إسرائيل تدّك غزة وجنوب لبنان بقذائف وصواريخ أميركية الصنع. وحركة “حماس” و”حزب الله” يردّان على الاعتداءات الإسرائيلية بسلاح إيراني. هذا في العلن. أمّا ما يدور من مفاوضات بين واشنطن وطهران فحديث آخر. فهي تتعثّر حينًا، وتسجّل بعض التقدّم أحيانًا أخرى. وما بين التعثّر والتقدّم يواصل الطرفان حربهما غير المباشرة في غزة وفي الجنوب اللبناني، مع فارق يعتبره البعض كبيرًا، وهو أن الولايات المتحدة الأميركية ترفض من حيث المبدأ ما تقوم به إسرائيل من حرب إبادة، وما ترتكبه من مجازر يومية في حق الأبرياء من شيوخ ونساء وأطفال، فيما لا تجد إيران أي حرج في تأييد ما تقوم به كل من “حماس” وسائر الفصائل الفلسطينية من عمليات، وما تنزله “المقاومة الإسلامية” من خسائر في صفوف الجيش الإسرائيلي، بالتزامن مع تعطيل الحوثيين الملاحة في البحر الأحمر، وما تقوم به الحركات الجهادية في العراق ضد القواعد الأميركية.
Advertisement
فقد تصاعدت في الآونة الأخيرة العمليات العسكرية الحوثية المرتبطة بالتجارة البحرية كمًّا ونوعًا منذ إعلان الحركة في 3 أيار 2024، عن دخول عمليات “المرحلة الرابعة” بتوسيع استهداف السفن المتجهة إلى إسرائيل في البحر الأبيض المتوسط، بما يُشير إلى أن إيران تحاول فرض تصور حول قدرتها وقدرة حلفائها على التأثير في بيئة البحر المتوسط. وهذا يعني بالمفهوم الإيراني لـ “وحدة الساحات” ربط مصالحها في المنطقة بالسيطرة الكاملة أو الجزئية على البحرين الأحمر بواسطة الحوثيين، والبحر الأبيض المتوسط بواسطة “حزب الله”. ولا يستبعد المراقبون أن يكون التحذير الذي أطلقه الأمين العام لـ “الحزب” السيد حسن نصرالله ضد قبرص من ضمن المخطط الذي تسعى إليه ايران.
وقد لا تكون مهمة “هدهد1″، الذي عاد بمسح جوي لمناطق عسكرية وأمنية وموانئ بحرية ومطارات إسرائيلية في مدينة حيفا، بالإضافة إلى مواقع لم يُحددها المقطع ضمن المنطقة الاقتصادية الخاصة في البحر، بعيدة عمّا تهدف إليه إيران من الوصول إلى المياه الدافئة للبحر الأبيض المتوسط بشقه الشرقي، الذي يعتبر البوابة الرئيسة لحركة التجارة الإسرائيلية والملاحة البحرية، ويتضمن منشآت إسرائيل الاستراتيجية سواء تلك الموجودة على سواحل البحر مثل ميناء حيفا أو المناطق الصناعية والعسكرية ومنشآت التخزين والطاقة، أو تلك الموجودة في المياه الإقليمية مثل حقل “كاريش” للنفط والغاز الطبيعي.
إن محاولات إيران دفع حلفائها لزيادة نشاطهم في مناطق شرق البحر الأبيض المتوسط لا تتعلق بمجريات الحرب في قطاع غزة فحسب، أو في التصعيد المرافق للحرب في الساحات الثانوية، بقدر ما تسعى إلى خلق تصور عام حول قدرتها على التأثير في مختلف المناطق الاستراتيجية والممرات المائية المحيطة في الشرق الأوسط، مع ما ينطوي ذلك من تداعيات استراتيجية على المصالح الاقتصادية والسياسية للدول الإقليمية المطلة على البحر الأبيض المتوسط، وكذلك على حركة الملاحة والتجارة الدولية، خصوصًا أنها أظهرت سابقًا قدرًا لا يستهان به من زعزعة الاستقرار في مضيق هرمز عبر الحرس الثوري الإيراني، وفي البحر الأحمر عبر الحوثيين، وصولاً إلى اختبار قُدرتها وقدرة حلفائها على العمل في البحر الأبيض المتوسط.
مع ذلك، فإن “حزب الله” قد يكون الجهة الوحيدة بين أطراف “وحدة الساحات” القادرة على تهديد المنشآت الإسرائيلية المطلة على البحر الأبيض المتوسط أو تهديد الملاحة فيه، إلا أن ذلك يترافق مع تداعيات بالغة الخطورة، خصوصًا في رد الفعل الإسرائيلي والأميركي، والذي قد يستدعي عملية عسكرية إسرائيلية واسعة في لبنان، إلى جانب المخاطرة المتمثلة بعمليات اغتيال تطال قادة كبارًا في الحزب أو البنى التحتية الاستراتيجية له، في ضوء الانكشاف الاستخباراتي الواسع للحزب أمام إسرائيل.
إلاّ أن قدرة إيران وحلفائها لا تزال محدودة للعمل والتأثير في البحر الأبيض المتوسط، ويُمكن قراءة الاهتمام الإيراني المتزايد في تلك المنطقة بأنه اختبار لقدرتها وللاستجابة الإقليمية والدولية لتلك التهديدات، خصوصًا أن واشنطن لن تقف مكتوفة الأيدي أمام هذا التمدّد الإيراني