4 آب كـ 14 شباط …مجرد ذكرى

5 أغسطس 2024
4 آب كـ 14 شباط …مجرد ذكرى


لن يصل التحقيق في “جريمة العصر” إلى الخواتيم، التي يمكن أن تبلسم جراح جميع الذين فقدوا أحباء على قلوبهم التواقّين إلى معرفة الحقيقة الكاملة لتفجير مرفأ بيروت. وإن عُرف جزء من هذه الحقيقة فإن الذين تسبّبوا بها سيبقون خارج قضبان السجن. وما دامت العدالة في لبنان هي وجهة نظر، وما دام هناك من لا يزال يعتبر نفسه أنه فوق القانون وفوق المحاسبة فلن تتحقّق العدالة، وستبقى أساسات هيكل الحكم مهدّدة بالسقوط. وما يحصل منذ نهاية شهر تشرين الأول من العام 2022 حتى اليوم ليس سوى استكمال لحلقات جريمة 4 آب 2020، وهي حلقات مترابطة في سلسلة من الاحداث الهادفة إلى تفريغ الدولة من كل ما يمكن أن يرمز إلى عدالة الأرض، بدءا من إبقاء رئاسة الجمهورية من دون رئيس إلى يوم لا يعرف أحد متى يحين موعده إلاّ الذي يملك مفتاح خزانة الأسرار، وانتهاء بما ينتظر لبنان من نتائج حرب لا يريدها ولم يسعَ إليها.

Advertisement

فكما أن العدالة في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري لم تتحقّق على رغم أن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان أصدرت قرارها الظني، كذلك فإن العدالة في جريمة تفجير المرفأ لن تتحقّق، طالما أن الذين لا يزالون يعتبرون أنفسهم أنهم أقوى من الدولة، وطالما أن في السلطة وخارجها من لا يزالون يعتقدون أنهم قادرون على “فك حبل المشنقة” من حول رقبة أكبر مجرم.
هذه هي الحقيقة الوحيدة التي يجب أن يقرّ بها الجميع، وبالأخصّ أهالي ضحايا هذا التفجير. هي مرّة تلك الحقيقة، ولكنها ليست أشدّ مرارة من العيش على أمل التوصّل إلى معرفة حقيقة لن يُسمح بالكشف عنها، وإن كُشفت فستبقى محاسبة من ارتكبها، عمدًا عن سابق تصور وتصميم، أو عن جهل أو اهمال وظيفي أو تقصير بالقيام بأدنى الواجبات، من دون نتيجة.
فلو لم يكن وراء الأكمة ما وراءها مما هو أدهى وأعظم من التفجير بحدّ ذاته لكان التحقيق وصل إلى خواتيمه سواء عبر المحقق العدلي الأول القاضي فادي صوان، الذي تُنحّي من دون معرفة الأسباب التي أجبرته إلى التنحي مرغمًا، أو عبر المحقق العدلي الثاني القاضي طارق البيطار المكفوفة يده حتى اشعار آخر، وهو المصرّ على الوصول إلى حيث لم يتمكن غيره من الوصول كالمحكمة الدولية المحرّرة أساسًا من كل الضغوطات المحلية التي يمكن أن يتعرّض لها أي قاضٍ لبناني.
فما قيل في الذكرى الرابعة وما سيُقال في تعداد سنوات التذّكر لم يخرج عن إطار التمنيات ولن يخرج. وهذه التمنيات الصادقة بالطبع لن تثلج صدور الأهل الذين فقدوا فلذات الأكباد وأغلى الأعزاء على قلوبهم. هي مجرد كلمات لن تخرج التحقيق من دائرة المحاصرة والتضييق والتهويل وكف اليدّ. وهكذا تتوالى الأيام من دون أن يتاح للبنانيين فرصة معرفة أسباب هذه الجريمة الموصوفة، ومن دون السماح لأهل الضحايا حتى بالأمل المربوط بخيط رفيع، وإن طال الزمن.
فهؤلاء الأهالي، الذين بحت أصواتهم، لا يطلبون سوى معرفة الحقيقة أو حتى جزء منها. وما يطالبون به لا علاقة له بالسياسة وأهلها، مع أنهم يعرفون في قرارة أنفسهم أن دون الوصول إلى هذه الحقيقة صعوبات ومعوقات كثيرة. ولكن وعلى رغم مرارة هذا الواقع فإن ما يطالبون بهم هو حق، وهذا الحق لن يتخّلوا عنه. وإذا لم يكن في الإمكان أفضل مما كان منذ أربع سنوات حتى الآن، وإذا لم تتحقّق عدالة الأرض، فأقل الواجب يقضي بعدم دفع هؤلاء الأهالي إلى اليأس وفقدان الأمل، الذي من دون يصبح العيش ضيقًا.