كتب المدير العام لوزارة الإعلام الدكتور حسّان فلحه :
ابتعد حتى لا يدوس على ظلّها خطأ فتحزن، وهو يندم.. عند البسطاء السذج، تغدو الحياة سباتاً طويلاً. “نصفّها الأوّل انتظار، ونصفها الآخر وداع”.إذاً، لِمَ لا نقتسم حبّة المطر نصفين؟ ونلوذ هرباً حتى تجف أسماؤنا على حبل غسيل الحكايات… لم يرها ولم تره، إلاّ شبحاً يواري سوءة الوله الحرام على أدراج كنيسة عتيقة أو كمذبح مهجور، يرى ولا يُرَى هذه النفس البشريّة الامّارة بالحقيقة والريبة، المتعانقة مع الذات، الحارسة لأرواح شريدة، أرادت يوماً، ما ليس لها، ولكنّها الدنيا، من يذكر ميخائيل نعيمة يئنّ بعد ثمانين عاماًعلى حبه لامرأة لم يتزوّجها. قال: “اتركوا باب الضريح مفتوحاً لعلّها تأتي”…أيقظه محمود درويش، ساخراً “لم تأت، وقلت لن تأتي”.
إنّ النفس تتوق للتمرّد والتحرّر وكسر القيود والانعتاق من الركون للمسلّمات، وتسعى للتفلّت من التعوّد على الإقامة داخل حدود الإطار مثل الألوان والمشاهد، التي تشكّل رسم حياتها وصورها.
قد يطغى الأسود في الغالب على مساحة وجودها، وقد لا تنعم بزهو الألوان عادة، فتتحسر لكسر هذه الرتابة التى تعيشها داخل الكادر، فتنزع إلى الحلم بالخروج من ضيق المكان لتنسحب إلى خارج حدود الإقامة الجبريّة، يراها الآخرون وهماً أو قطعة في مكوّنات التعبير، لا أحد يظنّ أنّها تراه أكثر ممّا يراها، هذا الشوق للخروج من الأمكنة المقيّدة لا يؤنسه، إلاّ الجموح نحو الهروب من داخل الذات إلى ما بعد حدود الزمان والمكان، ولو لرحلة قصيرة كفراشات العمر القصير تلعب على ضوء الموت لتتلمّس نوره، عاشت برهة وماتت وما هَمّ، ولكنّها غدت، كما أردت. هي مشاهد صامتة في صورة الوجود،لا تعّبر عن جوهرها، إلاّ بما أراد الآخرون. لا تنظر إلاّ إلى نظرات الناظرين، هي زاوية منسيّة على شرفة التعبير لا تتحرّر، إلاّ بما يراها هؤلاء العابرون أثراً للريشة العابرة، تدمغ بها لوناً أو مسحة من صور حياتهم، حلمها، تعبير سورياليّ يحملها ويزحف من بين جدران السجن الصامت القابع داخل لوحة تذكاريّة إلى رحب الوجود لتصرخ من ألم القيد وعبوديّة الدور الثانويّ في المشهد المركون على قارعة مختلسي النظر، الذي يشوهونه بتعابير لا تشبهه أبداً.
هذا التمرّد سمة الحياة، أحياناً لا أحد يريد أن يكون إيّاه، ولا أناه، هي الحياة، وهي الروح التى دأبت على الالتزام بضوابط القدر وأطر المجتمعات الغارقة بوهم الخوف، ممّا يريدون، لا ممّا يريد ويهوى.
في اللوحة، الشخص يظهر حزيناً في ابتسامته، والوردة تكنى بأوراق غيرها، والألوان باهتة في أسفل سلّم التعبير، هي انطباعات أسيرة اللحظةِ والبيئة والظرف، كيف أعبّر عن نفسي وكيف أرسم ذاتي وكيف أكتب اسمي بين أسماء الناظرين. هذا ليس أنا، هذا، هم من أوجد صورة حضوره وسجّل غيابه، وأنا لا أدري كيف أعبر حدودهم، إلى حيث يجب أن أكون، كما أنا.
إنّ الألوان عندما تهاجر، وتصبح خارج الإطار، تفقد الصور دور السجّان وتتحرّر انطباعات النفس من قيود الآخرين، هذه كانت تسمّى العبوديّة،وصارت تسمّى الحريّة.