كتبت بولا اسطيح في” الشرق الاوسط”:ليست العلاقة بين «حزب الله» و«التيار الوطني الحر»، برئاسة النائب جبران باسيل مقطوعة. فرغم التوتر الذي سادها منذ نهاية ولاية رئيس الجمهورية السابق ميشال عون، والذي تفاقم مع قرار الحزب فتح جبهة جنوب لبنان لدعم ومساندة غزة، يبقي الطرفان حداً أدنى من التواصل والتنسيق بينهما.
ويقول مصدر قيادي في «التيار الوطني الحر» إن التواصل «بارد» مع حارة حريك في إشارة إلى تنسيق بالحد الأدنى بين الطرفين .
وبدا لافتاً مؤخراً خروج رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد، ليقول إن «الغليان الذي نشهده في غزة، أفرز كل هذا القيح في الداخل، حتى نكون على بصيرة بمَن نتعاون معه ويتعاون معنا، وبِمن نصدقه القول ويكذب علينا بأقواله ومواقفه ومشاعره، وسنرتب أوضاعنا على هذا الأساس».
وفيما عدّ كثيرون أن هذا الكلام موجه بشكل أساسي إلى قيادة «التيار» ويؤشر لتحالفات جديدة سيلجأ إليها الحزب بعد انتهاء حرب غزة، قال المصدر القيادي في «التيار»: «في حال كان هذا الكلام موجهاً إلينا، فلنرَ أي تحالفات سيُقدم عليها الحزب. فإذا خاصمنا، فإن لدينا جمهوراً واسعاً لا يحبذ تحالفنا معه، وفي حال عدنا وتلاقينا فذلك سيخدمنا مع جماهير أخرى، وبالتالي لسنا نحن الخاسرين، بل نحن رابحون مهما كانت توجهات الحزب المقبلة».
وتدرك قيادة «التيار» أن «حزب الله» سيعود بفائض قوة إضافي إلى الداخل اللبناني بعد انتهاء حرب غزة، في ظل استبعاد أي حرب موسعة على لبنان. وعن هذا يقول المصدر: «نحن، وبخلاف قوى أخرى كانت ولا تزال تعول على حرب مفتوحة يخرج منها (حزب الله) ضعيفاً، أعلنا بصراحة أننا نرفض هكذا خيار، وسنقف صفاً واحداً بمواجهة العدو، إذ لا يمكن أن نفرح باستهداف وبإضعاف مكون لبناني رئيسي. هذا، عدا التبعات المدمرة على بلدنا لأي حرب موسعة. أما عن عودة الحزب أقوى بعد الحرب وكيفية ترجمة ذلك سياسياً، فمسائل تُبحث في وقتها».
ويشير المصدر القيادي في «الوطني الحر» إلى أنه «بالرغم من سعي الحزب إلى ربط مصير ومسار الرئاسة بمصير ومسار الحرب في غزة، رغم نفيه ذلك علناً، فإننا نعتقد أنه يمكن حشره وإحراجه من خلال الموافقة على طرح بري الحوار، خاصة أنه محدود زمنياً، لكن المعارضة، وبخاصة حزب (القوات اللبنانية) يخدم من حيث يدري أو لا يدري تعطيل الاستحقاق الرئاسي بوضعه شروطاً شكلية للحوار».
ويضيف المصدر: «لا شك أن بري يتمنى انتخاب فرنجية، إلا أنه وصل إلى قناعة بأن ذلك غير ممكن في ظل التوازنات النيابية الحالية، وبخاصة في غياب الغطاء المسيحي الواسع، وهو بات أقرب للسير بخيار المرشح الثالث، بخلاف الحزب الذي لا يزال متشدداً لاعتبارات باتت معروفة».
وكتبت ابتسام شديد في” الديار”: باسيل اسدل الستارة على مرحلة من العلاقة السيئة للتيار بعدد من الخصوم السابقين ومن دائرة الحلفاء، ممن ساءت العلاقة معهم لخلفيات تتعلق بالانتخابات الرئاسية وعدد من الملفات، باستثناء “القوات” الذي لا يلتقي معها حاليا إلا على رفض ترشيح فرنجية. وتبدو العلاقة مستقرة مع “تيار المستقبل”، بعدما أرسل إشارات إيجابية الى رئيسه سعد الحريري. فالتهدئة مع “المستقبل” تجلت بمحاكاة هواجس الشارع السني في جولته الى عكار الأسبوع الماضي.
ومع ان هناك وقتا طويلا يفصل عن موعد الاستحقاق الرئاسي، إلا ان خطوات باسيل منسقة بما يتماهى مع انتخابات ٢٠٢٦ من هذا المنظار، فالحسابات الانتخابية تفترض التموضع الى جانب حزب الله في الدوائر المشتركة، فلا يخسر التيار مقاعد يمكن ان تكسبها “القوات”. وقد ثبت كما تقول المعلومات ان تصعيد باسيل ضد حزب الله لم يربحه في الشارع المسيحي.
انفتاح باسيل تخطى القوى السياسية المؤثرة مثل “تيار المستقبل” وحزب الله والرئيس نبيه بري، وشمل قبل فترة النائب ابراهيم عازار المقرب من رئيس المجلس، في خطوة لها دلالات انتخابية للعودة الى الساحة الجزينية، بعد انتكاسة الانتخابات النيابية والفوز الساحق لـ “القوات” بالمقاعد الجزينية. وفي زحلة انهى القطيعة، ويحضر أرضية انتخابية مع رئيسة “الكتلة الشعبية” ميريام سكاف، وفي المتن الشمالي مع الوزير السابق الياس المر بعد مرحلة طويلة من الصراع السياسي والإنتخابي.
وإذا كان من المبكر الجزم بإمكانية قيام تحالف مستقبلي بين باسيل ومن يتصالح معهم في انتخابات ٢٠٢٦، فإن أقل ما يقال ان هناك خطة يعمل عليها استعدادا لانتخابات ٢٠٢٦ ، وربما انتخابات مبكرة اذا تعقدت الأمور.
بالطبع ليس عاديا ان يجري رئيس التيار مصالحات بهذا المستوى تتطلب الكثير من الجرأة، وليس تفصيلا بسيطا ايضا إقصاء قيادات ونواب صقور، فالواضح ان هناك تنظيما جديدا لعلاقة التيار مع القوى السياسية، تحضيرا لقفزة نوعية او تموضع جديد لمواكبة المتغيرات ومرحلة ما بعد الحرب.