإسرائيل باستخدام مجالها الجوي لإجراء تدريبات تحاكي هجوماً إيرانياً على إسرائيل.
من جهته، قال خالد مرتجى، وهو ناشط فلسطيني قبرصي، لـ”العربي الجديد” إن الردود على تهديدات نصرالله لقبرص أول ما بدأت من السفير القبرصي في إسرائيل كورنيليوس كورنيليو حيث قال إننا “قادرون على الرد”، مضيفاً: “أظن أن تصريحاته فيها شيء من العجلة وأظن أن تصريحات الرئيس القبرصي لاحقاً تحمل الكثير من الذعر والخوف، بما في ذلك نفيه جملة وتفصيلاً لاتهامات نصرالله بخصوص استعمال مطارات قبرص لأعمال عسكرية غير قبرصية. كما أشار إلى أن قبرص تعمل على إرسال مساعدات عن طريق الممر المائي وطبعاً هذا الممر يشاع عنه وجود أهداف مشبوهة من خلاله”.
وبرأي مرتجى فإن “نيقوسيا تتحمل مسؤولية أي خطأ أو أي سقطة في حال حدوثهما، بسبب اليمين الحاكم المتعاقب من الرئيس السابق إلى الرئيس الحالي”. وتابع “أعتقد أنه من الضروري أن تعود قبرص إلى وضعها الطبيعي وأن تنحاز للقضايا العادلة التي دأبت على تأييدها منذ عقود وأن تبتعد عن موالاة ومناصرة الاحتلال”.
وذكّر بأن “شريحة واسعة من الشارع القبرصي نظمت العديد من الفعاليات والتظاهرات والوقفات المنددة بالوجود البريطاني على الأراضي القبرصية واستعمال قواعدها العسكرية المقامة على أرض قبرص منطلقا لشن هجمات أو اعتداءات أو أياً كانت التسمية ضد أهداف في المنطقة، لا سيما خلال حرب الخليج الثانية والشبهات بأن تلك القواعد قد تستعمل في الحرب على غزة اليوم”.
وأضاف: “لذلك وبما أن الشارع القبرصي أصلاً مستفز وممتعض من هذه القواعد فأنا لا أستغرب أن يقوم شخص مثل حسن نصرالله بتوجيه سهام تصريحاته إلى قبرص لضرورة لجم هذه القواعد ومنعها من أن تكون منطلقاً لتنفيذ أي اعتداءات عليه”.
وتابع: “أضف إلى ذلك أن قبرص شهدت خلال العشرة أعوام الماضية أو لنقل خلال ولايتين، الولاية الحالية للرئيس نيكوس خريستودوليدس والولاية السابقة للرئيس السابق نيكوس أناستاسيادس وهما ولايتان يمينيتان، تحولاً كبيراً في الموقف السياسي القبرصي الذي كان معروفاً عنه تضامنه مع القضية الفلسطينية وحتى مع الشعوب العربية وتحول هذا الموقف اليوم إلى النقيض، إذ أصبح موالياً بشكل سافر للاحتلال الإسرائيلي ويقيم علاقات مميزة مع الإسرائيليين وفتح الباب على مصراعيه لإقامة مناورات عسكرية حتى الأمس تقريباً في مدينة بافوس التي شهدت مثل تلك المناورات”. (العربي الجديد)