يتصرف حزب الله ولبنان الرسمي على أن العودة إلى ما قبل 7 تشرين الأول حتمية، بمجرد وقف الحرب في غزة. لكنْ ليس هذا ما يتم التداول به غربياً وفي دول المنطقة.
وفي هذا السياق كتبت هيام قصيفي في”الاخبار”: في لبنان حتى الساعة لم يتخط الكلام عن التهدئة سقف ربطها بوقف حرب غزة والعودة إلى ما كان عليه الوضع قبل 7 تشرين، بدليل الأجوبة اللبنانية العلنية وتلك التي تسرّبت من جولات الموفد الأميركي عاموس هوكشتين. لكن هذا ليس واقع الحال غربياً أو إسرائيلياً. فأي كلام يتعلق بالجنوب والتهدئة المستدامة فيه من الصعب حتى الآن التعامل معه على أنه سيبقي الوضع الجنوبي تحت سقف العودة الطبيعية إلى القرار 1701 والقفز فوق كل ما أحدثه دخول حزب الله على خط الإسناد. لا بل إن الذهاب مرة تلو أخرى إلى تأجيل البحث الجدي في وضع الجنوب يرسم توقعات مستقبلية، تنتظر المتغيرات الأميركية كما الإمكانات الإسرائيلية بعدما بلغت التحذيرات ذروتها في استهداف لبنان.
لا مجال وفق ذلك لاستئناف المفاوضات من حيث كان الوضع عليه قبل الترسيم البحري وبعده. ومشاركة حزب الله في حرب غزة غيّرت النظرة إلى واقع استتباب الأمن شمال إسرائيل، وغيّرت معها تعامل دول غربية ناشطة على خط العلاقة مع حزب الله. لكن، في المقابل، لا يعني ذلك أن الأطراف الأخرى ستقف على الحياد في السعي إلى إعادة الوضع إلى غير ما كان عليه، ولا سيما الدور الإيراني الذي يتقدم منذ 7 تشرين الأول، تهدئة ومن ثم تصعيداً فرفعاً للصوت مجدداً، ومن ثم العودة إلى التهدئة مستدرجاً عروض الاتصالات قبل الدخول في الحوارات الأكثر عمقاً وتشعباً حول قضايا النووي وساحات المنطقة. هذا كله قبل أن يقترب استحقاق الانتخابات الرئاسية الأميركية.
وإذا كان حزب الله أظهر في الأشهر الماضية إمساكه بقبضة التفاوض، فإن الواضح أن معارضيه في الداخل باتوا مقيّدين بحركته وقدرته على فرض أمر واقع، يتعلق بإدارته لعبة فرض شروطه والتفاوض مباشرة حيث تدعو الحاجة مع وسطاء أوروبيين وأميركيين عبر الرئيس نبيه بري أو عبر الحكومة. ومعضلة المعارضين اليوم أنهم باتوا أسرى عدم القدرة على إنتاج أي تصور لما بعد الحرب واليوم التالي لها. ولو أن حسابات المعارضين لحزب الله لا تؤخذ في الميزان حتى الآن، لأن النظرة الأشمل تتعلق بأن لبنان من ضمن الدول التي تنتظر تحولات كبرى ترسم حولها حدود التفاوض، في غياب أي تصور لحل نهائي بالنسبة إلى القضايا الإقليمية المتشابكة، فإما أن توقف الأعمال القتالية كما حصل قبل 18 عاماً من دون أي نظرة مستقبلية، وهذا مشكوك فيه حتى الآن، وإما أن تدخل في مساومة تطبيعية للوضع العام، تعيد بعد سنوات إنتاج مشهد جديد لحرب غزة ومعها حرب إسناد جديدة.