زيارة بارولين ولقاء بكركي.. اهتمام فاتيكاني بلبنان والحل معلّق!

27 يونيو 2024
زيارة بارولين ولقاء بكركي.. اهتمام فاتيكاني بلبنان والحل معلّق!


في وقتٍ يغيب الاستحقاق الرئاسي عن واجهة الأحداث، على وقع قرع طبول الحرب على الجبهة الجنوبية، وفي ضوء تصاعد التهديدات الإسرائيلية ضد لبنان بشكل غير مسبوق، استقطبت زيارة أمين سر دولة الفاتيكان الكاردينال بيترو بارولين إلى لبنان اهتمام الأوساط السياسية، ولا سيما في محطاتها الرسمية في السرايا وعين التينة وفي محطّتها الروحية الابرز في بكركي، حيث عقد ما وُصِف بـ”اللقاء العائلي” الذي دعت إليه بكركي لمناسبة الزيارة.

Advertisement

 
لعلّ أهمية الزيارة تكمن في الرسائل التي انطوت عليها، وأهمّها تأكيد الفاتيكان على الاهتمام بلبنان، ووجوب إنجاز الاستحقاق الرئاسي في أقرب وقت ممكن، وربما محاولته لعب دور في هذا المضمار، وهو ما أكّده بارولين بكلمته عن دور رئيس الجمهورية ووجوب أن يبقى لبنان “نموذج تعايش ووحدة في ظل الأزمات والحروب الحاصلة”، وعن “محاولة المساعدة في التوصّل إلى حلول تناسب الجميع” في الموضوع الرئاسي تحديدًا.
 
لكنّ كلام بارولين، معطوفًا على الشكل الذي أخذه “اللقاء العائلي” الذي يقول العارفون إنّ شكّل بديلاً عن “لقاء الأقطاب” الذي تعذّر عقده بسبب موقف بعض القوى المسيحية الأساسيّة، يطرح بدوره العديد من علامات الاستفهام، فهل يكفي الاهتمام “الفاتيكاني” بلبنان للدفع نحو حلّ للمأزق الرئاسي الذي يقترب من ذكرى العامين؟ وهل يحمل بارولين مثلاً “مبادرة عملية” جديدة يمكن البناء عليها، من أجل العبور نحو الحلّ المنشود؟!
 
مفارقات “اللقاء العائلي”
 
في مقاربة “اللقاء العائلي” الذي عقد في بكركي، يتوقف العارفون عند بعض المفارقات التي سُجّلت على خطّه، قد يكون من بينها “المقاطعة الشيعية” للقاء، بغياب أيّ ممثل عن المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى رغم دعوته للمشاركة، وهو ما فُسّر على أنّه موقف احتجاجيّ على مواقف البطريرك الماروني بشارة الراعي من أحداث الجنوب، وإن كان المعنيّون قد حرصوا على التأكيد على أنّ المقاطعة ليست موجّهة نحو الفاتيكان، الذي يحظى بالدعم والتقدير الكاملَين.
 
في المفارقات أيضًا، سُجّل غياب كل من رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، ورئيس حزب “الكتائب” سامي الجميل، وإن أرسلا من يمثّلهما في اللقاء، وهو ما أعطي أيضًا تفسيرًا مبطنًا، برفض الرجلين، وتحديدًا جعجع، إعطاء الاجتماع بعدًا سياسيًا، وتوظيفه لعقد “خلوة” بين الأقطاب المسيحيين، قيل سابقًا إنّ الموفد الفاتيكان يسعى إلى عقده، وقد حُكي الكثير عن مسعى لديه لجمع كلّ من جعجع ورئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل.
 
وإلى مفارقات “الغياب”، سُجّلت مفارقة أخرى مرتبطة بـ”الودّ” الذي رصده المتابعون بين رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، ورئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، رغم ما يحلو للبعض وصفه بـ”القطيعة السياسية” بينهما، والتي وصلت لحدّ توجيه فرنجية رسائل “استفزازية” لباسيل في الآونة الأخيرة، عبر “تفضيل” جعجع عليه في مكانٍ ما، وتأكيد باسيل في المقابل على رفضه السير بخيار انتخاب فرنجية رئيسًا، تحت أيّ ظرف من الظروف.
 
“رسائل” الزيارة
 
بعيدًا عن هذه المفارقات، التي قد لا تترك انطباعًا إيجابيًا في مقاربة الزيارة واللقاء “العائلي” الذي لا يبدو أنّه سيفضي إلى “ترجمات” على مستوى الانتخابات الرئاسية، يشير العارفون إلى أنّ “رسائل” الزيارة تبقى حتى الآن مقتصرة على تأكيد الاهتمام “الفاتيكاني” بلبنان، وهو الذي لطالما حظى برعاية خاصة، للعديد من الأسباب، من بينها الوجود المسيحي الأساسيّ فيه، في ضوء كلّ ما عانت منه المنطقة من حروب وأزمات في مراحل تاريخية مختلفة.
 
وانطلاقًا من ذلك، لا يشكّك العارفون بأنّ الزيارة تحمل بين طيّاتها “محاولة لعب دور” عبّر عنها الكاردينال بيترو بارولين أساسًا، وهو الذي قال صراحةً إنه يأتي إلى لبنان “في محاولة للمساعدة في التوصل إلى حل لأزمة لبنان”، لكنّ هذا المسعى يصطدم كغيره من المساعي، بالمواقف المسبقة، والتي يعبّر عنها خير تعبير غياب جعجع والجميل مثلاً عن اللقاء، علمًا أنّ محاولات بكركي عقد “لقاء مسيحي جامع” قد باءت بالفشل في أكثر من مناسبة.
 
لكلّ ما تقدّم، فإنّ الاهتمام “الفاتيكاني” بلبنان الذي عبّرت عنه زيارة بارولين يفترض أن يكون “محفّزًا” للبنانيين، وتحديدًا للقوى المسيحية، التي ينبغي عليها أن تتلقف الرسالة بأنّ لبنان ليس متروكًا، وبأنّ انتخاب الرئيس ضروريّ في أسرع وقت ممكن، لكنّ هذا الاهتمام لا يكفي، لأنّ الكرة تبقى دائمًا في ملعب اللبنانيين، الذين يقع على عاتقهم، لا على عاتق الفاتيكان أو غيره، انتخاب رئيس الجمهورية وإنهاء الفراغ الرئاسي، في أقرب وقت ممكن.
 
في المحصّلة، تبدو زيارة أمين سرّ دولة الفاتيكان إلى لبنان أكثر من مهمّة في التوقيت أولاً، وفي الشكل ثانيًا، وفي المضمون ثالثًا، لكنّ أهميتها تبقى “معنوية” بالدرجة الأولى، لأنّ “ترجمتها” تبقى بعيدة المنال، طالما أنّها لا تقترن بإرادة سياسية لدى الفرقاء المعنيين، تتيح إنجاز الاستحقاق الرئاسي، وهي “إرادة” يجعل غيابها الاستحقاق برمّته “هامشيًا وثانويًا”، أقلّه بانتظار نضوج الظروف، وهو ما يبقى مُستبعَدًا قبل انتهاء الحرب!