كازينو صوفر.. التاريخ الذي طُبع في الشرق الأوسط

19 يوليو 2024
كازينو صوفر.. التاريخ الذي طُبع في الشرق الأوسط

متألقا بجدرانه العربية ذات التصميم الإيطالي، لا يزال أوتيل “صوفر الكبير” المعروف بـ”كازينو صوفر” صامدًا على طريق الشام في واحدة من أجمل مناطق الإصطياف الجبلية، صوفر. هذا المعلم التاريخي الحاصل على أوّل رخصة “كازينو” وفندق في الشرق الأوسط بأكمله يمثّل مرحلة مهمة من تاريخ لبنان طبعت خلال الحقبة العثمانية حيث شرع ببنائه ابراهيم سرسق سنة 1885 على الطراز الإيطالي. وعلى الرغم من عدم وجود مخطوطات تؤكد من هو المهندس الذي خطّط ونفّذ، إلا أن أغلب الآراء تُجمع على أن مهندسًا إيطاليًا هو من بناه وصمّمه، ليستقبل داخل أروقتة نوابا ووزراء وملوكا، بالاضافة إلى المئات من أفراد الطبقة المخملية سواء من لبنان والعالم العربي وحتى العالم.

 

تاريخ كازينو صوفر لا يتوقف فقط عند فندق وكازينو، لا بل أروقة هذا المبنى العريق شهدت على أحداث سياسية لم تتوقف فقط عند لبنان، لا بل منه انبثقت قرارات عربية سياسية وعسكرية.

 

فعام 1944 اجتمعت لجنة عربية مشتركة في الفندق الكبير حيث شكّلت آنذاك نواة “جامعة الدول العربية” التي فعّلت عام 1945، وكانت أحجار هذا الفندق شاهدة على إقرار بنود خاصة للجامعة العربية. هذا عدا عن الاجتماعات السياسية التي نتج عنها اتفاقيات سرية عقدت داخل هذا الفندق منذ بدء فترة الحكم العثماني، وصولا إلى الإنتداب الفرنسي وانتهاءً بفترة الإستقلال. ومن أهم الاجتماعات أيضا هو اجتماع للجامعة العربية في 11 أيلول 1947 حضره أهم الزعماء العرب، من بينهم الرئيس السوري شكري القوتلي، ورئيس حكومته جميل مردم بك، مفتي فلسطين أمين الحسيني، رئيس وزراء لبنان رياض الصلح، الأمير السعودي فيصل بن سعود، ورئيس الحكومة العراقي نوري السعيد.

 

ومنذ عام 1885، تاريخ البدء ببنائه، أخذ آل سرسق على عاتقهم أن ينجزوا هذا المعلم الأثري، من خلال إصرارهم على فتح فندق في أجمل بلدات الإصطياف وسط شارع تميّز بأشجاره المعمّرة. وبعدها بسبع سنوات، أنتهى ميشال وألفرد سرسق، أبناء الطبقة الإرستقراطية البيروتية من بناء الفندق، وحصلو آنذاك على رخصة كازينو تحمل الرقم “1”، بإشارة إلى إنشاء أول كازينو في منطقة الشرق الأوسط.

وتمتد هذه التحفة المعمارية على مساحة 36 ألف متر مربع، ويتألف من طابق أرضي و3 طوابق علوية بمساحة 1500 متر مربع لكل طابق، مع وجود 75 غرفة موزعة على الطوابق. هذه الغرف تتنوع بين غرف عادية، وغرف كازينو للعب القمار، بالاضافة إلى غرف لعقد اللقاءات الإجتماعية بين أبناء الطبقة المخملية والأثرياء، وغرف للحفلات والسهرات الفنية. أما الطوابق العليا فكانت تحتوي على الأجنحة الفاخرة المخصصة لغرف النوم.

 

ما يميز هذا الفندق عن غيره من الفنادق صيته وثقله بين طبقة الأغنياء، وهذا ما سمح لصوفر بفتح آفاق جديدة استقطبت من خلالها أغنياء العرب والعالم، وهذا أيضا ما ساهم في مرحلة من المراحل بإدخال البناء الفخم والإستثنائي إلى البلدة الجبلية، حيث تم بناء القصور والفيلات الفخمة التي قطنها ملوك ورجال أعمال وقادة عرب.

ولشدة حرص الإدارة على إبقاء هذا الفندق مقصدًا لأثرياء العرب، كان يُمنع على أي كان الدخول إلا بالثياب الرسمية، إذ اضطرت الإدارة في وقت من الأوقات إلى طرد الكاتب أمين الريحاني لسبب أنّه لم يكن مرتديا ثيابه الرسمية، وعندها وصف الريحاني الفندق بـ”القصر المنيف”، إذ قال في كتابه “قلب لبنان”: ” إنها صوفر. المحجة القصوى، مصيف أعيان بيروت، صوفر الشامخة الشيّقة ذاتُ القصور المنيفة، زهرةُ الاصطياف في لبنان، فيها فندقُ صوفر الكبير وداخلَه الكازينو مفخرةُ أعيان بيروت.

وما كان يومئذٍ في لبنان غيرُ كازينو صوفر، ولا في بلدات الاصطياف في لبنان أكبرُ منه وأفخم. إنه القصر المنيف، روضتُه زاهرة، في وسَطها القصرُ وحوله مقاعدُ منتثرةٌ بين الأشجار السامقة يتوزع تحتها النزلاءُ إلى موائدَ مدوَّرةٍ بين الأشجار يشربون القهوة أو الشاي، وفي البهو الكبير موائد زُرقٌ جلس إليها لاعبو الپوكر بِسكونٍ ووقار وشيء بين الاثنين لا أدري ما أُسميه. وفي هذا النّزل حضرتُ حفلةً راقصة لراقصين في ثيابهم الرسمية، وراقصاتٍ في أزياء پاريسية وفساتينَ مقوّرةِ الصدر (ديكولتيه)، وبقيَت لي من ذكريات ذاك القصر المنيف إحدى طيّبات الحياة”.

اليوم يفتقد هذا المعلم الغني والتاريخي الاهتمام اللازم، فلا الوزارات المعنية قدّمت له أي دعم، ولا أصحابه استطاعوا أن يقوموا بترميمه، على الرغم من أن بين وقت وآخر تشهد الباحة الخارجية إقامة الحفلات المتنوعة، إلا أن ذلك لا يرتقي إلى مستوى إحياء معلم تاريخي عريق مرّ عليه أهم الأسماء أمثال أم كلثوم، إميل إده، بشارة الخوري، فيليب وتقلا شمعون، العاهل الاردني الملك حسن، الزعيم المصري سعد زغلول، محمد عبد الوهاب، فريد الأطرش، أسمهان، وغيرهم الكثير الكثير من الأسماء الذين كانوا يؤمنون بلبنان تلك البقعة المهمة، المتطورة، والتي وصلت إلى أقصى درجات الحضارة والثقافة.

 

المصدر:
خاص لبنان24