كتب جورج شاهين في” الجمهورية”: اقترب موعد التمديد لقوات “اليونيفيل” عند نهاية ولايتها في 30 آب المقبل، ليزيد من الهموم التي تعيشها الاوساط الديبلوماسية كافة. ولذلك فقد تنوعت الاهتمامات بهذا الاستحقاق على اكثر من مستوى محلي ودولي، وهي محكومة بمجموعة من الهواجس، وهذه هي أبرزها.
تُجمع مراجع سياسية وديبلوماسية وعسكرية على القول انه وعند إجراء اي مقاربة لملف التجديد للقوات الدولية المعززة (اليونيفيل) في جنوب لبنان لسنة جديدة، لا يمكن تجاهل تداعيات المحاولات السابقة لتعديل “قواعد السلوك” الخاصة بها ومهماتها وفق آلية جديدة رفعت من مخاوف المسؤولين من أهدافها لألف سبب وسبب، خصوصاً ان تلك القواعد نَوَت تنظيم علاقاتها بالسلطات اللبنانية المركزية والجنوبية، وهي تشمل بالاضافة إلى المستويات الحكومية والديبلوماسية، مهماتها الأمنية من بوابة التعاون الواجب قيامه مع “الشريك الأمني” في مهمتها وهو الجيش اللبناني منذ ان كلّفت مهمات اضافية إنفاذاً لما قال به القرار 1701 منذ صدوره في 12 آب 2006، والذي أنهى “حرب تموز” بأيامها الـ 33.
على هذه الخلفيات، اضافت هذه المراجع انّ على لبنان هذه المرة أن يجري مقاربته لهذا الاستحقاق في ظروف مختلفة، فحرب “الالهاء والاسناد” التي انطلقت من منطقة عمليات “اليونيفيل” وعلى ارضها، فرضت ظروفاً وقواعد جديدة لم تكن في الحسبان. والاخطر من كل ذلك انّ التعديلات التي كانت مطروحة على “قواعد السلوك” لهذه القوات منذ العام 2022 جاءت في توقيتها وشكلها ومضمونها وكأنها كانت تترقّب ما انتهى إليه الوجود المسلح غير الشرعي الذي كان يُشار إليه مواربةً وما بين السطور في المنطقة الحدودية، خصوصاً عند اعتبار قيادة “حزب الله” التي كانت تترقب حصارا على مسلحيها وأسلحتها، اعتبرت التعديلات المقترحة تَحوّل هذه القوات الى “قوة احتلال” وينبغي مواجهتها، مُرفقة بتهمة اضافية قالت ان بعض وحداتها تتعامل مع اسرائيل وتنفّذ مآربها وتزودها ما يهدد أمنها.
وعليه، بنيت في حينه النظرية التي قالت انه لا يمكن لأبناء الجنوب ممثلين بـ”الثنائي الشيعي” و”حزب الله” القبول ببقاء هذه القوة جنوب نهر الليطاني. وهي نظرية “عدائية”، لمجرد ان يتضمن قرار التمديد اشارة الى “الاستغناء عن دور الجيش في المشاركة في دورياتها، وتَرك الحرية لها برسم خريطة دورياتها بين القرى الجنوبية”. وهو أمر كان يعبّر عنه الحزب بالمواجهات المفتعلة مع “حزب الأهالي” وتلك المتكررة مع “حزب النساء”، وهو ما أدى احياناً الى الإعتداء على العناصر وتخريب آلياتهم لمنعهم من استكمال مهماتهم في الأحياء السكنية بعد اتهامهم بالسعي الى الكشف عن “مخازن الاسلحة المحظورة” التي ثبت وجودها لاحقاً في الحرب الاخيرة بما يشكل خرقا كبيرا لمقتضيات القرار الدولي 1701 بمعزل عمّا شَكلته آلاف الخروقات الاسرائيلية التي شَكَت منها الامم المتحدة قبل لبنان، ولم يقم أحد بما يؤدي الى وقفها بدلاً من إحصائها في شكاوى لبنان امام مجلس الامن.
ممّا لا شك فيه، قالت المراجع عينها، انّ لبنان تداركَ كل هذه المؤشرات وقرأ مخاطرها سلفاً، فبَكّر هذه السنة في طلب التمديد لهذه القوات في مراسلةٍ وجّهَتها وزارة الخارجية الى مجلس الامن الدولي عبر بعثة لبنان الدائمة لديه مطلع الشهر الماضي استعدادا لـ”مواجهة غامضة” لا يمكن تقدير ما ستكون عليه مظاهرها. فالوضع لهذه السنة وما تعيشه المنطقة الحدودية من عمليات عسكرية ولا سيما منها منطقة “اليونيفيل”، والتي استخدمت فيها كل اشكال الاسلحة المحظورة وانواعها، وضعت الجميع أمام واقع جديد وبات عليهم النظر اليها ورصد تداعياتها يومياً، وربما ساعة بساعة.
واستناداً الى هذه الملاحظات الدقيقة، ينتظر المعنيون ما ستكون عليه الجلسة الاولى لمجلس الأمن للنظر في طلب لبنان التمديد لهذه القوات سنة اضافية في 24 تموز الجاري، وما يمكن ان تنتهي إليه المناقشات والتعديلات التي كان لبنان يخشى التطرّق الى مزيدٍ منها مما يُحرج المقاومة، قبل وقوع الحرب الاخيرة التي كشفت ما كان مستوراً. وعليه، لم يكن هناك بد، ممّن يتمنّى معالجة نهائية لمصير القرار 1701 وما قال به على الجانبين اللبناني والاسرائيلي. متمنياً ان تكون الحرب الحالية الفرصة الاخيرة التي لا تفوت لمعالجة دائمة ونهائية وشاملة تُرسي “صفقة سلام شاملة” سبقَ للبنان أن طرحها في مجلس الأمن قبل وقوع الحرب الاخيرة التي كان يترقبها كُثُر في اي لحظة.
ما يأمله لبنان هو أن لا تزيد المشاريع المطروحة للتمديد من حجم الضغوط على حكومة تصريف الأعمال العاجزة عن التحكّم بما يجري في الجنوب، وهو أمر يدركه المجتمع الدولي وليس هناك ما هو غافل عن المناقشات الدائرة في مجلس الأمن الدولي.