بدا من الواضح أمس أن مجمل المعطيات الدولية والخارجية لم تكن تبدي أي تفاؤل استباقي في تبديل مرتقب لواقع الحرب في غزة أو المواجهات المتصاعدة في الجنوب
يمكن أن يظهر في خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام الكونغرس الأميركي، بما يعكس استبعاد التوصل الى تسوية قريبة عبر وقف النار في غزة وانسحابه التلقائي على الجنوب في لبنان. إذ أنه إلى جانب استمرار تصعيد المواجهات المتبادلة بين إسرائيل و”حزب الله”، عادت دول بارزة مثل كندا لدعوة مواطنيها لعدم التوجه إلى لبنان.
ولكن الأهم والأشد إثارة للاهتمام برز في ما يمكن اعتباره التحذير الأشدّ الحاحًا الذي اطلقه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش حيال خطر اتساع حرب مدمرة على جانبي الخط الأزرق، حتى أنه عبر في هذا الإطار عن “الجزع الشديد” وحضّ الجميع على العودة إلى إلتزام القرار 1701 لتجنب المواجهة المدمرة.
واكتسبت تحذيرات غوتيريش دلالات دقيقة ومثيرة للاهتمام، إذ أنه في خلاصاته وملاحظاته حول تقريره عن تنفيذ القرار 1701 خلال الفترة من 21 شباط إلى 20 حزيران 2024 الذي يعرض تفصيلياً وقائع المواجهات الجارية في الجنوب، أعرب عن “القلق البالغ الذي يساوره إزاء الخروقات المتكررة لوقف الأعمال العدائية عبر الخط الأزرق منذ 8 تشرين الأول “ولفت إلى “أن دورة التصعيد بين “حزب الله” والجماعات المسلحة الأخرى غير التابعة للدولة في لبنان من جهة وجيش الدفاع الإسرائيلي من جهة أخرى تؤثر بشدة على السكان المدنيين على جانبي الخط الأزرق وتشكل تهديداً خطيراً لاستقرار لبنان وإسرائيل والمنطقة”.
وأضاف: “ما يثير الجزع الشديد تكثيف عمليات تبادل إطلاق النار وتوسيع نطاقها الجغرافي مصحوبة بخطابات تزداد عدائية وبتهديدات بحرب شاملة. وإني أناشد الطرفين أن يجددا بشكل عاجل الالتزام بالتنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن 1701 ويعودا فوراً إلى وقف الأعمال العدائية ويستفيدا من كل السبل الديبلوماسية بما فيها المساعي الحميدة للأمم المتحدة لتجنب مزيد من المعاناة وخطر اندلاع مواجهة مدمرة أوسع نطاقا”.
وإذ لفت إلى ما حمله تكثيف عمليات تبادل اطلاق النار من موت ودمار وخسائر فادحة من قتلى مدنيين ونزوح داخلي لعشرات آلاف المدنيين، جدّد دعوته إلى جميع الأطراف للامتثال التام لالتزاماتهم بموجب القانون الدولي الإنساني، كما عبر عن قلقه البالغ إزاء الإصابات التي لحقت بحفظة السلام والآثار التي طاولت مواقع القوة الموقتة.
وإذ أكد الأمين العام للأمم المتحدة أن عمليات تبادل اطلاق النار تبرهن على حيازة “حزب الله” وغيره من الجماعات المسلحة غير التابعة للدولة لأسلحة خارج نطاق سلطة الدولة في المنطقة الواقعة بين #نهر الليطاني والخط الأزرق في انتهاك للقرار 1701، أهاب مرة أخرى بحكومة لبنان أن تتخذ كل الإجراءات اللازمة حتى لا تكون هناك أي أسلحة في لبنان غير أسلحة الدولة أو سلطة غير سلطتها بما في ذلك من خلال التنفيذ التام للأحكام ذات الصلة من اتفاق الطائف ومن القرارين 1559 و1680 التي تطالب بنزع سلاح كل الجماعات المسلحة في لبنان. كما كرّر ادانته لكل انتهاكات السيادة اللبنانية انطلاقاً من إسرائيل، ودعا الحكومة الإسرائيلية مجدداً إلى وقف جميع عمليات التحليق فوق الأراضي اللبنانية.
واعتبر أن “من الملح أن تكون للبنان سلطة تنفيذية مخولة برعاية البلد عبر الأزمات المتعددة التي تواجهه حالياً، وحضّ القادة السياسيين في لبنان على اتخاذ خطوات حازمة نحو انتخاب رئيس لمعالجة المتطلبات السياسية والاقتصادية والأمنية الملحة التي تواجه البلد والنهوض بإحراز تقدم عاجل في الإصلاحات التي من شأنها تحقيق الاستقرار في الاقتصاد وتحفيز تعافيه. ولفت إلى أن قدرة القوة الموقتة على تنفيذ أنشطتها العملياتية هي أكثر أهمية من أي وقت مضى ولا تزال القيود على حرية تنقلها تثير قلقاً بالغاً، وكرر التأكيد على ضرورة أن تتصدى حكومة لبنان لأي حوادث من هذا القبيل.
وعلى اثر تلاوة تقرير الأمين العام في جلسة مشاورات لمجلس الأمن، قدّمت المنسّقة الخاصّة للأمم المتحدة في لبنان جينين هينيس- بلاسخارت ووكيل الأمين العام لعمليات حفظ السلام جان بيار لاكروا إحاطة إلى مجلس الأمن، فأوضحت هينيس-بلاسخارت “أنّ لبنان والمنطقة برمتها لا يزالان على حافة خطر محدق”، ولكنّها أكدت، رغم ذلك، “أن الحلّ الديبلوماسي للخروج من الأزمة لا يزال ممكنًا، رافضة القبول بأن الصراع الشامل لا مفر منه”، وأشارت إلى أن “كلاًّ من لبنان وإسرائيل يعلنان أنّهما لا يسعيان إلى الحرب”، معربة عن أملها في أن يؤدي التوصل إلى “اتفاق بشأن غزة” إلى العودة الفورية لوقف الأعمال العدائية عبر الخط الأزرق.
وإذ أبدت “مخاوفها من أن يؤدي أيّ خطأ في التقدير من قبل أي طرف إلى اندلاع صراع أوسع يطال المنطقة بأكملها” حضّت على “بذل كلّ جهدٍ ممكن لإبعاد الطرفين عن حافة المزيد من التصعيد، مؤكّدةً أنّ تنفيذ القرار 1701 هو الطريق نحو الأمن المستدام”. كما تناولت الأزمات الأخرى التي يعاني منها لبنان منذ ما قبل اندلاع المواجهات الحالية، موضحة أنّه “في ظلّ الجمود في ملف الفراغ الرئاسي المستمرّ أصبح تحلّل الدولة وتراجع قدرة مؤسساتها واقعاً ملموساً على الأرض. وأعربت عن أسفها لأن يضطر أبناء الشعب اللّبناني إلى الاعتماد على التحويلات المالية للعاملين بالخارج أو العمل في وظائف عدة لمواصلة حياتهم، مؤكّدةً ضرورة إحياء مسيرة الإصلاحات الاقتصادية والمالية.