في ضوء “لقاء الجمعة” المشكوك بنتائجه العملية نظرًا إلى الخلفيات السياسية المتباعدة بين الذين سيجتمعون، لا بدّ في من أن يعترف الجميع بأنهم غير قادرين على إخراج الاستحقاق الرئاسي من عنق الزجاجة بعدما أدلى كل طرف بدلوه، وبعدما أصبحت كل المواقف معروفة، وبعدما ثبت أن لا أحد مستعد لتقديم أي تنازل حتى ولو كان بسيطًا أو شكليًا، أي أن “الفريق الممانع” سيبقى متمسكًا بمرشحه حتى يقتنع الآخرون بأن رئيس تيار “المردة” الوزير السابق سليمان فرنجية هو أفضل الخيارات الممكنة، وهو الوحيد القادر على أن يجمع بدلًا من أن يفرّق، وأن الوصول إلى هذه الغاية المرجوة لا مفرّ من ذهاب الجميع إلى الحوار، الذي من دونه لن تُعقد أي جلسة انتخابية، مع ضمان عدم تطيير نصاب الجلسات المفتوحة المتتالية حتى انتخاب الرئيس، الذي سيتمّ التوافق عليه في الجلسات الحوارية، مع يقين أصحاب هذه النظرية بأنه سيتمّ القبول بمرشحهم التوافقي.
أمّا “الفريق المعارض” فلا يزال يراهن على أن يصار إلى الاحتكام إلى الدستور في العملية الانتخابية وفق الآليات التي تحدّد أصول إجرائها غير المرتبطة بأي أعراف أخرى كاشتراط الحوار المسبق، على أن يتجاوب الفريق الآخر مع مبادرته القائمة على طرحين يعتبرهما هؤلاء الآخرون غير مقبولين لا شكلًا ولا مضمونًا، وبالأخص الطرح الثاني القائم على فرضية التقاء النواب في مجلس النواب من تلقاء أنفسهم ومن دون أي دعوة رسمية من رئيس المجلس، على أن تتخللها مشاورات لا تتعدى مدتها الـ 48 ساعة.
فـ “لقاء الجمعة” أمام امتحان سقوط مبادرات إنهاء الشغور الرئاسي الواحدة تلو الأخرى، بالتزامن مع تعذّر التوصل إلى وقف للنار في غزة الذي سينعكس حتمًا على الوضع المتفجّر في الجنوب، الأمر الذي يزيد من احتمالات عدم التوصّل إلى أي نتيجة محسومة رئاسيًا. وهذا يعني عمليًا انكفاء كل فريق إلى مربعه الأول، وإلى المزيد من التعقيد وعجز القوى المحلية عن إنضاج الظروف المؤاتية لإخراج الاستحقاق الرئاسي من الحلقة المفرغة. وهذا ما يعزّز التطلع من جديد إلى ما يمكن أن تقوم به اللجنة “الخماسية”، التي سبق لها أن أقرّت ولأكثر من مرّة بأنها لا تسمح لنفسها بأن تحلّ محلّ اللبنانيين، الذين عليهم أن يتوافقوا على انقاذ بلدهم عبر انتخاب رئيس لجمهوريتهم قبل أي أمر آخر، والذي مع استمرار تغييبه عمدًا سيبقى لبنان معلقًّا بحبال الهواء، وستتفاقم مشاكلهم الكثيرة، بحيث قد يصبح من المستحيل الولوج إلى مرحلة الحلول، التي لا تزال ممكنة ومتوافرة حتى هذه اللحظة، والتي ستصبح مع مرور الوقت أكثر تعقيدًا وعصّية على أي حلّ.
في المقابل، فإن تواصل الضغوط الدولية والعربية لوقف النار في غزة وانسحابه على جنوب لبنان لا يعني بالضرورة أن الطريق سالكة سياسياً وستصبح سالكة وآمنة أمام انتخاب الرئيس العتيد إن ما لم تبادر الأطراف المعنية إلى تقديم التسهيلات المطلوبة لتأمين الظروف الطبيعية لهذا الانتخاب. وقد يكون السبيل الوحيد المتاح أمام اللبنانيين الذهاب إلى الخيار الرئاسي الثالث وتقديمه على سواه من الخيارات. وهذا ما كانت اللجنة “الخماسية” ومعها الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان قد خلصا إليه من نتائج طبيعية وعملية.
فالخلاف الدائر حاليًا حول دستورية دعوة رئيس المجلس النيابي نبيه بري إلى الحوار ليس سوى تفصيل، لأن الخلاف الحقيقي يكمن في إصرار كل فريق على إيصال مرشحه إلى سدة الرئاسة الأولى. فإذا لمس نواب “المعارضة” من نواب “الممانعة” بعض التجاوب لجهة ذهاب الجميع إلى خيار المرشح المستقّل فإن “لقاء الجمعة” يكون قد قطع نصف الطريق الفاصلة بين “ساحة النجمة” والقصر الرئاسي في بعبدا، وعندها لا تعود شكليات الحوار أو التشاور ذات أهمية.