هل يمكن الوصول الى اتفاق دوحة جديد؟

17 يوليو 2024
هل يمكن الوصول الى اتفاق دوحة جديد؟


بين لحظة إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري عام 2005 وبين حرب تموز، عانى “حزب الله” بشكل فعلي مما يمكن وصفه بالعزل السياسي في الداخل اللبناني، اذ ان الحزب وجد نفسه من دون اي تحالفات وطنية، ولولا التفاهم الذي وقع مع الرئيس السابق ميشال عون في كنيسة مار مخايل لكانت “حارة حريك”بعيدة بشكل كامل عن المجتمع السياسي اللبناني في تلك الفترة، لكن هذه العزلة تبدلت بعد حرب تموز إذ تراجعت الضغوط السياسية واستطاع الحزب استعادة المبادرة السياسية والبدء بمرحلة جديدة اوصلته الى ما هو عليه اليوم.

عملياً، وجد “حزب الله” يومها أن التوازنات التي تكرست قبل حرب تموز لم تعد صالحة بعد الحرب، وكان لابد من “تقريش” انتصاره العسكري وتعديل موازين القوى لصالحه، وهذا ما حصل بعد سنوات من الكباش الداخلي حيث ذهبت الامور الى تسوية سياسية في الدوحة أعطت الحزب وحلفاءه نفوذاً جديداً داخل المؤسسات الدستورية وبات يملك الثلث المعطل، اي جزءا من القرار في السلطة التنفيذية، امام هذا الواقع يمكن قراءة المشهد المقبل بعد انتهاء الحرب الحالية، خصوصاً اذا تمكن الحزب من الخروج منها منتصراً.

رعت الدوحة “الميني طائف” عام 2008، بعد ان استطاعت في سنوات ما بعد الحرب فتح علاقة عميقة مع “حزب الله” بسبب اعادة الاعمار، واليوم بدأ القطريون يتحدثون عن جهوزيتهم للمساهمة بإعمار القرى الامامية بالتوازي مع تسوية شاملة في الداخل اللبناني، او الاصح ستكون اعادة الاعمار مشروطة بحل متكامل. ومن الطبيعي ان يكون لقطر دور كبير فيه، لذلك فإن المرحلة المقبلة قد تشهد اعادة احياء المبادرة القطرية خصوصاً أن الدوحة قادرة على لعب دور اكبر من باقي الدول المعنية بسبب علاقتها بحماس و”حزب الله” اولاً وقدرتها على الحديث بإسم الاميركيين ثانياً.

بحسب مصادر مطلعة فإن القطريين سيقومون في المرحلة المقبلة بدور متزايد من اجل وقف الحرب في غزة ولبنان، ولعل حصول جزء كبير من عملية التفاوض الحاصلة اليوم في الدوحة، وليس في القاهرة، دليل واضح على ان المساحة التي تأخذها قطر تتسع بسرعة في الواقع السياسي الاقليمي. من هنا يصبح الحديث عن تعديل في التوازنات الداخلية جزءا من الكباش والتفاوض حول “اليوم التالي” لذلك ستعمل الاحزاب والقوى المؤثرة، الداخلية والخارجية على تعزيز نفوذها وانجازاتها العملية تمهيداً للحل.

لا يبدو “حزب الله” راغباً في الدخول في اي اشتباك سياسي مع الطائفة السنيّة، لا بل على العكس من ذلك، سيعمل في المرحلة المقبلة على تعزيز التقارب الذي خلق في معركة “طوفان الأقصى” داخلياً وخارجياً، اذ يعتبر هذا الامر مكسبا فعليا يجب البناء عليه، من هنا يصبح الحديث عن تعديل النظام الدستوري في لبنان غير منطقي وغير متوقع من الحزب حتى لو كان في الامر مكسب سياسي استراتيجي له، لان الطائف سيبقى ثابتة اساسية للسنّة اللبنانيين، وحتى لحاضنتهم الاقليمية، اي المملكة العربية السعودية.

أمام هذا المشهد قد يكون التفاوض على ما هو “تحت سقف الطائف” أو ما يشبه “إتفاق الدوحة” هو المسار الذي سيتبع، بحيث يكرس الحزب بعض المكتسبات السياسية الداخلية من دون ان يمسّ بالقواعد الاساسية لدستور الطائف،خصوصاً اذا كانت قطر هي الراعي الرسمي لهذه التسوية. وعليه لن تكون الدوحة راغبة، ولا حتى “حزب الله”، بإستفزاز الرياض والذهاب نحو إخراجها سياسياً من المعادلة السياسية، لان الاخيرة اثبتت في السنوات الماضية أنها الممر الإلزامي لأي حل في لبنان..