رغم استمرار المخاوف من تصعيد بين العدو الاسرائيلي من جهة وحزب الله من جهة أخرى وحالة الترقب لما ستؤول إليه الأوضاع الأمنية في لبنان بعد الاعتداء الإسرائيلي أمس على الضاحية الجنوبية، وتأكيد حزب الله أن أي ضربة إسرائيلية ستعتبر عدواناً بالنسبة إليه، وسيتعامل معها على هذا الأساس ، لا تزال مداخلة النائب علي فياض التي قدمها في مؤتمر “التجدد للوطن” في البيال، تحظى باهتمام أصحاب الرأي والاختصاص نظراً لما حملته من مقاربات حول الأزمة اللبنانية لجهة توصيف الهواجس لدى الطوائف وطرح الضمانات وتشديده على أهمية المصارحة والمسؤولية الوطنية، والتوافقية، مع اعتقاده أن الصيغة اللبنانية، هي صيغة هشة جداً وقوية جداً. وفي قراءته للتغييرات الجيوسياسية إقليمياً ودولياً، يعتقد فياض أن الشرق الأوسط هو إعادة تشكيل توازنات ومعادلات جديدة وليس خرائط جغرافية جديدة ونحن أمام مرحلة مليئة بالتحولات على المستويات كافة.
الحلقة الحادية عشرة: مساهمة البروفسور روي بدارو في مناقشة مداخلة فياض.
يوضح البروفسور روي بدارو أن مقاربته لمداخلة فياض ليست من ضمن اللعبة السياسية، إنما من زاوية وجدانية نتداول أفكارها ضمن مجموعة مفكرين. ويقول هناك بعض الأسئلة أود طرحها في سياق مداخلة النائب فياض، فهل حان وقت فتح الحوار من قبل حزب الله مع المجتمع اللبناني؟ هل المجتمع بجميع قواه يريد الحوار في ظل الواقع الحالي؟ هل الآن هو التوقيت المناسب؟ ولماذا الآن وليس غدا؟ هناك أسئلة عديدة نود طرحها، لكن ليس في هذا الإطار والتوقيت.
توحي كلمة فياض، وفق بدارو أن هناك روح تغيير في مقاربة الأمور، وهذا الامر يشكل إشارة إيجابية وبصيص نور في الظلمة الحالية. ونحن بانتظار الوثيقة الجديدة للحزب، ما بعد وثيقة 2009 والتي لدينا اعتراضات وأسئلة كثيرة عليها. ونتوقعها، إن أتت، في حلول السنة المقبلة، حيث ستتوضح للجميع استراتيجية السنوات المقبلة التي سترسم كيفية تعاطي الحزب مع واقع الدولة ومكانتها في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية.
ولا يعتقد بدارو أي تقدم حثيث وجدي في الحوار الوطني، ما لم نر وثيقة رسمية تظهر الاستراتيجية الجديدة، ومن بعد ذلك، يبنى على الشيء مقتضاه، قائلاً: أتنمى ألا ينتظر أحد من المكونات السياسية أي تغيير خارجي، وألا يستقوي أحد بحالة معينة، وأن يكون هناك مشروع مجتمعي مبني على احترام التنوع ليس فقط بالمكتوب إنما بالممارسة على وجه الخصوص. ما لم يكن ذلك، فقوات التطرف ستجرف الجميع.
ما استوقف بدارو، هو، استخدام فياض في مداخلته كلمة جيوسياسية-استراتيجية سبع عشر مرة، إيحاء أن قرار لبنان موجود خارجه ومحيطه الإقليمي، وكأن مصيره مقيد بقرارات خارجية تقوضه وتنفي سيادته. في حين أن الأوطان ليست فقط ماض وتاريخ، إنما هي أيضا مشروع مستقبلي مبني على رؤية مشتركة ضمن قواعد دولة قانون تجلب الاستقرار والنمو والبحبوحة لجميع أبنائها، بفخر وعزة ودون شحاذة من هذا أو ذاك.
وردت في مداخلة فياض ركائز المصارحة والمسؤولية، لكن يقتضي، وفق بدارو، إيضاح مرتكز التوافقية المذكورة، في ترجمتها كما في ممارستها. ففي مداخلة فياض هناك نقاط عديدة، منها نتفق عليها ومنها نختلف معها، ولا يسع الرد عليها الآن. بانتظار أن يفتح النقاش عندما يحين الوقت.
ومع ذلك يقول بدارو : نحن لا نسلك نفس الطريق كي نتلاقى في مكان ما مع مقاربة فياض، فنحن نسكن مساحة جغرافية محددة ضمن دولة في طور الانحلال التام، نتمناها أن تصبح وطنا جامعا يساوي بين أبنائه دون أي تفرقة بينهما. نحن لسنا لا أعداء لبعض ولا حتى خصوم، لكن نحمل مشاريع مختلفة. نتمنى توسيع مساحات التقاطع وتصغير مساحات الاختلاف، كي لا تتطور الأمور إلى خلاف وجودي وتفكك ما تبقى.
إن الهواجس، وفق بدارو، ليس لديها طابع طائفي بقدر ما هناك هواجس سياسية عابرة للطوائف ولو بنسب متفاوتة، مع تشديده على أن اتفاق الطائف يعطي استقراراً بنيوياً طويل الأمد ولو هو بحاجة إلى بعض التعديلات الإجرائية كي يخدم مهمته الأصلية ويؤمن نموا مستداما جامعا بين المناطق والمكونات. فممارسة الحكم لم تكن بالمستوى المطلوب طيلة المرحلة السابقة حيث بنيت على المحاصصة، والفساد وعدم المحاسبة. هنا برع الجميع بالتكافل والتضامن، في السكوت المدوي وغض النظر.
ويقول بدارو: الجميع بحاجة للطائف ولو كانوا يطعنوا به. والمقاربة المطروحة لا تصف الوضع بالدقة لا بل تصرف النظر عن جوهر الأزمة ألا وهي أخلاقيات الحكم وإعادة ترتيب الحوكمة الشاملة. ومن هنا علينا أولًا تحديد مفهوم كلمة نظام. لكن لا الوقت ولا الظروف تسمح حاليا بالنظر بأي تغيير في الموازين الدقيقة الموضوعة في اتفاق الطائف خاصة في التمثيل النيابي، لا بل يجري تشويهه من خلال قوانين انتخابات تخدم السلطة وتقهر المواطن. إعادة النظر بقانون الانتخاب هو أولوية الأوليات، وهناك أفكار عدة. والثابتة الأولى والأعلى هي أن قوة الميثاقية تتفوق على واقع العد الديمغرافي، مهما كان حاضرا أو سيكون في المستقبل البعيد إذا أردنا بناء وطن-دولة نموذجي، فيتطلب ذلك إبعاد لبنان عن كل تدخل خارجي مباشر أم غير مباشر في سياساته الداخلية والخارجية. ولسوء الحظ نعيش عكس ذلك، حيث نجلب الخارج مباشرة وغير مباشرة للتدخل في شؤوننا.
والأكيد، وفق بدارو، أن لبنان هو المختبر الوحيد في العالم الذي تتفاعل به أفكار، عقائد، أيديولوجيات، ثقافات، طرق عيش مختلفة متبارزة، تجدي غنى للبشرية، ويشكل حالة فريدة، يمكن أن تكون نموذجا لتفاعل الحضارات.
إن طمأنة الجميع، بحسب بدارو، تبقى في الدولة التي تلعب دور المظلة الحامية. لا أحد يعلو فوق الدولة، مهما علا شأنه. وغياب الدولة يظهر وينمي الهواجس. فبدل معالجة الظاهرة فلنذهب إلى معالجة جوهر المشكل، أي غياب الدولة واختطافها. نحن نصنع ونحمي الوجود، إذ أن الوجود ليس صدفة، إنما جهد وجهاد.
وبينما يسأل مراقبون عن الكيان في ضوء الكلام عن هواجس الطوائف والضمانات وان لبنان الكيان يواجه التحديات الوجودية وليس بعض الطوائف، يستوضح بدارو معنى كلمة كيان، إذ الكلمة لها معان متعددة بوسعها وعمقها. الكيان كمساحة جغرافية حدد منذ سنة 1920 وثبت بإرادة العيش معا، ولو مر بصعوبات جمة ويشهد حاليا تحديات وجودية. ويضيف هناك فرق بين جوهر الصيغة وممارستها. جوهر الصيغة أصلب من أن تطاله أي قوى سياسية، ولكن ممارسته هشة من جراء التفاعل السلبي لجميع القوى السياسية والغير سياسية. ومن المبكر الجواب على السؤال الصيغة اللبنانية التي تمنع أي حزب من السيطرة على السلطة بالكامل والتعديلات المطلوبة في هذه الصيغة؟، وكما ذكرت هذا جزء من إعادة النظر بالحوكمة. ويضيف أصبح من الواضح أن موضوع السلاح يشكل إشكالية كبيرة بين مكونات البلد. ولدي قناعة أنه في حال تحاورنا واتفقنا على مهمته ووجهته وممارسة الحكم فيه، فذلك سيسهل مقاربة هذا الملف.
لقد تحدث فياض عن أننا في دولة انتقالية والدستور اللبناني، في المادة 95 يسمي المرحلة التي نعيش دستورياً في ظل أحكامها الراهنة، بأنها مرحلة انتقالية. ورغم أن الطابع الانتقالي جرى ربطه بغياب تطبيق الإصلاحات السياسية الجذرية التي تتصل بالنظام السياسي وإلغاء الطائفية السياسية، فإن فياض يعتقد بأن الطبيعة الانتقالية إنما تتصل بكل ما يرتبط بمقتضيات الدولة في بعديها الداخلي والخارجي، أي النظام السياسي والموقع الجيوستراتيجي. وإن وعي هذه المسألة ومقاربتها من هذه الزاوية هو موضوع شديد الأهمية، غير ان بدارو يشير إلى أن كل دول العالم في انتقال مستمر. وإذا كان يقصد المادة 95 من الدستور، فذلك سابق لأوانه. هناك بنود كثيرة تسبق تسلسليا هذه المادة.