لا تزال الحرب المندلعة في الجنوب مادة اساسية في الحياة السياسية اللبنانية، اذ انها تجمد بشكل فعلي اي حل او تسوية او محاولة توصل الى تسوية داخلية، رئاسية وغير رئاسية، على اعتبار ان “حزب الله” المنشغل في الاشتباك العسكري ليس مستعجلا على اي اشتباك من نوع اخر، لا بل ان انتظاره لانتهاء المعركة سيقدم له فرصة فعلية لتحسين حظوظه في المفاوضات ما يزيد من نفوذه السياسي داخل المؤسسات الرسمية، لذا سيبقى صوت المعركة هو الاعلى خلال المرحلة الحالية..
كما ان “حزب الله” مرتاح داخلياً، اذ وبعد مرحلة طويلة من شبه العزلة التي عانى منها باتت لديه اليوم مروحة واسعة جدا من التحالفات، اذ انه حليف لجميع القوى السياسية في الطائفة الدرزية،وحتى النائب السابق وليد جنبلاط يناصر الحزب وحراكه العسكري، كذلك فإنه متحالف بشكل وثيق مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ،ولديه علاقات مع غالبية القوى والنواب السنّة بإستثناء بعض المعارضين المتحالفين مع “القوات اللبنانية”.
وفي الوقت الذي حصل تحول فعلي في الواقع الشعبي السنّي والدرزي خلال الحرب، باتت القوى السياسية الممثلة لهذين الشارعين قادرة اكثر على التحالف مع “حزب الله” وهذا ما سيظهر بعد انتهاء المعركة اذ من المتوقع ان تتوسع دائرة المؤيدين لرئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية ولوصوله الى القصر الجمهوري مما سينعكس تحالفا سياسيا بين “قوى الثامن من اذار “من جهة وبعض القوى التي كانت تخاصمها من جهة اخرى مثل بعض النواب السنّة المقربين من الرئيس سعد الحريري والحزب “التقدمي الاشتراكي”.
هكذا تواصل يعني ان غالبية القوى والكتل النيابية الاسلامية ستعقد تحالفا سياسيا يؤمن لها، لاسباب كثيرة، اكثرية داخل المجلس النيابي خصوصا اذا ضيف اليهم عدد من النواب المسيحيين المؤيدين لفرنجية والداعمين ل”قوى الثامن من اذار”، من هنا يطرح السؤال عما اذا كان هناك اتجاه لعزل القوى السياسية المسيحية وعدم ادخالها في التسوية او الاصح تحاوزها في مسألة انتخاب رئيس جديد للجمهورية علما ان الرئيس هو الممثل الاول للمسيحيين في النظام السياسي اللبناني؟
من الصعب تكرار عملية عزل المسيحيين سياسيا، اولا لان قواهم السياسية لديها كتل نيابية كبيرة وقادة على التعطيل او اقله على فرض مستوى معين من الارباك للمجتمع السياسي اللبناني في اللحظة التي يراد اخراجها من المشهد، وعليه يصعب تجاوز هذه القوى خصوصا اذا توحدت حول بعض المطالب، لكن قد يكون التجاوز لبعض القوى المسيحية فقط وعندها يصبح للامر شرعية واضحة دستوريا واجتماعيا وسياسيا وهذا لا يحصل الا اذا تحالفت احدى الاحزاب المسيحية الاساسية مع قوى الثامن من اذار.
سيحتاج تغييب المسيحيين عن السلطة في المرحلة المقبلة الى اجماع القوى غير الإسلامية وهذا غير متوفر علنا او ضمنا، كذلك الى قرار اقليمي ودولي غير مبال بعقد تفاهمات مع “حزب الله” وحلفائه من دون الاهتمام بكفية انعكاس هذه التفاهمات في الداخل اللبنانية.
وعليه فإن كل ما تقدم غير متوفر حاليا، وتمرير اي استحقاق يحتاج الى موافقة احدى الكتل المسيحية الكبرى على الاقل.