نظريتان تحكمان التطورات الرئاسية بعد الحرب الاسرائيلية في غزة ولبنان، وكلاهما مرتبط بشكل وثيق بموقف “حزب الله” من الاستحقاق الدستوري ومن ترشيح حليفه رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية في ظل كل التعقيدات الداخلية والاقليمية، خصوصا ان الساحة الداخلية تشهد تعديلا كبيرا في موازين القوى بسبب اعادة اصطفاف عدد من الشخصيات والقوى السياسية وانتقالهم من خندق الى آخر مع ما يعنيه ذلك من تحولات.
النظرية الاولى تشير الى ان “حزب الله” وبعد انتهاء الحرب سيعقد تسوية حاسمة سيكون فيها الرابح الاكبر عملياً، لكنه سيقدم تنازلات في الشكل خصوصا في ظل استحالة ايصال فرنجية الى قصر بعبدا، وعليه فإنه سيتنازل عن دعم الرجل عبر مخرج يؤمنه فرنجية نفسه ويذهب الى تسويات داخلية يحقق من خلالها نفوذاً اضافيا داخل النظام ويوصل رئيسا مقربا منه، ليس فرنجية. ويستند اصحاب هذه النظرية الى تصريحات رئيس مجلس النواب نبيه بري التي لا يوحي خلالها أنه متمسك بفرنجية الى ما شاء الله.
لكن اصحاب هذه النظرية يتناسون ان “حزب الله” يركز كثيرا على “الشكل” بمعنى انه يهمه تحقيق انتصار سياسي شكلي ايضا حتى لو قدم تنازلات فعلية، كما انه مهتم في تكريس صورة صدقه وخوضه معارك حاسمة من اجل ايصال حلفائه الى السلطة وتحديدا الى قصر بعبدا، مع ما يستتبع ذلك من تطورات ايجابية على علاقته بكل الطامحين للوصول الى رئاسة الجمهورية في السنوات المقبلة، من هنا يصبح تنازل الحزب عن فرنجية امرا ليس بالبساطة التي يعتقدها البعض.
من هنا ينطلق اصحاب النظرية الثانية الذين يؤكدون ان وصول فرنجية الى بعبدا سيصبح اسهل بكثير خلال مرحلة ما بعد الحرب، اولا لان الاميركيين سيكونون مهتمين بالحصول على تنازلات او اقله إلتزامات حدودية من “حزب الله” ولديهم الاستعداد لتقديم تنازلات مقابلة في الداخل اللبناني وحتى في الملف الرئاسي، وثانيا لان التحولات الداخلية والاصطفافات الجديدة تؤمن لفرنجية تقدما كبيرا في المعركة النيابية والرئاسية وتجعله اقرب الى القصر من اي وقت سابق.
لكن السؤال الابرز مَنْ يؤمن الغطاء المسيحي لفرنجية؟ ارتكب رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل خطأ استراتيجي عبر فتح باب الخلاف مع عدد لا بأس به من نواب كتلته النيابية، وعليه وفي ظل قرب فرنجية من الوصول للاكثرية النيابية في حال دعمه النواب السنّة والنواب الاشتراكيين، فإن عدد النواب العونيين المعارضين لباسيل والذين قد يتم فصلهم سيؤمنون عدد النواب المطلوب، لا بل قد يعطون شرعية مسيحية مقبولة لرئيس المردة، وذلك في ظل معارضة “القوات اللبنانية” و”التيار” النهائية لوصول الرجل الى بعبدا.
وترى المصادر ان السيناريو الاخير الموضوع على الطاولة ان يذهب الجميع الى انتخابات نيابية في موعدها وهي التي ستفرز مجلسا نيابيا جديدا قادرا على انتخاب رئيس، علماً ان هذا السيناريو سيؤدي الى اضعاف رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل مما قد يدفعه الى عقد تسوية سريعة مع حلفائه السابقين يحصل فيها على مكاسب حقيقية وكبيرة ويتنازل في الوقت نفسه عن الفيتو المرفوع في وجه فرنجية.