إذا أراد المرء أن ينظر إلى الوضع الجنوبي المتفجّر بعين واقعية لا يرى أن أحدًا يريد الاستقرار في هذه البقعة الجغرافية المغلوب على أمرها سوى طرف واحد يمثّل المجتمع الدولي الساعي إلى إحلال السلام عبر قواته الدولية العاملة في الجنوب. وباستثناء هذه القوات لا نجد أحدًا يريد لهذه المنطقة استقرارًا وسلامًا. لا “حزب الله”، وبالطبع لا إسرائيل. وكلاهما مشتركان من حيث لا يدريان في “مؤامرة” الحدّ من فعالية دور “اليونيفيل”، التي سيُمدّد لها سنة إضافية، وذلك نظرًا إلى الأدوار التي تقوم بها، أو تلك المسموح لها أن تقوم بها، أو تلك الأدوار المهيأة للقيام بها في حال عودة الجميع إلى نص القرار 1701 بما يعنيه من وقف للقتال.
Advertisement
ولأن لا صوت يعلو على صوت المدفع والواقع الميداني فإن أسئلة كثيرة يطرحها أكثر من طرف عشية التجديد لهذه القوات الدولية المنكفئ دورها لعدم رغبتها في الدخول بمواجهة مباشرة مع أحد، وعن جدوى التجديد لها. إلاّ أن الجواب عن كل هذه الأسئلة هو سؤال بحدّ ذاته، ويختصر بالتالي المشهدية العامة للوضع القائم اليوم في الجنوب، والذي رُبط قسرًا بالوضع المأسوي في قطاع غزة: ماذا يمكن أن يكون عليه الوضع في هذه المنطقة المسلوخة عن أرض الوطن وكأنها غير مرتبطة به مركزيًا من خلال مركزية القرار الرسمي بعد أن يسكت المدفع لو أن قوات “اليونيفيل” لم تكن موجودة، وهي التي لا تزال تقوم بمهامها وأنشطتها العملانية تمامًا كما كانت تفعل قبل 8 تشرين الأول، إضافة إلى الدور المهم والأساسي في عملها الحالي، وإن لم يكن ذا تأثير كبير، ولكنه الوحيد المتوافر حاليًا، وهو أن هذه القوات من خلال قيادتها العامة لا تزال توفر إحدى قنوات الاتصال القليلة بين لبنان وإسرائيل، وتعمل قدر المستطاع على حلّ بعض النزاعات، والتخفيف من التوترات والحؤول دون تفاقم الأمور نتيجة سوء فهم، الذي قد يؤدي إلى صراع أوسع.
فالتمديد لقوات “اليونيفل” هذه المرّة له أهمية كبيرة غير المرّات السابقة، وذلك نظرًا إلى استمرار التوتر والصراع بين إسرائيل و”حزب الله” الآخذ في التوسع والتصعيد مما يؤشر إلى أن الأمور ذاهبة في اتجاه جرّ لبنان إلى حرب كان ولا يزال يتحاشاها لمعرفة اللبنانيين بما سيكون عليه الوضع إذا أُجبروا على دخول تلك الحرب، التي لن تكون في نهاية المطاف لمصلحة أحد، وقد يجد جميع المتصارعين أن لا بدّ من العودة إلى القرار 1701، وإلى قوات الطوارئ الدولية للسهر على تنفيذه، وهي القوة الأساسية إلى جانب الجيش، المولج بهما مهمة إعادة الاستقرار إلى تلك المنطقة، التي تعاني الأمرّين منذ أكثر من تسعة أشهر في معاناة متواصلة ويومية.
وللدلالة على أهمية وجود قوات “اليونيفيل” في أكثر من منطقة في الجنوب، الذي يفتقر إلى أدنى مقومات الصمود والاستمرارية، لا بدّ من ابراز هذه النقاط:
– الحفاظ على الاستقرار والأمن، حيث لوجود قوات “اليونيفل” مساهمة، وإن خجولة ومتواضعة، في الحفاظ على مستوى معين من الاستقرار والأمن في المنطقة، مما يمنع تفاقم الصراع ويحدّ من إمكانية اندلاع مواجهة واسعة النطاق.
– مراقبة وقف إطلاق النار، على رغم ضراوة التخاطب المدفعي بين إسرائيل و”حزب الله” لا تزال قوات “اليونيفل” قادرة على لعب دور محوري في مراقبة ما يمكن التوصّل إليه مستقبلًا، إن عاجلًا أو آجلًا، لناحية وقف إطلاق النار، خصوصًا أن وجود هذه القوات يعطي الأمل بإمكانية الالتزام بالاتفاقيات الموقعة ويقلل من احتمالية وقوع انتهاكات.
– الحد من التوترات، إذ أن وجود قوات “اليونيفل” يساهم كثيرًا في تهدئة التوترات بين إسرائيل و”حزب الله”، حيث يمكن لها أن تعمل كوسيط محايد يساعد في تقليل حدة الصراع ومنع التصعيد إلى حدود معينة وبما تسمح به التطورات الميدانية.
– المساعدات الإنسانية، إذ لا يخفى ما تقوم به هذه القوات من أدوار في تقديم المساعدات الإنسانية للمدنيين المتأثرين بالحرب، وتوفير الدعم اللوجستي والخدمات الأساسية التي قد تكون متعذرة بسبب القتال، فضلًا عمّا تقوم به خلال السلم، اجتماعيًا وانمائيًا وطبيًا وتحفيز المهارات وما تشمله من دورات تدريبية في مختلف المجالات الحرفية.
إلا أن الدور الأساسي لهذه القوات فهو في ما هو آتٍ بعد أن يسكت المدفع ويعود الجميع إلى منطق العقل ولغة التخاطب المصلحي، وبالأخص عندما يعود الجميع، مضطّرين، إلى القرار 1701 كإطار حل مستدام في المنطقتين الجنوبية من لبنان والشمالية من إسرائيل.