لا يزال التهديد الاسرائيل بتوسيع الحرب على لبنان ضمن اطار الحرب النفسية، اذ ان من يريد البدء بحرب واسعة لا يعلن ذلك قبل اسابيع، حتى ان ما يقوم الحزب بنشره يأتي في السياق نفسه، فالحزب يريد ردع إسرائيل وتخويفها من اي خطوة تجاه لبنان ما يؤشر حتماً إلى عدم وجود رغبة أو مصلحة لدى الحزب بالذهاب الى حرب واسعة مع إسرائيل في هذه المرحلة تحديداً، لذلك فإن الحديث المتزايد عن الحرب ليس حديثاُ جدياً يمكن البناء عليه بشكل قطعي، لكن السؤال الاساسي، هل تستطيع إسرائيل إنهاء المعركة من دون حرب واسعة؟
بالرغم الانجازات التكتيكية التي حققتها إسرائيل في بداية المعركة مع “حزب الله” في الجنوب من رفع تكلفة الحرب عليه بشرياً، ومن ثم عبر زيادة حجم الدمار في القرى الامامية ما يحمل الحزب أعباء مالية وسياسية هائلة في اليوم التالي للمعركة، الا ان تل ابيب فشلت في تحقيق اي انجاز إستراتيجي، فهي لم تبعد الحزب عن الحدود، اذ يحرص الاخير على التذكير الدائم من خلال قيامه بعمليات عسكرية ملاصقة للمواقع الاسرائيلية، بأنه لم يبتعد متراً واحداً عن الحدود مع فلسطين المحتلة.
الأهم أن الحزب تمكن من كسر بعض المعادلات، وبات إستهداف الطائرات المسيّرة الاسرائيلية المتطورة أمراً عادياً سيستمر حتماً بعد وقف النار وكذلك الامر بالنسبة للوسائل التجسسية التي من غير المعلوم ما اذا كان الحزب سيستمر بإستهدافها، أو إستهداف بعضها بعد حصول وقف لاطلاق النار، لكن الأهم هو شعور إسرائيل بحجم القوة النوعية التي يمتلكها الحزب، وهذا ما يهدد حتى انجازها في غزة، من هنا بات النقاش الفعلي لدى النخب الاسرائيلية يكمن في امكانية وقف اطلاق النار من دون تحقيق انجاز في وجه الحزب.
بحسب مصادر مطلعة فإن ترك إسرائيل لـ “حزب الله” من دون حرب واسعة تحاول من خلالها إعادته سنوات الى الوراء وإبعاده عن الحدود، يعني أن كل المكتسبات التي تحققت للإحتلال في غزة قد سقطت، لان تل ابيب المنهكة عسكرياً لن تتمكن في حال تم إيقاف الحرب من اعادة فتح الجبهة الا بعد سنوات، وعليه فإن إنهاء أو تأجيل الخطر من غزة في ظل وجود خطر كامل الأوصاف في الشمال (اي “حزب الله”) سيكون لزوم ما لا يلزم، لان الطرف الذي دعم حماس في الماضي سيكون قادراً على الاستمرار في دعمها لتتمكن من ترميم نفسها واستعادة قوتها.
كما ان بروز قوة الحزب العسكرية ستجعل من الصعب على مستوطني الشمال العودة بشكل جماعي الى مستوطناتهم، وهذا ما سيخلق اشكالات داخلية اضافية في اسرائيل ليس من السهل تحملها والتعايش معها لانها ستصيب عمق الدولة، مما قد يخلق منطقة عازلة شمال فلسطين المحتلة في الوقت الذي سيعود به ابناء المناطق الحدودية في لبنان الى قراهم خلال اقل من عام في حال نفذ “حزب الله” خطته لاعادة الاعمار. امام كل هذه الاحتمالات وبالرغم من صعوبة اتخاذ رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو قرار الحرب، الا أن عدم الاقدام عليه سيخلق امامه عوائق عديدة.
من بين اكثر القرارات المعقدة منذ السابع من تشرين الاول هو قرار الحرب على لبنان من عدمه، خصوصاً ان اعتبارات كثيرة ستكون مؤثرة على هذا القرار، أولاً دعم الولايات المتحدة الاميركية لاسرائيل خلال الحرب وحجم هذا الدعم، وثانياً حجم إنخراط سوريا واليمن والعراق بالمعركة دعماً لـ “حزب الله”، وكيف سيكون الاداء الايراني السياسي والعسكري، واضافة الى كل ذلك، هل سيقبل الحزب بحرب محدودة زمنياً ام سيلزم إسرائيل بحرب شاملة ومفتوحة.