ينهي الرئيس الأميركي جو بايدن المنسحب من السباق الرئاسي حياته السياسية باستقبال رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو، الذي يشنّ حربًا لا هوادة فيها على قطاع غزة، الذي حوّلته الصواريخ إلى أرض محروقة غير صالحة لعيش الانسان فيها بعد الآن، ولا يتوانى بالتالي عن تهديد لبنان عبر بوابته الجنوبية بتحويله إلى غزة ثانية. فالرجل وما فيه من صفات أشباه الرجال مصمّم على مواصلة الحرب أيًّا يكن الثمن. ولن تزيده زيارته لواشنطن سوى اقتناعه بتحقيق الأهداف، التي أعلنها منذ بداية حربه الغزاوية والجنوبية، وهي لم تتحقّق حتى الآن، وإن استطاع قتل الشيوخ والنساء والأطفال وتدمير المنازل والمستشفيات والمدارس ودور العبادة على رؤوس ساكنيها.
Advertisement
فنتيناهو قبل ذهابه إلى واشنطن وبعد عودته منها هو هو. لن يتغيّر، وإن فعل فللأسوأ. أي أن زيارته للعاصمة الأميركية ستزيده شراسة في تنفيذ ما بدأ به، على رغم أن الأميركيين الذاهبين إلى انتخابات مفصلية غير كل سابقاتها باتوا بمعظمهم مقتنعين بأن الحرب التي تخوضها إسرائيل هي أكثر من عبثية، وبالتالي باتوا يطالبون تل أبيب بوقف ما ترتكبه حكومتها الحربية من مجازر، وما تسعى إليه تجاه لبنان، الذي يعني الكثير لقسم كبير من الأميركيين، الذين تربطهم بهذا البلد الصغير علاقة قديمة فيها الكثير من الحنين إلى ما تركه جبران خليل جبران من أرث ثقافي من خلال كتابه “النبي”، الذي لا يزال أكثر الكتب مبيعًا في كل أنحاء الولايات المتحدة الأميركية.
فماذا يحمل معه نتنياهو إلى واشنطن من ملفات وماذا يمكن أن يعود به من نتائج؟
لا نقول جديدًا عندما نعدّد الملفات التي يتأبطها، ومن بينها بالطبع:
– ترميم صورته السياسية، التي اهتزّت كثيرًا بفعل موقفه الرافض في شكل حاسم وجازم لأي تفاوض مع حركة “حماس” على أساس “حلّ الدولتين”، وذلك من خلال ما يملكه من وسائل ضغط لا تزال قوية في المعادلات الانتخابية الأميركية، خصوصًا أن “اللوبي” الصهيوني له تأثير مباشر على هذه العملية، وأن كلًا من الحزبين الديمقراطي، بعد انسحاب الرئيس بايدن، والجمهوري من خلال إعادة تجربة الرئيس السابق دونالد ترامب، يسعيان إلى كسب أكبر قدر من الدعم من هذا “اللوبي”، مع الأخذ في الاعتبار أهمية صوت الجاليات العربية في عدد من الولايات، التي لا تزال تتأرجح بين الحزبين نتيجة المواقف الأميركية المؤيدة لإسرائيل، إذ تعتبر هذه الجاليات أن خيارات هذين الحزبين متساوية من حيث الانحياز إلى إسرائيل على حساب القضية الفلسطينية.
– ملف الأمن، الذي يتضمّن سلسلة لقاءات مع مسؤولين أميركيين للبحث في قضايا الأمن الإقليمي، بما في ذلك التهديدات الإيرانية والتعاون الأمني بين الولايات المتحدة وإسرائيل، في ضوء ما يفرضه الحوثيون، مدعومين بقرار إيراني واضح، من حصار على البواخر والسفن التجارية المتوجهة إلى البحر الأبيض المتوسط، وتحديدًا إلى المرافئ الإسرائيلية، التي تأثرّت حركتها الملاحية في شكل ملحوظ، وبالأخص ميناء ايلات، الذي اضطّرت ادارته لإقفاله وتسريح العمال فيه بسبب انعدام الحركة التجارية فيه، استيرادًا وتصديرًا.
– ملف تبادل الأسرى مع حركة “حماس”، مع ما لهذا الملف من أهمية بالنسبة إلى الحكومة الإسرائيلية، التي بدأت تواجه ضغوطات داخلية من شأنها أن تجبرها على تخفيف الضغط عن غزة، خصوصًا إذا قوبلت زيارة نتنياهو لواشنطن بتصلب من قِبل الإدارة الأميركية لجهة محاولة الضغط عليه بالتنازل عن سقف شروطه العالية، باعتبار أن أي تسوية تفرض على نمطية التفاوض بعض التنازلات المتبادلة بين الطرفين لإنجاح أي مسعى توفيقي.
أما عن النتائج المحتملة لهذه الزيارة، فيمكن أن تتراوح، وفق بعض الترجيحات، بين تعزيز الدعم الأميركي لإسرائيل في هذا الظرف الانتخابي الحرج لكلا الحزبين، مع إمكانية التوصل إلى تفاهمات بشأن القضايا الأمنية، مع توقع رفع وتيرة التصعيد، وبالأخص على الجبهة الجنوبية، إذا لم يتمكن نتنياهو من تحقيق تقدم ملموس في الملفات المطروحة.