هل يمكن لمن يتعامل مع لبنان كساحة أن يرسم صورة صحيحة للوطن؟

8 يوليو 2024
هل يمكن لمن يتعامل مع لبنان كساحة أن يرسم صورة صحيحة للوطن؟


في 1-6-2024، عُقد مؤتمر “حركة التجدد للوطن” تحت عنوان من “لبنان الساحة… إلى لبنان الوطن” وقد كانت للنائب علي فياض مداخلة خلقت اهتماما سياسياً واكاديمياً لما تضمنته من أفكار تستحق النقاش.

وهنا الحلقة الرابعة في النقاش مع الدكتور والباحث اللبناني محمد علي مقلد

يقول الشيوعي السابق محمد علي مقلد: فرضيتي في هذا النص لا تعني الرد على مقولات النائب علي فياض وحده، بل هي نقاش في المنهج الذي اعتمدته الكتابات عن تاريخ لبنان وعن تاريخ الحرب الأهلية. وما سأحاول إثباته فيها أن قراءة خاطئة للماضي وتحليلاً خاطئاً للحاضر لا يساعدان على رسم صورة سليمة للمستقبل. فيرى النائب فياض أن موقع لبنان هو “حصيلة تفاعل التوازنات الإقليمية والصراع الإيراني الأميركي”. هذه الفرضية الخاطئة تكررت أكثر من مرة في مداخلة شفوية نشرت في الصحف، ففقدت طابعها الشفوي الارتجالي وتحولت إلى وثيقة تضم إلى سائر الوثائق الصادرة عن مسؤولين في حزب الله، والتي تتعامل مع لبنان وكأن الصراع على تاريخ هذا الوطن مرتبط فحسب بالصراع على النفوذ الإيراني في المنطقة وبالتحديد على الصراع “الإيراني الأميركي”. في نظره، تبدو “هشاشة الصيغة اللبنانية” ناجمة عن خلافات اللبنانيين منذ 2005 والقرار 1559. كل ما قبل ذلك هو مما قبل الهشاشة.

هذا الخطأ المنهجي في قراءة تاريخ لبنان، بحسب مقلد، هو بمثابة رد على خطأ منهجي آخر يرى أن لبنان الحديث سليل الحضارات القديمة الفينيقية والكنعانية وغيرها، وأن إسمه ورد في الكتب الدينية؛ أو على منهج ثالث يقرأ تاريخ لبنان كجزء من تاريخ السلطنة العثمانية وينشد إعادته إلى زمن الخلافة، أو في مواجهة السلطنة وينشد إعادته إلى زمن المتصرفية والقائمقاميتين؛ أو على منهج رابع يرى لبنان بلداً مصطنعاً ابتكره الاستعمار من خلال اتفاقية سايكس بيكو.

التاريخ الحقيقي للجمهورية اللبنانية يبدأ، في حده الأبعد، بإعلان لبنان الكبير أو بإعلان الدستور عام 1926، وهذا هو الأصح، بل هو الصحيح الوحيد، يقول مقلد، وهذا لا يلغي العوامل الأخرى، من ماضي الحضارات وحاضر الصراعات، التي ساهمت في بناء هذا الوطن، لكنه يضع معياراً دقيقاً للتعامل مع هذا الكيان الذي تأسس كوطن مستقل مثل سائر الأوطان، عند نهاية المرحلة الأولى من الحضارة الرأسمالية، أي مرحلة الاستعمار بالاحتلال، بعد الحربين العالميتين.

ويقول مقلد: الجمهورية اللبنانية نتاج اتفاقية سايكس بيكو. مع ذلك هو ليس بلداً مصطنعاً. هو يشبه سائر بلدان العالم التي تأسست في كنف الحضارة الرأسمالية وبالآليات ذاتها، واستناداً إلى المعايير ذاتها التي قامت على أساسها أوطان العالم الحديث في أوروباً أولاً ثم في سائر القارات. قبل الحضارة الرأسمالية كانت حضارات قَبَلية أو إقطاعية وكانت الكيانات ولايات وسناجق وأقاليم. حتى إيطاليا وألمانيا صنعتهما الحضارة الرأسمالية حين انصهرت الدول-المدن الإيطالية واتحدت في وطن بقيادة غاريبلدي وكافور، أو حين توحدت الولايات الجرمانية بقيادة بسمارك. ارتسمت حدود هذين الوطنين-الأمتين في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، أي قبل عقود قليلة على إعلان وطن إسمه لبنان بقيادة البطريرك الحويك ومباركة الانتداب الفرنسي.

إذن لبنان، بحسب مقلد، ليس بلداً مصطنعاً ولا هو قديم قدم الفينيقيين والتوراة والحضارات وتعاقب الغزوات اليونيانية والرومانية والفارسية والعثمانية، ليعمل المشككون بأصالته على تفكيكه. إنه وطن تم استحداثه يوم استحدثت الأوطان، ومنح جبله الإسم، وتجمعت على مساحته الجغرافية ولايات خضعت في ماضيها القريب لسلطة الخلافة الإسلامية في بغداد والشام ثم للسلطنة العثمانية، وكان لكل منها تاريخ اجتماعي من العادات والتقاليد والثقافة والطقوس الدينية، شأنها في ذلك شأن كل بلدان التعدد والتنوع الديني والثقافي والإتني التي تعايشت في ظل منطق الغلبة في الحضارة السابقة، وتكاملت تحت سقف الديمقراطية في ظل الرأسمالية. فالحضارة الرأسمالية هي التي صنعت الأوطان الحديثة. حتى التعبير اللغوي عن هذا المولود الجديد لم يكن موجوداً في العربية قبل الاحتكاك بالغرب والدخول في عصر النهضة. لذلك ارتبطت النهضة الحديثة بالتفاعل مع الحضارة الجديدة، منذ فخر الدين المعني في لبنان ومحمد علي باشا في مصر.

سايكس بيكو اقترحت تشكيل الأوطان في المشرق العربي ورسمت خرائطها بناء على اعتبارين، وفق مقلد، الأول احتمال توحيد الولايات المتجاورة إذا ما توافرت قواسم مشتركة بينها، وإلا فالبديل إقامة دويلات طائفية في جبل الدروز وجبل العلويين وجبل لبنان ذي الأكثرية المسيحية، ومثلها للسنة والشيعة والأكراد في العراق وبلاد الشام، وهذا خيار استبعده الانتداب الفرنسي والأنكليزي في العراق وبلاد الشام. الاعتبار الثاني مصلحة الاستعمار الإنكيزي في إنشاء دولة إسرائيل، لتخليص أوروبا من أوزار المسألة اليهودية الرامية بثقلها على بلدان أووروبا كلها من الأطلسي حتى القوقاز، والممتدة في الزمن منذ سقوط غرناطة حتى محرقة هتلر.

ويتابع مقلد: حتى هذا التاريخ كان الدور الإيراني غائباً عن تشكل الأوطان في منطقة المشرق العربي. ولم يبرز إلا بعد الانقلاب على نظام الشاه وسعي المعممين إلى تصدير مشروعهم الإيديولوجي مع ترجماته السياسية. وبناء على هذا المعطى، فإن فرضية الدكتور علي فياض بأن تاريخ الأزمة اللبنانية يبدأ بالقرار 1559 وبأن خلافات اللبنانيين حول الصيغة بدأت عام 2005، وبأن الصراع بين إيران وأميركا هو الذي سيتحكم “باصطفافات اليوم التالي للحرب الدائرة في غزة وجنوب لبنان”، هو مصادرة على المطلوب ولوي عنق الحقيقة لصالح إدخال الدور الإيراني قسراً في المعادلة اللبنانية.

ويتابع مقلد قائلاً: التوى عنق الحقيقة مرة أخرى بتعامل إيران وحزب الله مع قضية فلسطين كقضية دينية، وبتصوير الصراع مع إسرائيل كأنه دفاع عن المقدسات الإسلامية، فيما تنطوي حقيقة المشروع الصهيوني على معنى آخر. فإسرائيل هي آخر ما تبقى من أثر استعماري على الكرة الأرضية، ومواجهتها بالسلاح الناري وحده قاصرة عن إعادة الحق لأصحابه، لأن الطريق إلى القدس تمر في نيويورك ولندن وباريس، لا في جونية وبنت جبيل ومزارع شبعا، وهي قاصرة أيضاً عن تحقيق نهضة وتنمية مستدامة . دليلنا على ذلك أن فيتنام انضمت، بعد تحررها من الاستعمار الأميركي، إلى نادي العالم الثالث، وأن البلدان العربية التي حاربت “الاستعمار” بالسلاح أو بالخطابات، غرقت، في نهاية معاركها الصحيحة أو المغلوطة، في لجة الحروب الأهلية من الجزائر غرباً حتى العراق، ومن سوريا شمالاً حتى اليمن.

من ناحية أخرى، إن فكرة مقاومة الاستعمار بالقوة المسلحة، ليست إيرانية المنشأ، حيث اعتمدتها قبل ذلك، وفق مقلد، مقاومة الشيوعيين للغزو الهتلري في روسيا وفرنسا واليونان ويوغسلافيا في الحرب العالمية الثانية، وبعد ذلك في فيتنام. لذلك تعتبر “المقاومة” في محور الممانعة امتداداً للمقاومة الشعبية الأممية التي بدأت كشكل من أشكال التصدي للاحتلال النازي ثم قررت خوض المعركة مع الرأسمالية كحضارة وكنظام اقتصادي لا كنظام استعماري.

تكرست المقاومة في المواثيق الدولية باعتبارها حقاً مشروعاً للشعوب في تحرير أرضها من الاحتلال الأجنبي. أما في لبنان فالمقاومات العسكرية كلها، على تنوعها وتعددها، التي نشأت على هامش الدولة وعلى حساب الدولة، هي التي استدرجت قوى من خارج الحدود واستنصرت بها ضد أبناء بلدها وتوهمت القدرة على استخدامها لصيد الطرائد. وهذا ما حصل مع الأحزاب اليسارية والقومية التي استقوت بالسلاح الفلسطيني أو بالأحزاب اليمينية التي استقوت بالسلاحين السوري والإسرائيلي، وهو ما يحصل اليوم باستقواء حزب الله بالسلاح الإيراني، يقول مقلد. إن لكل قوة أو دولة خارجية مصالحها، وهي لم تتدخل مرة دفاعاً عن مصالح لبنان أو عن مصلحة أي من أطرافه، بل دفاعاً عن مصالحها هي، وهذا طبيعي. فيصبح من غير الطبيعي تحميلها المسؤولية عما أصاب لبنان بفعل تدخلها، ومن غير الطبيعي أن يتخذ التعبير عن الحرص الوطني شكل الإدانة للقوى الخارجية، وتبرئة القوى الداخلية من استدراج الدب إلى الزرع اللبناني، بعد أن أكلت من مال السلطان وحاربت بسيفه، ثم راحت ترفع الصوت ضده تنصلاً من فعل الاستدراج الذي ما كان يمكن أن يحصل لولا منحها إياه غطاء شرعياً وتوفيرها له الذريعة.

هذا يعني، وفق مقلد، أن إخراج لبنان من أزماته لا يبدأ بشن الحرب لا على منظمة التحرير ولا على سوريا ولا على إسرائيل ولا على إيران، ولا ينتهي بمحاولة إيران وحزب الله “تركيز الصراع حول تحرير فلسطين”، ولا بتصويب خصومهما على استبداد الأنظمة في دول الممانعة، ولا بتجهيل النائب فياض الفاعل عند كلامه عن أسباب الانهيارات أو تحذيره اللبنانيين من الصوملة. إنها مخاطر من فعل الحرب الأهلية.

البند الأول في برنامج الانقاذ الوطني نقد ذاتي يعترف فيه كل طرف من أطراف الصراع الداخلي بحصته من المسؤولية عن تخريب الديمقراطية، غير النموذجية، التي كان ينعم بها النظام اللبناني. البند الثاني اعتبار الوحدة الوطنية هي الأساس في إعادة بناء الوطن والدولة، وبالتالي إعلان التوبة عن استدراج القوى الخارجية وعن التدخل في شؤون الدول، والوقوف صفاً واحداً، شعباً لبنانياً وحكومة، لحماية الحدود من أي عدوان.

يقرر الدكتور فياض أن مسار الصراع يتجه لمصلحة إيران. هذا الاستنتاج، بحسب مقلد، هو أيضاً مصادرة على المطلوب، وهو نتيجة خطأ منهجي في قراءة تاريخ الحضارة الرأسمالية. إيران ليست الدولة الوحيدة التي اعترضت على هذا التاريخ وعارضته. سبقتها إلى هذه المواجهة حركات الإسلام السياسي التي رأت في الرأسمالية عدواناً مسيحياً على السلطنة العثمانية، رمز الخلافة الإسلامية، وعلى الشرق. وسبقتها المنظومة الاشتراكية التي اعتمدت عبارة ماركسية شاعرية تقول إن التاريخ الحقيقي للبشرية يبدأ بالاشتراكية وكل ما قبلها هو مما قبل التاريخ. ولا الإسلام السياسي نجح في مخاصمة الاستعمار والرأسمالية لأن برنامجه في مواجهتهما يسعى إلى جر عربة التاريخ إلى الوراء، ولا التجربة الاشتراكية صمدت، لأنها حاولت القفز فوق التاريخ، والتاريخ لا يذعن لمثل ذاك الوهم ولا لمثل تلك المغامرة. هذا يعني أن القضاء على إسرائيل يتطلب تفوقاً عسكرياً واقتصادياً وسياسياً وعلمياً على المنظومة الاستعمارية الرأسمالية كلها وهو ما ليس ممكناً إلا في مخيلة الرؤوس المؤدلجة.

ويتابع مقلد: الخطأ المنهجي الأول في القراءة أما الثاني ففي الكتابة. فالدكتور فياض يكتب تاريخ الجمهورية اللبنانية بمفردات طائفية، فيشير إلى العقل الخلفي لدى الطوائف وإلى هواجسها الواقعية وخوفها على المصير والوجود، في حين ينفرد الشيعة “بهاجس تحرير فلسطين”. من نافل القول إن التعميم عدو العلم، على ما يقول الفيلسوف الفرنسي باشلار، فكيف إذا كان التعميم مغلوطاً؟

لم يكن كل الشيعة ولا كل أهل السنة ضد إعلان دولة لبنان الكبير، ولا كان كل الموارنة وكل المسيحيين موافقين على مشروع البطريرك الحويك. هي ظاهرة لا ينفرد بها لبنان. حتى في بلجيكا، كاد التنوع يهدد الوحدة الوطنية قبل عقدين من الزمن، والصراعات بين الكاتوليك والبروتستانت في إيرلندا لم يخمد الزمن نارها. أما شيعة لبنان فقد فضلت غالبيتهم في مؤتمر وادي الحجير الانتماء إلى المشروع العربي على الانضمام إلى لبنان الكبير، وما لبثت تلك الأغلبية أن انخرطت في تجربة الاستقلال ثم انحازت إلى مشروع اليسار التحرري في مواجهة الصهيونية والاستعمار ودعماً للثورة الفلسطينية. وقبل أن ترش الأرز على الجيش الإسرائيلي ترحيباً به كمنقذ من التجاوزات الفلسطينية، كنا نسمع شكواها وهي تردد قول الشاعر، أأنا العاشق الوحيد لترمى تبعات الهوى على عاتقيا؟ كان ذلك احتجاجاً على الموقف العربي الذي حمّل الجنوب اللبناني وحده عبء المواجهة مع الكيان الصهيوني. لكن تلك الشكوى تحولت في المرحلة الأخيرة إلى انطواء على الذات المذهبية ولا سيما منذ بداية عهد الوصاية وخصوصاً بعد تحرير لبنان من الاحتلال الإسرائيلي.

إن موجات التحول هذه التي شهدها الجمهور الشيعي خلال مئة عام ليست ثمرة تكوين جيني، ولا هي من صنع المعتقدات الدينية، بل هي،بحسب مقلد، نتيجة تبدلات في موازين القوى وملابسات الصراع السياسي، وهي مرتبطة ارتباط علة بمعلول بمستوى قدرة الدولة على التحكم بمسار تلك التحولات، إذ يقوى الولاء للطائفة كلما ضعف الولاء للدولة والعكس صحيح، وهذا بيت القصيد في الخطأ المنهجي الثالث المتعلق بموقف القوى السياسية من الوطن ومن الدولة.

ويقول مقلد: في كتابي”أحزاب الله” (توزيع دار النهار) فصل مسهب عن موقف الأحزاب اليسارية والقومية والدينية من الوطن والدولة، وأفردت حيزاً خاصاً بموقف حزب الله منهما استندت فيه إلى ما صدر عن قادة الحزب من وثائق ومؤلفات ومنشورات تؤكد كلها أن حزب الله يستخدم في خطابه السياسي وبياناته لغة غريبة عن المصطلحات العلمية والأكاديمية المتعلقة بالوطن والدولة والمتداولة في كليات الحقوق في جامعات العالم وفي لغة الباحثين والعاملين في الحقل السياسي.

ووفق مقلد، فإن لغة حزب الله في هذا المجال مشتقة من تراث ديني سابق على نشوء الأوطان وتأسيس الدولة الحديثة، دولة الحق أو دولة القانون والمؤسسات، لذلك تراه يستبدل الثلاثية التي يقوم عليها بناء الوطن، ثلاثية الأرض والشعب والسيادة، بثلاثية الجيش والشعب والمقاومة، ويسخر من مفردة السيادة ومن المتداولين بها ولا يرى تعارضاً بين وجود المقاومة كقوة مسلحة خارج الشرعية وبين سيادة الدولة على حدودها وداخل حدودها.
ويسأل مقلد، هل يمكن لمن يتعامل مع لبنان كساحة أن يرسم صورة صحيحة عن لبنان الوطن؟

أبرز ما تضمنته المداخلة

وكان النائب علي فياض اعتبر في مداخلته أن موقع لبنان في النظام الإقليمي، هو حصيلة تفاعل بُعدين لا مهرب منهما، الأول وهو ما يتصل بالبيئة الجيوستراتيجية التي تحيط بلبنان، بما تنطوي عليه من توازنات ومعادلات، هي نتاج الصراعات والتحالفات القائمة، على مستويات مختلفة. بتأثير القضية الفلسطينية والصراع مع إسرائيل، والتناقضات العربية-العربية، وعلى نحو أكثر تحديثاً وتعميماً، صراع المحورين الكبيرين، إيران وحلفاؤها وأميركا وحلفاؤها. والبعد الثاني، هو ما يتصل بالداخل اللبناني نفسه، بما فيه من موازين قوى تفرض نفسها، ومن تجاذبات بين مكوناته وقواه، ومن توافقات وحدود ضابطة لعلاقة المكونات ببعضها البعض. ويعتقد فياض بأن الصيغة اللبنانية هشة جداً، على النحو الذي يحوِّل غياب التوافق بطرفة عين، إلى أزمة تتدحرج فتتحول إلى أزمة حكم، أو تعطِّل المؤسسات، وقوية جداً إذ لا يستطيع أي طرف أو تحالف أطراف أن يعدِّل بهذه الصيغة أو أن يطيح بمقتضياتها الأساسية، كما يعتقد أن خلافات اللبنانيين الحادة، منذ عام 2005 وصدور القرار 1559، إنما تتصل بهذا البعد، أكثر من صلتها بالبعد الداخلي الذي يتصل بالنظام السياسي والمؤسسات الدستورية. كما يعتقد فياض أن الهاجسين السني والدرزي هما هاجسان سياسيان طبيعيان، في حين أن الهاجسين المسيحي والشيعي وجوديان، يستدعيان مقاربة وأدوات من خارج المنطق الطبيعي للدولة.